التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

فيلم “الهدية”… لا يحق للفلسطينيين أن يفرحوا 

رغم الواقع المعيشي الصعب الذي يعانيه الفلسطينيون في ظل وجود الاحتلال الاسرائيلي على اراضيهم واحتلاله لها وتوسعه ليل نهار لقضم أكبر مساحة ممكنة من الأراضي، خرج إلى النور فيلم قصير فلسطيني للمخرجة الفلسطينية_البريطانية فرح النابلسي والذي يصور جزءاً من معاناة الفلسطينيين اليومية على حواجز الاحتلال.

استطاع الفيلم ان يحقق حضورا ملفتاً في المهرجانات العالمية، ووصل إلى قائمة الأفلام المرشحة لنيل الأوسكار، وكذلك حصد جوائز مهمة مثل البافتا لأفضل فيلم بريطاني قصير، جائزة أفضل روائي قصير في مهرجان بروكلين السينمائي، جائزة الجمهور في مهرجان كليرمون – فيران للأفلام القصيرة.

تدور أحداث الفيلم الذي تم تصويره على مدى ستة أيام، وكتبت نصه الكاتبة هند شوفاني، حول حبكة بسيطة، وهي محاولة فلسطيني اسمه يوسف (صالح بكري) شراء هدية لزوجته بمناسبة عيد زواجهما، وحتى يشتري الهدية عليه المرور عبر حاجز للقوات الإسرائيلي لا يبعد سوى أمتار عن منزله، ولكن عليه الوقوف في طابور مزدحم حتى يصل إلى البوابة، ويقدم بطاقة هويته، ويجيب عن أسئلة جنود مزاجيين لا تهمهم حالة الانتظار التي يعاني منها الفلسطينيون الذين يريدون المرور عبر البوابة إلى السوق، وشراء حاجياتهم، أو السعي وراء مصالحهم قبل إغلاق البوابة.

وفي بداية الفيلم، يقطع يوسف حاجز التفتيش 300 الذي يفصل بيت لحم عن رام الله، ونشاهد زحمة غير طبيعية في الممر الضيق الذي يعطي صورة عن “ماشية” تسير ببطء نحو المسلخ. وينتقل المشهد المظلم إلى بيت يوسف المضيء وصوت العصافير، وهو مستلق براحة على سريره بعد نوم هادئ.

ورغم جمالية الصورة، إلا أن يوسف قلق ويعاني من ألم، حيث تسأله زوجته نور (مريم باشا) عن ظهره ويجيب بأنه أحسن. وقبل ذلك تأتي ابنته ياسمين (مريم كنج) إلى سريره وتعانقه فرحة، لتتدخل أمها وتطلب منها تجهيز نفسها للذهاب مع والدها إلى بلدة بيتونيا لشراء هدية.

وتطلب من زوجها أن يأتي للفطور. ونشعر بالترقب في حالة يوسف رغم حالة الهدوء في البيت، ربما للتوقعات القادمة أو للألم الذي يرافقه في ظهره ويتناول مسكنات بشكل مستمر.

وعندما تذهب زوجته إلى المطبخ تواجه معاناة في إغلاق الثلاجة، وتحاول دفع الباب بشدة حتى يغلق. وقرر يوسف أن يقدم لها ثلاجة جديدة هدية في ذكرى زفافهما.

ويبدو الجو مرحا والتوقعات بيوم جميل وليلة هادئة، حيث يخرج مع ابنته ليواجه المعاملة غير الإنسانية والجنود الذين يتخيرون من يريدون ويحتجزونهم بدون سبب حتى يؤخروا رحلتهم.

وتراقب ياسمين المشهد والفرق في المعاملة، حيث تمر سيارات المستوطنين في طريق خاص غير طريق الفلسطينيين الضيق. ويتم الحديث مع المستوطنين بجذل في سياراتهم. وعندما يأتي دور يوسف يسأله الجندي عن سبب ذهابه للبلدة، يجيب له للتسوق، ويطلب الجندي المتغطرس معلومات أكثر، فيعدد له يوسف القائمة، ويخرج قائمة المشتريات والتي تحتوي على لحم مفروم وحليب وخضروات.

ولكن الجندي يحتجزه في مكان مسيج مع آخرين لساعات، قبل أن يسمح له بالمضي في طريقه. ويسير مع ابنته طويلا قبل ركوب الحافلة.

ويكتشف يوسف أن البنت ياسمين بالت على نفسها بسبب الانتظار. ويهون عليها، ويقول إن الأمر سيحل عندما يصلان إلى المدنية.

ويصور الفيلم لحظات الفرح التي يعيشها مع ابنته في البلدة والألعاب التي يشتريها، وكذا الملابس الجديدة.

ويلاحقه ألم الظهر، حيث يكتشف أن الصيدلية بجانب المتجر مغلقة، وعندما يسأل الفتاة التي تبدو غير مبالية عن سبب الإغلاق، تقول إن صاحبها أغلقها بسبب وفاة. وتقول إن البنادول قد انتهى من المحل.

وفي نهاية رحلة التسوق، يذهب إلى محل الثلاجات لأخذ الثلاجة، ووعد المحل بتوصيلها إلى البيت، ويتم وضع كل المشتريات فيها. وعندما تصل الشاحنة الصغيرة إلى الحاجز يرفض الجنود فتح الحاجز للسيارة، ويطلبون من السائق العودة من حيث جاء.

ويواجه يوسف خيارا صعبا ويطلب من صاحب المحل أن يعيره عربته بوعد إعادتها. ويصل عند الحاجز ونفس الجنود، وهنا يتوتر الموقف وتصل عملية إهانة الفلسطيني لأعلى مستوياتها، ويرفض المسؤول السماح ليوسف باستخدام الطريق القصير حول الحاجز لنقل الثلاجة التي لا تدخل من البوابة الضيقة.

ويحتج صائحا أن بيته لا يبعد عن الحاجز إلا أمتارا، وكل ما يريده هو نقل الثلاجة والعودة للبيت. ويبدأ بالضرب على طاولة صغيرة غاضبا. ويرد الجنود بتصويب بنادقهم، وعند هذه اللحظة المتوترة تنتصر براءة الطفولة على الغطرسة، حيث نرى البنت الصغيرة وهي تدفع العربة باتجاه الشارع.

ويقول أحدهم آفي الذي يبدو متعاطفا من يوسف، إنها طفلة، ويجب عدم اعتراضها، حيث تترك لتمر إلى الطريق العام ويدخل يوسف البوابة، ويواصلان المشي في الطريق الفارغ نحو البيت.

يتناول الفيلم وضعية الفلسطينيين في ظل الاحتلال، حيث تحكمت القوات الإسرائيلية بحياتهم، بدرجة أن الفرحة البسيطة صارت كفاحا ومعاناة. والفيلم هو عن الكرامة الإنسانية وحق البشر بمعاملة إنسانية.

وبقصة بسيطة، نقلت نابلسي طبيعة الصراع المعقد للمشاهد وساعدته على فهم القصة الأكبر بما فيها رؤية المحتل للفلسطيني وتلاعبه بحياته. وتذكيره، في حالة الجنود، من الذي يتحكم، فهو يوسف تحت رحمة الجنود مهما كانت نواياه صادقة، ولا يريد الإساءة لأحد، فلا فرق عند الجندي بين الفلسطيني المسالم والمقاتل. ويجب سحقهم جميعا والدوس على كرامتهم.

وانتشرت الحواجز في أثناء الانتفاضة الثانية، ولا تزال آثارها قائمة، وإن كان بجنود أقل، ولكل فلسطيني عاش تلك الفترة قصته مع الحواجز والإهانة والبحث عن طرق التفافية، والمشي في الجبال.

فالفلسطيني سجين مهما حاول العيش بحرية. وفي بارزة من لحظات الفيلم تداعب ياسمين عصفورين في قفص، وتنسى سترتها، وهي إشارة عنها وعن والدها. وعندما يطلب الجندي من يوسف وضع كل ما لديه للفحص بما في ذلك ساعته التي ورثها عن والده، فهي لحظة تجسد كل تاريخ الفلسطيني من المعاناة. حيث تم وضع كل شيء تحت نظرة المحتل، وفي كل لحظات الفيلم من الوقوف طويلا أمام نقطة التفتيش إلى العودة وجر الثلاجة على التلة والألم في ظهره، فهي صورة على رحلة الفلسطيني ومعاناته الدائمة، جسديا ونفسيا.

ورغم هدوء الفيلم، إلا أنه “الهدية” هو فيلم غاضب يقوم بتنفيس الغضب عبر أكثر من مستوى، وليس التعليقات أو الاحتجاجات الغاضبة، وهو ما يجعله مؤثرا وقويا.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق