مصير مؤلم ينتظر سلمان العودة.. هل تتحرك المنظمات الدوليّة لإنقاذه
بعد بضعة أسابيع على الجلسة الأخيرة التي حضرها رجل الدين السعوديّ المعتقل، سلمان العودة، في المحكمة الجزائيّة المتخصصة في محاكمة الموقوفين والمتهمين في قضايا الإرهاب وقضايا الأمن الوطنيّ والجرائم المرتبطة به، في ظل أوضاعه الصحيّة المأساويّة، كشف الباحث السعوديّ ونجل الداعية السعودي المعتقل، عبد الله العودة، أنّ هناك مادة إعلاميّة تجهزها سلطات محمد بن سلمان قبل الحكم المرتقب ضد والده في يوليو/ تموز المقبل، وذلك بعد أقل من شهر من إعلانه بأنّ المحكمة التي تتولى قضايا الإرهاب بالمملكة، عقدت جلسة سريعة للغاية في محاكمته، وقررت تحديد جلسة أخرى بعد عدة أشهر، واصفاً الجلسة السرّية لوالده بأنّها “محاكمة هزليّة” كبقيّة المحاكمات التي تجري هناك، وقد جيء بسلمان العودة مقيّداً بالسلاسل مثل كل مرّة، بحسب تغريدات نشرها ابن الداعيّة السعوديّ المعروف عبر حسابه على تويتر.
اغتيال معنويّ
منطقيّة جاءت المعلومات التي كشفها نجل الداعية السعودي المعتقل، عبد الله العودة، حول وجود مادة إعلاميّة تجهزها سلطات البلاد قبل الحكم المرتقب ضد والده بعد أربعة أشهر، خاصة وأنّ السعوديين باتوا يدركون حجم الارتباط الوثيق بين الترسانة الإعلاميّة للنظام السعوديّ وجهاته الأمنيّة، حيث تأتي جلسة محاكمة الشيخ العودة بعد أن فقد نصف سمعه ونصف بصره، بسبب الإهمال الطبّي المتعمد ربما، والإيذاء الكبير داخل السجن الانفراديّ.
ويؤكّد ابنه عبدالله العودة، أنّ لديه تسريبات حول خلفية التأجيل المتكرر في قضية والده وسبب تحديد جلسة بعد أربعة أشهر، وهو أنّ الحكومة السعودية تجهّز مادة إعلامية بهدف القيام بعملية “اغتيال معنويّ” ضد الوالد سلمان العودة تجهيزاً لتبرير أي حكم جائر ضده، وقد أشار في وقت سابق أنّ الجلسة الأخيرة كانت جلسة سريعة جداً ورفعت للتداول.
ولا يخفى على أحد حجم طغيان وظلم السلطات السعوديّة التي لم تترك وسيلة تعذيب إلا واستخدمتها بحق الشيخ الذي يبلغ من العمر حوالي 65 عاماً، رغم أنّه يعيش ظروفاً صحيّة صعبة للغاية، وتتدهور بشكل متواصل وسريع وراء القضبان، ويشير عبدالله العودة إلى أنّ السلطات السعوديّة لا تزال تمارس “القتل البطيء” والأذى ضد والده في العزل الانفراديّ، وأنّ الشيخ العودة فقد نصف سمعه ونصف بصره بسبب الإهمال الطبّي المتعمّد، وشدّد على أنّ هذا الفريق الدمويّ هو نفسه الذي اغتال وقطّع الصحافيّ السعوديّ المعروف جمال خاشقجي، في قنصليّة بلاده بإسطنبول عام 2018، إضافة لعمليات التشويه المعنويّ والحملات الإعلاميّة المُضللة التي تمارسها وسائل الإعلام التابعة للنظام السعوديّ إرضاء لوليّ العهد محمد بن سلمان.
يشار إلى أنّ الداعية سلمان العودة، اعتُقل ضمن حملة اعتقالات في 10 سبتمبر/ أيلول 2017 بعد نشره تغريدة على حسابه بموقع تويتر “يدعو فيها الله للتأليف بين قلوب ولاة الأمور لما فيه خير الشعوب”، وقد تعرض لسوء المعاملة في سجن “ذهبان” وسجن “الحائر” الذي تم نقله إليه، بما في ذلك الحرمان من النوم، والحرمان الدوري من الأدويّة، والاعتداء الجسديّ، واحتجازه في حبس انفراديّ لمدة ثلاث سنوات، منذ اعتقاله.
حساسيّة خاصة
من المعروف أنّ جماعة “الإخوان المسلمين” وحركة “الصحوة” بقيادة الشيخ سلمان العودة، هم من أكبر معارضي ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان داخل السعودية، حيث إن ابن سلمان يراقب أنشطة هذه الحركة بحساسيّة خاصة، حتى أنّه أراد ذات مرة شنق سلمان العودة، لكنه تخلى عن ذلك نتيجة الضغوط الخارجيّة، ونظراً للظروف الجديدة، وخاصة بعد وصول الرئيس الأمريكيّ جو بايدن إلى البيت الأبيض، رغم عجز الأخير حتى اللحظة عن لجم دمويّة ولي العهد السعوديّ، رغم نشر تقرير سريّ للاستخبارات الأمريكية حول عمليّة اغتيال خاشقجي خلص إلى أنّ ابن سلمان أجاز عملية الاغتيال.
أكثر من ذلك، استغل محمد بن سلمان انشغال الرأيّ العام السعوديّ والعالميّ بأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، وتفرغ إلى ناشطي المعارضة، بعد أن تخلص من أبرز منافسيه من خلال موجات من الاعتقالات التي شملت أهم وأبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، إضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، كما وسعت سلطات آل سعود حملة الاعتقالات، لتشمل دعاة وعلماء وسياسيين وتجاراً، فيما لم تستثنِ الأقرباء المنافسين لولي العهد كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم.
ويظهر الوضع السياسيّ المتأزم الذي تعيشه السعودية، مدى استماتة ابن الملك سلمان لتصفية واقتلاع جذور معارضيه، حفاظاً على عرشه المتهالك، والتي وصلت به إلى تقطيع معارضيه، وتهديد أرواح عائلاتهم وأطفالهم داخل بلاد الحرمين، لإجبارهم على الخضوع لسياساته الرعناء المتهورة التي ستودي به قبل أيّ أحد إلى الهلاك.
وتبرهن الوقائع أنّ مستبدي الرياض انتهجوا سياسة “إرهاب الدولة” ضد مواطنيهم من المفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد استفحل هذا النهج بشكل كبير منذ تولي محمد بن سلمان زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبيّة، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها.
ومع وصول ولي العهد إلى السلطة بدعم من والده الملك سلمان، توسعت سلسلة الاعتقالات لتشمل رجال الدين والدعاة والتجار والنشطاء وحتى الأمراء ومن أبرز أولئك المعارضين الشيخ سلمان العودة، الذي كان من ضمن رجال الدين غير الراضين عن سياساته المنفتحة في البلاد، وتنبع سياسات محمد بن سلمان الرعناء من مخاوفه بشأن فقدان منصبه كولي للعهد في البلاد وذلك لأنه وصل إلى هذا المنصب بسرعة خارقة بعد أن كان سابقاً أميراً عادياً داخل الأسرة السعودية الحاكمة، الشيء الذي دفعه لسجن واعتقال كثيرين ومن ضمنهم الشيخ العودة الذي اعتُقل من منزله بالعاصمة السعوديّة الرياض، في 9 سبتمبر/ أيلول عام 2017.
ملابسات اعتقاله
بالاستناد إلى المعلومات التي قدمه نجل الشيخ العودة، فإنّ شخصاً مجهولاً ليلة اعتقاله، بدأ يتحدث عن الأماكن التي كان فيها والده، وكأنّه يوصل له رسالة بأنّه مُراقباً، وحين فتح الشيخ العودة الباب كانت هناك مجموعة كبيرة بلباس مدنيّ عرفوا أنفسهم بأنّهم من جهاز أمن الدولة السعوديّ، ومن ثم أمسكوا به على عجل وطلبوا منه الذهاب معهم، دون أن يخبروه بالسبب أو أن يبرزوا هوياتهم، مدعين أنّ الأمر لن يتعدى ساعات قليلة، والساعات القليلة هي “سنوات طويلة” في العرف الأمنيّ القمعيّ.
ومن الجدير بالذكر أنّ سلمان العودة خاض محاكمة غامضة في سبتمبر/ أيلول 2018 في ظروف سريّة، ويواجه حاليّاً 37 تهمة بينها الإفساد في الأرض بتأليب المجتمع ودعوته للتغيير في الحكومة السعودية، والانضمام لاتحادات وجمعيات عالميّة وتأليب الرأيّ العام السعوديّ وإثارة الفتنة، ووجّه ابنه مراراً انتقادات لاذعة للنيابة العامة والقضاة السعوديين، مشيراً إلى رفض السلطات حضور أطراف مستقلة لإجراءات التقاضي، مع الإبقاء على الشيخ العودة في الحبس الانفراديّ حتى الآن، رغم تدهور وضعه الصحيّ.
وبما أنّ النظام الجاثم على قلوب السعوديين هو ملكيّ بالمطلق ولا يتيح أيّ مجال لمعارضة سياسيّة في البلاد التي تحولت إلى سجن كبير بالنسبة للمعارضين أو من يُتهمون بذلك، قام محمد بن سلمان بالاعتقالات التعسفيّة بحق العديد من النشطاء والسياسيين ورجال الدين السعوديين، بعدما أحس بأنّ هناك ثورة شعبيّة تتنامى في الشارع السعوديّ ولهذا فقد أسرع وقام بالكثير من جرائم الحبس والاعتقال والقتل للعديد من معارضيه الذين طالبوا بالعديد من الاصلاحات الحقيقة في السعودية، وترى بعض التحليلات أنّ خوف العائلة الحاكمة في بلاد الحرمين من أن تجتمع جميع تلك الاصوات المعارضة تحت مظلة المطالبة برحيل النظام، هو ما دفع ابن سلمان للقيام بحملته المسعورة ضد شعبه.
وبما أنّ ولي محمد بن سلمان يسعى لتخفيف الضغوطات على السعودية من جانب أمريكا، لذلك فقد أمر بإصدار حكم على الناشطة السعوديّة المعروفة، لجين الهذلول، والذي يتضمن سجنها لفترة طويلة، لكن يسمح بخروجها، وصدر هذا القرار مع دخول الرئيس الأمريكيّ الجديد إلى البيت الأبيض، والذي تعهّد في السابق بفتح ملف حقوق الإنسان في المملكة، لكن السلطات السعودية رغم إفراجها عن الهذلول ستُبقِيها بعُهدتها، ولن تسمح لها بالسفر إلى الخارج، في الوقت الذي تتحدث فيه الناشطة السعوديّة وفق ما ينقل أشقاؤها، عن تعذيب، وتحرّش، وتهديد، طالها وهي تقبع خلف الزنازين.
نهج قمعيّ
كانت ومازالت السلطات السعودية تحاكم النشطاء في البلاد عادة بمحاكمات مريبة في نهج قمعيّ مخيف، وتزجهم داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير، ويُظهر اعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم أنّه لا نية للمملكة بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم، فيما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين، في الوقت الذي تحتاجهم البلاد بشدة للسير نحو التقدم والتطور.
وهذا ما تؤكّده المنظمات الدوليّة، حيث بيّنت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنيّة بحقوق الإنسان، أنّ السعودية حرمت بعض المحتجزين البارزين من الاتصال بأقاربهم ومحاميهم، وقد طالبت بزيارة المملكة وإجراء زيارات خاصة لهم في السجون، بسبب مخاوف جدية بشأن سلامتهم، وخاصة أنّ الرياض حظرت الزيارات الشخصية للسجناء في جميع أنحاء البلاد، منذ آذار عام 2020، بذريعة الحد من تفشي فيروس كورونا المُستجد، فيما يقول نشطاء سعوديون ومصادر مُطلعة أنّ سلطات ابن سلمان حرمت عدة معارضين مسجونين من الاتصال المنتظم مع ذويهم دون أيّ مبرر.
وكان الشيخ سلمان العودة من بين العشرات إن لم نقل المئات الذين اعتقلتهم قوات الأمن السعوديّ في منتصف سبتمبر/ أيلول عام 2017، وبالتحديد من قبل جهاز “رئاسة أمن الدولة”، الذي أُنشأ قبل أشهر فقط من تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، واحتُجِز العودة في الحبس الانفراديّ، دون القدرة على الاتصال بمحام أو بأفراد الأسرة، إلا بعد مدة طويلة من اعتقاله، وفي أيلول عام 2018، طالبت النيابة العامة لمملكة آل سعود بإنزال عقوبة الإعدام بحقه بناء على مجموعة من الاتهامات الغامضة المتعلقة بتصريحاته السياسيّة وجمعياته ومواقفه.
والمُقلق بشدة، هو أن يكون مصير المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية كمصير الكاتب والصحفيّ، صالح الشحي، الذي توفيّ في 19 يوليو/ تموز 2020 في المستشفى، عقب شهرين من إطلاق سراحه، بسبب مرض لم يُحدَّد رسمياًّ، لكن بعض وسائل الإعلام المحليّة زعمت وقتها، أنّه توفيّ بعد إصابته بفيروس كورونا، وقد أفرجت السلطات السعودية عن الشحي في 19 مايو/ أيار دون أيّ تفسير، وذلك بعد قضائه نحو عامين ونصف العام من عقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات بتهم تتعلق بحرية التعبير.
ومن الجدير بالذكر، أنّ عمليّة زجّ المعارضين كسجناء سياسيين في السعودية بدأت منذُ التسعينيات وهي مستمرة حتى يومنا هذا، فيما وقعت عدة احتجاجات واعتصامات طالبت بالإفراج عن السجناء السياسيين خلال الاحتجاجات السعودية في بداية ما يسمى “الربيع العربيّ”، في مُختلف أنحاء بلاد الحرمين، لكنّ قوات الأمن السعودية قمعتها بشدة، من خلال استعمال العنف لتفريقها، كما حصلَ في الاحتجاج الذي اندلعَ يوم 19 أغسطس/ آب 2012 في سجن الحائر، والذي دفع قوات الأمن لإطلاق الرصاص الحي لإخماده.
ومع غياب أيّ إحصائيّات رسميّة حولَ عدد السجناء السياسيين في السجون المُنتشرة في أنحاء البلاد، في ظل إنكار وزارة الداخليّة السعودية وجود أيّ سجينٍ من هذا النوع، تقولُ لجنة “حقوق الإنسان الإسلاميّة” التي يقعُ مقرها في المملكة المتحدة، أنّه يوجد أكثر من 30 ألف سجين سياسيّ في سجون آل سعود، وتضيف أنّ السجناء السياسيين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتصفُ السجن السياسيّ في المملكة بالـ “وباء” ويشمل الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.
خلاصة القول، من غير المتوقع أن يغير ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، نهجه الاستبداديّ في ليلة وضحاها، وخاصة أنّ يد الجلاد إذا لم تُقطع أو تحاسب فلن تتوقف عن إجرامها وطغيانها، وبالاستناد إلى الوقائع الحاليّة فإنّ الشيخ العودة سيواجه بالتأكيد مصير من سبقه، فإما موت بطيء داخل الزنازين، أو إفراج عنه بمرض ينهي حياته، أو إقامة جبرية داخل بلاده تمنعه من ممارسة أدنى حقوقه كمواطن سعوديّ، في ظل غياب الضغوط الجادة من قبل المنظمات الدوليّة لردع هذا النظام المجرم.
المصدر / الوقت