التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

الرغبة الجامحة للدول العربية في شراء الأسلحة… الأسباب والأهداف 

لقد أثر انتشار كورونا على الحياة البيولوجية للمجتمع البشري على نطاق واسع وفي أبعاد مختلفة. حيث تأثر أصغر قضايا التفاعل الانساني إلى أكبر القضايا على مستوى السياسة الدولية بوباء كورونا.

وفي الوقت نفسه، شهدت مبيعات الأسلحة في المجتمع العالمي ككل نموًا سلبيًا في عام 2020، الأمر الذي يمكن اعتبار أهم سبب لذلك مشاركة الحكومات في السيطرة على كورونا وتضاؤل قوتها الاقتصادية.

ولكن وفقًا لتقرير بحثي صادر عن مركز “ستوكهولم” الدولي لأبحاث السلام، على الرغم من الاتجاه العام في مبيعات الأسلحة، لا يزال غرب آسيا وشمال إفريقيا يشهدان اتجاهًا تصاعديًا في مشتريات الأسلحة، لدرجة أنه شهدنا في السنوات الأربع الماضية نمو هذه العملية بنسبة 25٪ في غرب آسيا وشمال إفريقيا.

لكن هذا الوضع المؤسف يثير التساؤل عن سبب إنفاق الدول العربية كل هذه الأموال على المجال العسکري، وما إذا كانت التهديدات ضدهم لها أساس حقيقي أم لا. وبمعنى آخر، هل الشراء المتزايد للسلاح ضرورة حقيقية وهل يمكن أن يوفِّر الأمن لهم؟

في معالجة هذه الأسئلة، سنبحث أولاً في سياسة الدول المنتجة للأسلحة في إيجاد سوق لمنتجاتها، ثم ندرس حالة كل دولة من الدول العربية التي هي المحور الرئيسي لشراء الأسلحة.

الأسباب والأدوات الغربية لبيع الأسلحة للدول العربية

قبل التطرق إلى سبب لجوء الدول العربية إلى شراء الأسلحة وعملية الشراء لهذه الدول في السنوات الأخيرة، من الضروري فك شفرة إستراتيجية الدول الرائدة للرأسمالية وكيف تخلق الحاجة المصطنعة لبيع الأسلحة المصنعة.

عودة الدولار إلى الدورة الرأسمالية واستراتيجية خلق الأزمة: المبدأ الأساسي الوحيد في النظام الرأسمالي الذي يتم تقديمه على أنه سر بقاء هذا النظام کاليد الخفية، هو “دوران رأس المال”. وهذا يعني أن رؤوس الأموال، تحت أي عنوان وشكل، يجب أن يتم تداولها في السوق مرةً أخرى.

يأتي هذا المبدأ في سياق أنه منذ النصف الثاني من القرن العشرين، ومع اكتشاف النفط، تدفقت رؤوس الأموال إلى البلدان العربية. إن حاجة الدول الصناعية للنفط والموارد الطبيعية الأخرى للدول النفطية، دفعت حجمًا كبيرًا من رؤوس المال، وخاصةً بعد تشكيل نظام “بريتون وودز” في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، تتدفق إلى هذه الدول في غرب آسيا وشمال إفريقيا، والدول خليجية علی وجه التحديد.

لكن كثافة مشتريات النفط والموارد الجوفية الأخرى من هذه البلدان، إذا لم تعد الدولارات إلى البلدان الصناعية الغربية، كانت تعني أزمة النظام الرأسمالي. ولذلك، كانت استراتيجية شراء النفط وبيع البضائع المنتجة من المصادر الخام لنفس البلدان التي تنتج هذا المصدر الجوفي، على جدول أعمال الولايات المتحدة وأوروبا كقادة للنظام الرأسمالي.

ومع ذلك، وكما تشير “نعومي كلاين” في كتابها “عقيدة الصدمة”، كان النظام الرأسمالي بحاجة إلى خلق أزمات مستمرة لبيع سلعها المصنعة والاستثمار في البناء والبنية التحتية في البلدان الأقل تقدمًا.

وفقًا لذلك، وعلى مر العقود، تسببت الولايات المتحدة وأوروبا، في أجزاء مختلفة من العالم، ولا سيما في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا كمراكز رئيسية للثروة الناتجة من الدخل الريعي، في خلق العديد من الأزمات، وعلى الفور تدخل الشركات والمؤسسات الغربية الكبيرة إلى المنطقة كمستثمرين ومقاولين، لتعيد الدولارات من عائدات النفط إلى الغرب والدورة العسكرية للرأسمالية.

وفي هذا الصدد، فإن أحد أكثر منتجات الغرب ربحًا وأهميةً هو الأسلحة، لذا فهم يحاولون خلق الأزمات في المنطقة لتتوفر الأرضية المواتية لبيع أسلحتهم. ويمكن رؤية مثال واضح لذلك في الوثائق والإحصاءات المتوفرة في مجال تصدير وبيع الأسلحة في السنوات الأخيرة.

حقيقة الأمر هي أن الولايات المتحدة لا تزال واحدة من أكبر تجار الأسلحة في العالم. حتى خلال السنوات القليلة الماضية، ارتفعت حصة هذا البلد في سوق الأسلحة من 32 إلى 37 في المائة خلال السنوات الأربع الماضية.

وفقًا لذلك، تستخدم 96 دولة حول العالم الأسلحة أمريكية الصنع. في غضون ذلك، تذهب 47 في المائة من صادرات الأسلحة الأمريكية إلى الدول العربية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها السعودية.

اللجوء إلى خطة إيران فوبيا: إحدى أهم الاستراتيجيات الرئيسية للغرب للوصول إلى دولارات الدول العربية النفطية من خلال بيع الأسلحة، كانت اللجوء إلى سياسة إيران فوبيا في العقود الأخيرة.

في الواقع، ظهر غرس الخوف من إيران منذ السنوات الأولى للثورة الإسلامية وتشكيل الجمهورية الإسلامية، كمشروع خطابي بأشكال مختلفة في وسائل الإعلام الغربية ومن ثم في وسائل الإعلام العربية.

هذه الظاهرة يمكن اعتبارها مشروعًا ضخمًا، مصمموها الأساسيون هم اللوبي الصهيوني والأمريكي للاستغلال السياسي والاقتصادي، وقد حظيت هذه السياسة بقبول غريب من قبل الدول العربية، وأحد المتغيرات المهمة في نهجهم هو زيادة إنفاقهم العسكري على مر السنين.

إحصاءات صادمة عن مشتريات الدول العربية للسلاح وأسباب هذا الاتجاه

لطالما كانت الدول العربية المشتري الرئيسي للأسلحة الغربية الصنع في العقود الأخيرة. وفي بعض الأحيان، قوبلت المطالب الهستيرية وغير العادية لهذه الدول بشراء الأسلحة، بمعارضة وقلق الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يبدو الآن من الضروري دراسة وتحليل أسباب شراء أهم الدول العربية للأسلحة.

السعودية

على مدار العقدين الماضيين، كانت السعودية دائمًا أول أو ثاني أكبر مشترٍ للأسلحة العسكرية في العالم، وهو اتجاه ازداد حدةً وتسارعاً منذ تتويج محمد بن سلمان ولياً للعهد في عام 2017.

بحيث نمت مشتريات السعودية من الأسلحة الأجنبية بنسبة 61٪ خلال السنوات الأربع الماضية، مما يجعلها أكبر مشتر للأسلحة في العالم. من ناحية أخرى، تغطي مشتريات الأسلحة في السعودية وحدها 11٪ من سوق السلاح العالمي. وكانت الولايات المتحدة(79٪) وبريطانيا(10٪) وفرنسا(4٪) البائعين الرئيسيين للأسلحة للسعوديين.

ولکن لماذا اتجهت السعودية إلى زيادة مشترياتها من الأسلحة في السنوات الأخيرة، فيمكن اعتبار أهم سبب لذلك تورطها في حرب اليمن بعد آذار/مارس 2015.

بالطبع، اللافت في هذا الصدد هو أنه لا توجد قوة في اليمن تريد صراعاً أو تهديداً أمنياً للسعودية، ولولا السياسات التدخلية والأزمات التي خلقتها الرياض في اليمن، لما كنا نشهد اليوم ضربات صاروخية وطائرات مسيرة تضرب العمق السعودي.

هذا في حين أن استمرار الهجمات الناجحة لليمنيين المحاصرين على الأراضي السعودية، يظهر الاستثمار غير المجدي للسعوديين لتحقيق الأمن من خلال شراء الأسلحة.

على صعيد آخر، يزعم السعوديون أنهم القائد الأساسي في المواجهة مع إيران على المستوى الإقليمي. وبعبارة أخرى، فإن هذا البلد، إلى جانب الکيان الصهيوني، هم القادة في تعزيز وتقوية مشروع إيران فوبيا.

ومع هذا من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن التهديدات التي يزعمها حكام السعودية ليس لها أساس حقيقي، وفي الأزمة الاقتصادية الحالية لهذا البلد، فقد فرضت نفقات غير ضرورية على هذا البلد فقط.

الإمارات

كانت الإمارات واحدة من أكبر مشتري الأسلحة في المجتمع الدولي على مدى العقدين الماضيين.

وعلى الرغم من انخفاض مشتريات الأسلحة بنحو 40 في المائة خلال السنوات الأربع الماضية، وفقًا لمركز ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، لا تزال واردات الأسلحة في هذا البلد تمثل 3 في المائة من إجمالي مشتريات السوق العالمية، وبالنظر إلى حجم وسكان هذا البلد، فإن هذا الرقم ملفت للغاية. وكانت الولايات المتحدة(64٪) وفرنسا(10٪) وروسيا(5٪) من أهم بائعي الأسلحة لهذا البلد.

في تحليل سبب ميل أبو ظبي لشراء المزيد من الأسلحة، يمكن ذكر الأسباب التالية:

– التنافس الداخلي في مجلس التعاون مع السعودية وقطر، حيث تنوي الإمارات تحدي دور الرياض القيادي وکونها الشقيقة الكبری في التطورات في العالم العربي وداخل مجلس التعاون.

– حضور فاعل للإمارات في الحروب بالوكالة مثل ليبيا والسودان واليمن وسوريا و…

– محاولة احتواء الإخوان المسلمين على المستوى الإقليمي، وإفشال السياسات التركية في المنطقة

– خوف غير واقعي من التهديدات الأمنية الإيرانية بما يتماشى مع سياسات الغرب المعادية لإيران، وكذلك الخطأ الاستراتيجي المتمثل في إيصال الكيان الصهيوني إلى مياه الخليج الفارسي، الأمر الذي أدی إلى تراجع العامل الأمني ​​للإمارات وزعزعة الاستقرار الأمني ​​في المنطقة.

حقيقة الأمر هي أن جزءًا كبيرًا من أسباب الإمارات لتعزيز قوتها العسكرية وشرائها للسلاح، نابع من مغامرات ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. والعديد من هذه التهديدات ليس لها أساس حقيقي، وقد تورطت أبو ظبي نفسها بشكل غير عقلاني في هذه الأزمات.

قطر

من بين الدول العربية، شهدت قطر أكبر زيادة في مشتريات الأسلحة في السنوات الأربع الماضية، مع زيادة بنسبة 361 في المائة في المشتريات العسكرية.

وتحتل هذه الدولة، التي تعدّ واحدة من أصغر البلدان في العالم من حيث المساحة والسكان، حاليًا حوالي 4٪ من سوق السلاح العالمي. وأهم بائعي الأسلحة لقطر هي الولايات المتحدة(47٪)، فرنسا(31٪) وألمانيا(8٪).

يمكن اعتبار السبب وراء ميل قطر إلى شراء الأسلحة العسكرية، مبررًا إلى حد ما أكثر من الدول العربية الأخرى في قائمة المشترين الرئيسيين للأسلحة.

في الواقع، شهدت قطر نموًا مذهلاً في مشتريات الأسلحة على مدى السنوات الأربع الماضية، وکانت هذه العملية مرتبطةً بشكل واضح بالحصار والتهديد العسكري المتزايد على الدوحة.

هذه الدولة، وبسبب عدم وجود عمق استراتيجي وفضاء حيوي للدفاع عن النفس، وكذلك الإشارة السلبية من حكومة الولايات المتحدة إلى الدوحة، تزامناً مع مقاطعة وحصار حدود الدول العربية بقيادة السعودية عام 2017، ونتيجة الخوف من الوضع الموجود، زادت بشكل كبير من مشترياتها من الأسلحة، فضلاً عن تواجدها النشط في المنافسة بالوكالة مع السياسات الإقليمية للسعودية والإمارات.

مصر

الدولة العربية الأخرى التي شهدت زيادةً كبيرةً في مشتريات الأسلحة في السنوات الأخيرة هي مصر. حيث زادت هذه الدولة مشترياتها من الأسلحة بنسبة 136٪ في السنوات الأربع الماضية.

تستحوذ هذه الدولة العربية على ما يقرب من 6٪ من سوق السلاح العالمي، وأهم بائعي الأسلحة لمصر هم روسيا(41٪) وفرنسا(28٪) والولايات المتحدة(9٪).

عند دراسة أسباب توجُّه مصر نحو هذا الاتجاه، يمكن القول إن أهم المتغيرات في هذا المجال هي زيادة التوترات في البحر الأبيض المتوسط ​​والتنافس مع جماعة الإخوان المسلمين وسياسات الحكومة التركية.

لقد استثمرت مصر بكثافة في تحديث أسطولها البحري في السنوات الأخيرة، في ظل التوترات العسكرية المتزايدة في البحر الأبيض المتوسط ​​وليبيا. ومن المثير للاهتمام، أن جميع الأموال اللازمة تقريبًا لمشتريات الأسلحة هذه تم توفيرها من خلال الاقتراض والقروض الأجنبية.

وعلى الرغم من ميل عبد الفتاح السيسي القوي لزيادة العمق الاستراتيجي لمصر في غرب آسيا وشمال إفريقيا، إلا أن الضعف الاقتصادي العميق لمصر والعديد من المشاكل الاقتصادية واعتمادها على المساعدات الخارجية، تسبَّب في قلق المراقبين الاقتصاديين.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق