التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, أكتوبر 4, 2024

ثلاثة أسباب جعلت زيارة لودريان إلى بيروت عديمة الجدوى 

سافر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت في 5 أيار 2021 للقاء المسؤولين اللبنانيين لإزالة العوائق أمام تشكيل الحكومة.

وتأتي هذه الزيارة فيما تحذر باريس التي تعتبر نفسها الأب الروحي للبنان، من عقوبات ومعاقبة من يشكلون عقبةً أمام تشکيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، والمفسدين الاقتصاديين في لبنان.

في الواقع، يواجه اللبنانيون أزمة عدم تشكيل الحكومة خلال الأشهر التسعة الماضية، وبعد أكثر من سبعة أشهر فشل سعد الحريري حتى الآن في تشكيل الحكومة. وفي مثل هذه الأجواء، فإن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت زيارة لودريان قادرةً على إنهاء الجمود السياسي أم لا.

تأثُّر الفاعلين المحليين اللبنانيين بالقوی الأجنبية

لا شك في أن أهم عقبة أمام تشكيل الحكومة واستمرار الأزمة السياسية في لبنان، يمكن تحليلها في عاملين: تدخل الجهات الأجنبية والتيارات السياسية المحلية التابعة للخارج.

أصبح لبنان، الذي عُرف في العقود التي سبقت عام 1975 كعروس الشرق الأوسط وأحد أكثر البلدان استقرارًا في العالم، ملاذاً لتدخل العديد من الجهات الفاعلة الأجنبية.

في الوضع الحالي، وفي متابعة سبب فشل سعد الحريري في تشكيل الحكومة، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن القضية يجب ألّا يتم البحث عنها في مشاكل لبنان السياسية، بل في نهج الحريري السياسي. إذ لا مكان للنظر إلى لبنان في نهج سعد الحريري السياسي.

ولهذا السبب سافر إلى قطر ثم إلى الإمارات خلال الشهر الماضي. ويُزعم أن الإمارات عرضت عليه الانتقال من بيروت إلى أبو ظبي للإقامة فيها. وتشير بعض التقارير إلى أن ولي عهد أبوظبي ابن زايد طلب من الحريري الابتعاد عن الرياض والتحالف مع الإمارات.

في الواقع، إن الجمود السياسي اليوم في أزمة الحكومة في لبنان هو نتيجة عدم نظرة سياسيي تحالف 14 آذار إلی الداخل اللبناني. حيث رفض تحالف 14 آذار بقيادة سعد الحريري مراراً مقترحات ميشال عون للخروج من الأزمة، بسبب تبعيته للسعودية.

في المقابل، يؤيد تحالف 8 آذار جبهة المقاومة، وتعارض السعودية بشدة وجود حزب الله وحلفائه في الحكومة اللبنانية. وطالما أن سعد الحريري يتبنی مثل هذا النهج، فإن أزمة الحكومة في لبنان لن تنتهي.

کما لا يمكن إنكار تأثير الحكومات الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة، لكن نهج سعد الحريري السياسي هو الذي أوصل لبنان إلى طريق مسدود سياسي. والمخرج الوحيد للبنانيين هو تغيير نهج الحريري من الوضع الحالي والنظر إلى الداخل بدلاً من الخارج.

حقيقة الأمر أنه مع استمرار الوضع الحالي “تصبح الحياة في لبنان مستحيلةً”. لبنان لا يحتاج إلى وساطة خارجية للخروج من الأزمة الحالية. بل يتطلب الأمر من جميع الفرقاء الجلوس حول الطاولة والتحدث عن مستقبل هذا البلد الجميل. دولةٌ كان دخل الفرد فيها من بين العشرة الأوائل في العالم في الستينيات.

العقوبات الأمريكية على لبنان

في الوضع الحالي، من المهم أنه إذا كانت الحكومة الفرنسية تعتزم حل الأزمة السياسية في لبنان على أساس نية حقيقية، فيجب عليها أولاً التفاوض مع حكومة الولايات المتحدة، برئاسة جو بايدن، لرفع العقوبات المفروضة على لبنان.

حقيقة الأمر أن حكومة الولايات المتحدة فرضت موجةً واسعةً من العقوبات على المسؤولين السياسيين اللبنانيين خلال العامين الماضيين، بهدف منع حزب الله من توسيع نفوذه وسلطته في الحكومة.

وفي أهم خطوة، فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على البنك المركزي اللبناني في الخريف الماضي، لزيادة الضغط علی اقتصاد هذا البلد الهش؛ لأن عقوبات واشنطن تعني عزل لبنان عن النظام المالي العالمي.

وفي وقت سابق أيضًا، في أيلول 2020، فرضت واشنطن عقوبات على وزيرين لبنانيين سابقين، هما وزير النقل “يوسف فنيانوس” ووزير المالية “علي حسن الخليل”، بتهمة الفساد والدعم المالي لحزب الله.

وفي 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 أيضًا، فرضت واشنطن عقوبات علی جبران باسيل، رئيس أكبر مجموعة سياسية مسيحية في لبنان ووزير الخارجية اللبناني السابق.

بالتأكيد، أصبحت عقوبات واشنطن هذه، التي تتجاوز الآن الشخصيات والتيارات الموجودة في محور المقاومة، عاملاً مهماً في عدم تشكيل الحكومة اللبنانية واستمرار الأزمة السياسية في هذا البلد.

حتى الفرنسيون في ذلك الوقت أدركوا الدور الأساسي لهذا المتغير في عدم تشكيل الحكومة اللبنانية. بحيث في 20 نوفمبر 2020، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية الأمريكي آنذاك مايك بومبيو إلى تأجيل زيادة العقوبات علی المسؤولين اللبنانيين لتمهيد الطريق أمام تشکيل حكومة جديدة.

وبشكل عام، يبدو أن موضوع تشكيل الحكومة الجديدة سيبقى في حالة من الغموض حتى ترفع واشنطن عقوباتها.

أولوية حل الأزمات الاقتصادية كشرط مسبق لتغيير الوضع السياسي

كما تقدَّم، لن تحل الأزمة السياسية في لبنان بمجرد الشعارات والزيارات الدبلوماسية. والشرط المهم الآخر لحل هذه الأزمة هو حل الأزمة الاقتصادية في هذا البلد.

لقد تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان وأصبح أكثر خطورةً من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة، بسبب انتشار كورونا والتوترات السياسية والعقوبات الأمريكية.

في الواقع، يشهد لبنان أسوأ أزمة مالية منذ الاستقلال(23 نوفمبر 1943). إن معدل البطالة الذي فاق 40٪، وأعلى نسبة للدين الخارجي لحكومة ما في العالم بالقياس إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت حوالي 85 مليار دولار بحسب صندوق النقد الدولي، حوّلت الحكم في لبنان رسمياً إلى اللعب بالنار.

هذا في الوقت الذي يُتوقع فيه أن تنمو نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 185٪ بحلول عام 2024.

كما فقدت العملة الوطنية اللبنانية أكثر من نصف قيمتها، وأدى التضخم الذي تجاوز 30٪ إلى تضييق سبل عيش اللبنانيين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الاقتصاد اللبناني، الذي ترتبط أهم قطاعاته بمصارفه وصناعة السياحة، والذي ينصب تركيزه على قطاع الخدمات، يرجع إلى حد كبير إلى الأزمة الاقتصادية السورية التي ضعفت بشدة نتيجة قانون القيصر(العقوبات الأمريكية على دمشق).

يشير مجموع هذا الاتجاه إلى أن أحد العوامل الرئيسة في حل الأزمة السياسية اللبنانية هو تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، وإذا كانت لدى الفرنسيين نوايا حقيقية في هذا الصدد، فإن جعل المساعدة الاقتصادية مرهونةً بتشكيل حكومة جديدة هو بالأحرى معالجة المشکلة بعد فوات الأوان.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق