سوريا والإرهاب الأوروبي
لا يخفى على احد وجود عدد كبير من الارهابيين الأوربيين في سوريا والذين قاتلوا إلى جانب صفوف “داعش” الارهابي، وفي مرحلة ما عاد جزء من هؤلاء الارهابيين إلى بلادهم، وكانت النتيجة عمليات ارهابية في عدة دول اوروبية، ومع ان الحكومة السورية حذرت مرارا وتكرارا من خطورة دعم الارهاب في سوريا إلا أن الأوربيين لم يهتموا بما قالته دمشق وكان كل همهم طحن الحكومة السورية والشعب السوري وضغطهم حد الانفجار لأهداف سياسية واضحة.
حتى اللحظة أوروبا لم تتعلم الدرس رغم التحذيرات التي كانت قد أطلقتها القيادة السورية للأوروبيين وتحديدا منذ عام ٢٠١٣ بخطورة السياسات الأوروبية المنتهجة في سوريا واستمرار دعم وتغذية الارهاب على اراضيها لتعيش اوروبا الارتدادات الطبيعية لتلك السياسات السيئة والتي أصر الاوروبيون على الاستمرار فيها عبر مواصلة الدعم والإسناد المكشوف للإرهاب في سوريا.
فمنذ عام ٢٠١٣ حذر الرئيس السوري بشار الأسد وأثناء مقابلة صحفية مع صحيفة فرانكفورتر الألمانية قال الأسد إن اوروبا ستدفع الثمن اذا سلمت أسلحة لقوات المعارضة في سوريا وسيصبح الفناء الخلفي لاوروبا إرهابيا وسيصل الارهاب إلى أوروبا.
حول هذا الموضوع أكد الدكتور بشار الجعفري نائب وزير الخارجية والمغتربين السوري، أنه منذ بداية عام 2011 ، تورط العديد من الدول الأوروبية والغربية بالأزمة في سوريا عبر إرسال عشرات الآلاف من الإرهابيين الذين يستهدفون الدولة السورية وشعبها، مشدداً على أن سوريا عازمة على القضاء على كل بقايا الإرهاب ووضع نهاية لظاهرة الإرهابيين الأجانب عابري الحدود.
ودعا الجعفري في كلمة له اليوم خلال مؤتمر نظمه المركز الأوروبي لدراسات التطرف التابع لجامعة كمبريدج البريطانية وأذاعتها صحيفة الثورة الالكترونية، إلى توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب بالتنسيق والتعاون الكامل مع الحكومة السورية وفي ضوء قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ودون انتهاك السيادة السورية.. موضحا أن معالجة المشكلة الإنسانية في سوريا تتم عبر رفع العقوبات الاقتصادية القسرية المفروضة على الشعب السوري وأن إصرار بعض الحكومات على عدم الامتثال لقرارات مجلس الأمن من خلال رفضها عودة الإرهابيين وعائلاتهم إلى بلدانهم يكشف عمق نفاقها.
وقال الجعفري إن بعض الدول تحيي هذه الأيام ما تسميه “الذكرى العاشرة للصراع السوري”، اعتمد الاتحاد الأوروبي يوم الخميس الماضي قراراً يجعل أوروبا جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل.. القرار متحيز وغير حقيقي وينحاز ضد الحكومة السورية في انتهاك صارخ لبنود ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدول، مشيرا الى أن هذا البيان يدين الاتحاد الأوروبي الذي يدافع دوماً عن حقوق الإنسان.
وأضاف إنه منذ البداية في عام 2011 تورطت بعض الدول في الأزمة في سوريا.. اعتادوا إرسال ودعم عشرات الآلاف من الإرهابيين الذين يستهدفون الدولة السورية وشعبها.. لم يعد خطر هؤلاء الإرهابيين محصوراً بسوريا، بل بات يهدد الآن كل دول العالم بما في ذلك أوروبا نفسها.
العديد من التحذيرات التي كانت أطلقتها القيادة السورية وفي أكثر من محطة والتي تحمل عنواناً رئيسياً تمثل في أن المشكلات التي تواجهها أوروبا من الارهاب سببها تبني بعض قادة الغرب الاوروبي سياسة لا تخدم مصالح شعوبهم وخاصة عندما قدم هؤلاء القادة الدعم والغطاء السياسي للمجموعات الارهابية في سوريا.
بالنسبة للتفجيرات التي شهدتها المدن الأوروبية قبل عدة أعوام، تبين من خلال المعلومات الاستخبارية أن هناك صلة بين الإرهابي الذي نفذ جريمة قتل ثلاثة مدنيين في مدينة نيس الفرنسية وبين جماعات إرهابية تتخذ من محافظة إدلب السورية مركزا لإدارة عملياتها سواء في الداخل السوري أو خارجه، وهذه المحافظة تقع تحت سيطرة بعض الجماعات الإرهابية التي تقاتل في سوريا، وتحديدا تحت سيطرة ما يعرف بــ”جبهة النصرة” وهي الفرع السوري لتنظيم القاعدة الذي كان يتزعمه الراحل أسامة بن لادن، وبشكل عام فإن هذه المحافظة بقيت خارج سيطرة الدولة السورية بسبب الدعم التركي لوضع إدلب غير الطبيعي، أي أن الأتراك هم الذين يوفرون الحماية المباشرة لهذه الجماعات من خلال إبقاء هذه المحافظة خارج سيطرة الدولة السورية.
الدول التي تعرضت لهجمات إرهابية من قبل عناصر تدربت وقاتلت في سوريا، سواء من قبل من يحملون جنسيات هذه الدول أو جنسيات أخرى، هذه الدول تجدها غير مكترثة بالوضع في محافظة إدلب السورية مع أن هذه المحافظة تحولت بسبب الدور التركي السيئ إلى واحدة من أخطر البؤر الإرهابية، وخاصة بعد تمكن الحكومة العراقية من دحر ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، ولم تعد إدلب تشكل خطرا على الحكومة السورية فقط، وإنما باتت مصدر إرهاب حقيقي يستهدف الدول الأوروبية وغيرها.
فرنسا التي تخوض حربا لا هوادة فيها ضد تنظيم “القاعدة” في مالي بشمال إفريقيا لا تكترث هي وغيرها من الدول الأوروبية لوجود فرع هذا التنظيم في سوريا، ولا تسأل تركيا عن دورها في توفير الحماية غير المعلنة لهذا التنظيم وغيره من التنظيمات، مع أن عناصرها استهدفت الدول الأوروبية وفرنسا بالدرجة الأولى، كما حدث في مدينة نيس قبل عدة سنوات، ومن قبل ذلك في باريس ومدن فرنسية أخرى، بل إن خطر الجماعات الإرهابية المنتشرة في محافظة إدلب السورية يفوق بكثير خطر تلك التي تنشط في جمهورية مالي بشمال إفريقيا، من حيث التنظيم والقدرات العسكرية، وخاصة أن وجودها علني في هذه المحافظة، وتمارس سلطة الدولة أمام مرأى الدول الأوروبية والحماية التركية.
معاداة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أو حتى المطالبة والسعي لإسقاطه، لا تبرر هذا الموقف السلبي الأوروبي من وجود الجماعات الإرهابية في سوريا وغضّ الطرف عن الدور التركي الحامي لهذه التنظيمات من خلال توفير الغطاء العسكري لإبقاء محافظة إدلب خارج نطاق سيطرة الدولة السورية، فإذا كان لتركيا أهداف سياسية من وراء موقفها إزاء الجماعات الإرهابية وتحديدا “جبهة النصرة” الحاكمة في محافظة إدلب، فإن أوروبا يفترض ألا يكون لها أهداف سياسية من وراء موقفها السلبي تجاه هذه القضية، وسوف تكون الدول الأوروبية مخطئة جدا إن هي راهنت على أن وجود هذه الجماعة الإرهابية أو غيرها سيشكل ضغطا على النظام في سوريا، أو يسهم في إسقاطه.
لم يتوقف الدعم الاوروبي على الجماعات الارهابية في سوريا بل ذهبوا الى دعم الاكراد الانفصاليين والممتلئة سجونهم بإرهابيين متعددي الجنسيات بما فيها جنسيات أوروبية، ليفتح الاوروبيون نافذة ابتزاز أخرى بجانب النافذة التي فتحوها لأردوغان، وهذا الأمر يحمل هذه الدول الاوروبية تبعات كارثية على مستوى الداخل الاوروبي كنتيجة لاستمرار هذا النهج الخاطئ.
يدرك الاوروبيون تماماً أن مفايتح الحل لما يعيشونه من ارتدادات سلوكهم تجاه الارهاب في سوريا هو في دمشق.
المصدر م الوقت