33 عاماً على مجزرة حلبجة… الغرب المشارك الدائم في الهجمات الكيماوية عبر التاريخ
في 16 مارس من كل عام، يتم إحياء ذكرى هجوم صدام حسين الكيماوي على مدينة حلبجة العراقية.
في الذكرى الثالثة والثلاثين للحادث، الذي وقع في عام 1988، حيث قامت المقاتلات العراقية، بأمر مباشر من صدام وابن عمه، بإلقاء غاز الخردل والسارين وغاز الأعصاب على الأبرياء، ما أسفر عن مقتل 5000 شخص، برزت مرةً أخرى قضية إدانة استخدام الأسلحة الكيماوية، وبالطبع الدور الخفي للدول الغربية.
في كل عام، ترسل جمهورية إيران الإسلامية ممثليها إلى مدينة حلبشة لإدانة هذا الحادث، وهذا العام في الذكرى الثالثة والثلاثين لكارثة حلبجة الكيميائية، ترأس “مهدي شوشتري” القنصل العام للجمهورية الإسلامية الإيرانية في السليمانية وفداً من موظفي القنصلية وسافروا إلى هذه المدينة، بهدف تخليد ذكرى ضحايا جرائم صدام.
وبهذا، وبعد 33 عامًا من هذه الحادثة المناهضة لحقوق الإنسان، لا يزال التهديد بالقتل باستخدام الأسلحة غير التقليدية والكيماوية يهدد الناس في مختلف المجتمعات، والآن فإن فضيحة الدول الغربية بشأن هذه القضية أكبر من أي وقت مضى.
دور الدول الغربية في تزويد صدام بالأسلحة الكيماوية
تدين الدول الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة والدول الأوروبية، مرارًا وتكرارًا الهجوم الكيماوي على حلبجة في السنوات الأخيرة، لكنها لم تعترف أبدًا بأنها قد لعبت دورًا رئيسيًا في تزويد النظام البعثي بالصواريخ الكيماوية التي أطلقها صدام على الأبرياء في حلبجة في 16 آذار 1988.
تشير التقارير إلى أن ثلاث دول، هي الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، كانت الداعمين الرئيسيين لصدام في الأسلحة الكيميائية خلال حرب الثماني سنوات ضد إيران.
في غضون ذلك، لعبت ألمانيا دورًا رئيسيًا في تجهيز ترسانة صدام حسين، وكانت، إلى جانب الولايات المتحدة، من أكبر موردي الأسلحة الكيماوية والبيولوجية لصدام.
خلال الحرب، نفَّذ نظام صدام 3500 هجمة كيماوية على إيران، 30 منها كانت في مناطق سكنية. هذا في حين أن معهداً يُعنی بالشؤون العسكرية لغرب آسيا في باريس يدعی “وزينتال”، ذكر في تقرير مطول أن من بين 207 شركة تعاقدت مع نظام صدام بشأن تزويد جيش البعث العراقي بالأسلحة الكيماوية، كانت ألمانيةً.
هذه الإحصائيات والعديد من الإحصاءات الأخرى المنشورة بعد سقوط النظام البعثي والزيارات إلى قواعد الأسلحة الكيماوية السابقة، تثبت بوضوح دور الدول الأوروبية والولايات المتحدة في التواطؤ في جريمة حلبجة وغيرها من الجرائم التي ارتكبها النظام البعثي.
تاريخ استخدام الولايات المتحدة والغرب للأسلحة الكيميائية
يأتي دفاع الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن حقوق الإنسان، وادعائهم بحظر استخدام أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الكيماوية، في وقت تثبت فيه جميع الوثائق التاريخية أن أهم مستخدمي هذه الأسلحة هم هذه الدول التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
تم استخدام الأسلحة الكيميائية لأول مرة في الحرب العالمية الأولى، ولاحقًا في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام ضد الشعب الفيتنامي من قبل الولايات المتحدة. کذلك، سجِّل اسم الولايات المتحدة في التاريخ، باعتبارها المستخدم المخزي الوحيد للأسلحة النووية. ولكن في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كان النهج الشرير الذي تبعته الولايات المتحدة في استخدام الأسلحة الكيميائية نهجاً له تاريخه.
للولايات المتحدة تاريخ طويل في استخدام أسلحة الدمار الشامل، ولم تلتزم أبدًا بعدم استخدام مثل هذه الأسلحة. ويمكن ملاحظة ذلك في الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة خلال حرب فيتنام.
ووفقًا للتقارير، التي اعترفت بها الحكومة الأمريكية مضطرةً، استخدم الجيش الأمريكي العامل البرتقالي في حرب فيتنام من عام 1961 إلى عام 1971، لتدمير الغابات التي کانت ملاذاً للجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام المعروفة بـ”الفيت كونغ”، وقتل أكثر من مليون شخص بهذا السلاح الكيميائي.
إضافة إلى فيتنام، في الألفية الجديدة (2000)، وعلى الرغم من ادعاء حكومة الولايات المتحدة الالتزام بمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، لكن صحيفة “إنفورميشن” الدنماركية كشفت في تقرير: أن وثائق الجيش الأفغاني تظهر أن القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة استخدمت قنابل الفوسفور الأبيض في مناطق مأهولة بالسكان بأفغانستان.
إضافة إلى الخلفية السلبية للولايات المتحدة في استخدام الأسلحة الكيماوية، من المهم الإشارة إلى أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تزال المصدر الرئيس لهذه الأسلحة في العالم.
في الواقع، يُنظر إلى الجهود غير القانونية التي تبذلها الولايات المتحدة للحفاظ على جودة مخزوناتها من الأسلحة الكيميائية، على أنها مصدر تهديد للسلم والأمن العالميين، ولا يمكن تجاهله، وهو مصدر قلق خطير.
المعايير المزدوجة الغربية بشأن الأسلحة الكيماوية
من ناحية أخرى، فإن إحدی النقاط البارزة حول نوع التفاعل والمشاركة وموقف الدول الغربية بقيادة واشنطن بشأن الأسلحة الكيماوية، هي الاستخدام السري لذريعة الأسلحة الكيماوية للمضي قدماً بخططها ضد الجهات المنافسة.
لعقود من الزمان، فرضت الولايات المتحدة وأوروبا دائمًا عقوبات على الأطراف المعارضة لها، بل هاجمتها بذريعة استخدام الأسلحة الكيميائية، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في استخدام هذه الذريعة للغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
کذلك، على مدى العقد الماضي، كانت سوريا مثالاً آخر على تصميم سيناريوهات وهمية ضد نظام بشار الأسد، تظهر الدور الخفي للدول الغربية في استغلال قضية الأسلحة الكيماوية.
في السنوات الأولى من الأزمة في سوريا، وبعد هجوم كيماوي على الغوطة شرقي دمشق، اتهمت الدول الأوروبية والولايات المتحدة على الفور الحكومة السورية باستخدام هذه الأسلحة دون تقديم أي دليل، بدعاية إعلامية مكثفة.
بعد هذه المزاعم، انضمت الحكومة السورية رسميًا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في 14 أكتوبر 2013، واتخذ مفتشو الأمم المتحدة، بالتعاون مع الأمم المتحدة منذ 16 أكتوبر 2013، خطوات كاملة لإزالة هذه الأسلحة، لكن اللافت هو أن سيناريوهات الغرب الكاذبة ضد حكومة بشار الأسد قد استمرت حتی يومنا هذا.
ومن أجل منع هزيمة الإرهابيين ومنع انتصارات الجيش السوري، أطلقوا في أوقات مختلفة مزاعم أن حكومة بشار الأسد قد استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد الإرهابيين. حتی أنهم استخدموا هذه الأداة كذريعة لمهاجمة مواقع الجيش السوري، من أجل تقوية موقع المجموعات التي يدعمونها.
على سبيل المثال، في نيسان 2017، زعم الأمريكيون أن بشار الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية في منطقة “خان شيخون” بمحافظة إدلب، التي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة قوات تحرير الشام. وهذه الذريعة الزائفة نفسها دفعت الجيش الأمريكي إلى مهاجمة قاعدة “الشعيرات” الجوية السورية في 7 نيسان 2017 بـ 59 صاروخًا من طراز “توماهوك”.
أيضًا، في سيناريو آخر مخطط مسبقًا، في أبريل 2018، وقع تفجير كيميائي آخر في بلدة “دوما” في الغوطة الشرقية بدمشق، قُتل خلاله ما لا يقل عن 40 شخصًا.
وهذه الذريعة الزائفة نفسها دفعت الحكومة الأمريكية، إلى جانب فرنسا وبريطانيا، إلى قصف أهداف للحكومة السورية، بما في ذلك مركز أبحاث في ضواحي دمشق، وهدفين آخرين في محافظة حمص.
مرةً أخرى، في 19 مايو 2019، زعم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في إدارة ترامب، أن دمشق قد استخدمت أسلحة غاز الكلور الكيميائية في محافظة اللاذقية، وهو ما وصفته الحكومة السورية على الفور بأنه “كذبة كبيرة”.
حتى في الوضع الحالي، حيث حكومة دمشق في طريقها لاستكمال سيادتها على جميع المناطق في البلاد لا تزال الحكومة قلقةً من تصميم سيناريو وهمي آخر في محافظة إدلب.
حيث من المحتمل أن تقوم المنظمات الإرهابية مثل جبهة النصرة أو داعش أو القبعات البيضاء، بإجراءات استفزازية جديدة عبر استخدام الأسلحة الكيماوية في محافظة إدلب، لإعادة دمشق إلى دائرة الضوء وتعطيل عملية الحكومة لتحرير هذه المحافظة.
على المستوى الآخر، لدى الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة معايير مزدوجة لإدانة استخدام الأسلحة غير التقليدية. حيث أنه بالإضافة إلى تصميم سيناريوهات وهمية، فإنهم في كثير من الحالات يتجاهلون البلدان أو الجهات الفاعلة التي يدعمونها والذين يستخدمون الأسلحة الكيميائية أو الأسلحة غير التقليدية، بل ويتجاهلون التقارير الواردة من المؤسسات التي يدعمونها ويؤسسونها. ويمكن رؤية مثال واضح لذلك في صمتهم حيال جرائم النظام السعودي بحق الأبرياء في اليمن.
وفقًا لتقارير دولية عديدة، بما في ذلك تلك التي نشرتها هيومن رايتس ووتش، تستخدم السعودية أسلحة اليورانيوم والفوسفور الأبيض في هذه الحرب، وكذلك القنابل الفراغية والقنابل العنقودية ضد المدنيين اليمنيين المشردين، وجميعهم من النساء والأطفال.
ومن خلال الإفراط في استخدام الأسلحة غير التقليدية، انتهكت الرياض بروتوكول جنيف بشأن حظر استخدام الغازات السامة، الموقع عام 1925.
كما تنتهك تصرفات السعودية في اليمن اتفاقية الأسلحة الكيميائية واتفاقيات أوسلو لحظر أسلحة معينة. وهذا مؤشر واضح على المعايير المزدوجة للغرب فيما يـتعلق بإدانة الأسلحة الكيماوية ومواجهتها.
المصدر/ الوقت