لماذا يقلق البيت الأبيض من التعاون بين حزب الله وروسيا
في السنوات الأخيرة، كان دور موسكو في التطورات في غرب آسيا والعالم العربي من السمات المميزة لجهود بوتين التي يقودها ليصبح قوة عالمية والتأثير على انتقال النظام الدولي نحو الاقطاب المتعددة.
في حين أن نقطة التحول الرئيسة ودور روسيا في التطورات في العالم العربي على مدى السنوات الماضية كان الدخول في الحرب السورية، كما يمكن أيضا رؤية الدليل على محاولة تأسيس موطئ قدم في بعض الدول العربية الأخرى. لبنان الذي لطالما كان ساحة معركة للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية بسبب التركيبة السكانية المميزة والفسيفساء المجتمعية، والموقع الجيوسياسي الحساس والتاريخ السياسي المثير للجدل، هو أحد الأهداف السياسية الإقليمية لموسكو.
وفي هذا الصدد في الأيام الأخيرة، تعالت أصداء أنباء وجود وفد من حزب الله اللبناني في موسكو. وتناقلت أنباء اخرى مباحثات الوفد مع مسؤولي الكرملين على نطاق واسع في كل من لبنان والحكومة الأمريكية، حيث علق المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية على هذه الزيارة يوم الأربعاء بالقول إن حزب الله اللبناني هو منظمة “إرهابية” بموجب القانون الأمريكي، وأن البيت الأبيض يريد من جميع الدول معارضة التمييز بين الفصائل العسكرية والسياسية لحزب الله.
ورغم المخاوف الأمريكية، فإن نظرة على عودة وفد حزب الله البرلماني من موسكو تظهر أن مضمون المحادثات هو تسهيل تشكيل حكومة في لبنان، أو المساعدة في تحسين وضع مكافحة كورونا، أو التعاون على استقرار سوريا وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين الى بلدهم. وفي هذا الصدد، قال عمار الموسوي، رئيس قسم العلاقات والاتصالات العربية والدولية في حزب الله اللبناني: “الأصدقاء الروس اهتموا كثيرا بقضية توطيد الاستقرار في لبنان”. وأشار إلى أن عملية التعاون مع روسيا بشأن لقاح كورونا قد بدأت وستؤتي ثمارها بشكل إيجابي.
فالسؤال المطروح هو: لماذا يستاء المسؤولون الأمريكيون من زيارة مسؤولي حزب الله لروسيا واتخاذ موقف ضدهم؟
كان العنصر الأهم في كيفية تعامل الحكومة الأمريكية مع التطورات في لبنان في السنوات الأخيرة هو خلق أزمة وتمهيد الطريق لاستمرار الأزمة في البلاد. الأزمة الاقتصادية في لبنان مع مجموعة من المؤشرات الحاسمة مثل ارتفاع الدين الخارجي، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، والتضخم، والبطالة، والفساد، والركود العالمي الناجم عن تفشي كورونا، وما إلى ذلك جعل عمل أي حكومة لحل مثل هذه المعضلات صعبا بل ومستحيلًا، ولكن في غضون ذلك، فرضت الحكومة الأمريكية، من ناحية عقوبات على الأفراد والمؤسسات المالية اللبنانية، ومن ناحية أخرى مارست ضغوطا على الجماعات السياسية لعدم التعاون مع تيار المقاومة لتشكيل الحكومة ما أدى إلى انسداد الطريق امام النخبة السياسية اللبنانية لايجاد حل للوضع الراهن من المنظور اقتصادي والسياسي. وكان وضع الأمريكيين للعصي بين العجلات واضحا لدرجة أنه حتى خطة الرئيس الفرنسي ماكرون، التي تدعمها معظم الجماعات اللبنانية، لا يمكن تنفيذها.
وبإصرار تيار 14 آذار والحريري نفسه تحت ضغط السعودية والولايات المتحدة، بذريعة الاحتجاجات الشعبية في 2019، وكذلك أخذ الاستقرار السياسي رهينة شعارات شعبوية وغير واقعية حول تشكيل حكومة تكنوقراطية في لبنان، وصل العمل على تشكيل الحكومة إلى طريق مسدود. وفي غضون ذلك، فإن حزب الله، بصفته القوة الأولى في المشهد السياسي اللبناني الذي يشعر بالمسؤولية في ظل الفراغ السياسي الحالي، رأى أن إحدى طرق مساعدة الناس هي التفاوض مع الدول الأجنبية التي لديها القدرة والنية للمساعدة في تحسين الوضع. في لبنان. حيث ان زيارات الحريري العديدة إلى تركيا ودول عربية مثل السعودية والإمارات في الأشهر الأخيرة، باستثناء الشعارات الكاذبة، لم تنجح في إزالة حجر واحد فقط من جبل المشاكل في لبنان.
تسعى روسيا إلى لعب دور تيسيري واستقرار في لبنان من أجل تعزيز مكانتها ونفوذها في التطورات في منطقة غرب آسيا. حيث يمكن رؤية تاريخ هذه السياسة في جهود موسكو لمنع وقوع حرب جديدة بين حزب الله اللبناني والكيان الصهيوني. في الواقع، تسعى موسكو إلى دور أكبر في حروب الشرق الأوسط المعقدة، مثل التوترات بين إسرائيل وحزب الله، والتي لم يكن لها دور فيها من قبل. كما عززت موسكو علاقاتها مع الأطراف المتورطة في التوترات الأخيرة. هذا وأظهر التعاون المشترك بين موسكو وحزب الله خلال الأزمة السورية إمكانية تحالف مثمر بين الجانبين في التطورات الإقليمية لمنع التدخلات الغربية المزعزعة للاستقرار وانتشار الإرهاب. وفي ظل هذه الظروف، من الواضح أن امريكا تعتبر تصعيد العلاقات بين حزب الله وموسكو تهديدا لمصالحها غير المشروعة في لبنان والمنطقة.
المصدر/ الوقت