المغامرات العسكرية التركية في العراق… من ألفها إلى يائها
في الأسابيع الأخيرة، بدأت جولة جديدة من الضربات العسكرية التركية، الأمر الذي حوَّل انتباهنا مرةً أخرى إلى اعتداءات ترکيا علی العراق.
على الرغم من قيام الجيش التركي بعمليات عسكرية في شمال العراق منذ عقود، إلا أن عدد الهجمات التركية ونطاقها قد زادا بشكل كبير في العامين الماضيين، ورغم معارضة الحكومة العراقية، إلا أن أنقرة أصرت حتى الآن على تكرار وتوسيع هجماتها العسكرية للقضاء على جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية.
بدأت الجولة الجديدة من الهجمات للجيش التركي منذ 23 أبريل 2021، تحت اسم عملية “مخلب البرق” و”مخلب الصاعقة” ضد عناصر حزب العمال الكردستاني.
وبغية تنفيذ هذه العملية، قام ثلاثة من كبار المسؤولين العسكريين الأتراك، بمن فيهم “خلوصي أكار” وزير الدفاع، “ياشار غولر” رئيس أركان الجيش التركي، والجنرال “أوميد دوندار” قائد الجيش التركي، بتشکيل غرفة عمليات في مدينة “شرناق” لإدارة الهجمات.
وتأتي هذه العملية في الوقت الذي نفذ فيه الجيش التركي عمليات “مخلب النسر” و”مخلب النمر” و”مخلب النسر 2″ في العام الماضي. ويعتقد معظم المراقبين السياسيين الآن أن الحكومة التركية تواصل السعي لتحقيق هدف إنشاء قواعد عسكرية جديدة في محافظة دهوك العراقية.
وفي هذا الصدد، أعلن وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو” أنهم يعتزمون بناء قاعدة عسكرية في شمال العراق للسيطرة على الوضع بالقرب من حدودهم، كما فعلوا في سوريا.
ومع ذلك، في هذا المقال التحليلي والبحثي، نطرح السؤال التالي: ما هي كمية ونوعية القواعد العسكرية التركية في شمال العراق وما هي أهداف هذا البلد من هجماته؟ والسؤال الآخر الذي يمكن طرحه هو، ما هي استراتيجية ونظرة القوى الإقليمية وعبر الإقليمية المتورطة في العراق تجاه هجمات الجيش التركي؟
من أجل معالجة هذه القضايا المحورية، يمكن تقسيم هذا المقال إلى ثلاثة أقسام أساسية. يتناول القسم الأول كيفية دخول تركيا إلى الأراضي العراقية وقواعدها العسكرية. وفي الجزء الثاني، يتم عرض أهداف تركيا من إنشاء قواعد عسكرية في العراق على ثلاثة مستويات: طويلة المدى، متوسطة المدى وقصيرة المدى. ونستعرض في القسم الثالث مواقف القوى المنخرطة في العراق، بما في ذلك جمهورية إيران الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية.
1- القواعد العسكرية التركية في العراق
في سياق معالجة مسألة القواعد العسكرية التركية في العراق، من الضروري أولاً دراسة عملية شن أنقرة هجمات علی المناطق الشمالية من هذا البلد، ثم الانتقال إلی عدد ونطاق القواعد العسكرية التركية في العراق.
أ) تهديدات حزب العمال الكردستاني كأداة للهجوم علی شمال العراق
فيما يتعلق بمتابعة الضربات العسكرية التركية في شمال العراق وتنفيذ العمليات العسكرية من قبل هذا البلد، ينبغي الإشارة بشكل خاص إلى دور فاعل رئيسي يُدعى حزب العمال الكردستاني (PKK).
تأسس حزب العمال الكردستاني في عام 1978 بقيادة عبد الله أوجلان، لكن أولى العمليات المسلحة للحزب بدأت عام 1983 ضد المواقع العسكرية ونقاط التفتيش الحدودية التركية.
وعقب بدء العمليات العسكرية لهذا الحزب في عام 1983، اتفقت تركيا والعراق على أن القوات التركية يمكن أن تلاحق المهاجمين حتى عمق 20 كم على الأراضي العراقية.
ظل هذا الاتفاق ساري المفعول حتى عام 1991. لكن بعد هذا العام، عندما تم تشكيل حكومة كردستان العراق المتمتعة بالحكم الذاتي عند خط العرض 36 وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 688، واصلت تركيا هجماتها وعملياتها في شمال العراق بحجة قتال وتدمير حزب العمال الكردستاني، دون أي إذن قانوني من بغداد وحكومة صدام.
في منتصف التسعينيات، اشتبك الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي والاتحاد الوطني الكردستاني مع حزب العمال الكردستاني، وحتى الخلافات بين الجانبين تصاعدت إلى نزاع مسلح.
وخلال هذه الفترة دخلت الحكومة التركية بإذن ومساندة مباشرة من الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي المناطق الشمالية من العراق، بل وطاردت مقاتلي حزب العمال الكردستاني لعدة مئات من الكيلومترات، خلافًا لاتفاقية الدخول على مدى 20 كيلومترًا.
ومنذ ذلك الحين، أنشأت الحكومة التركية قواعد عسكرية مؤقتة في محافظة دهوك، في سلسلة من الخطط العملياتية الهادفة.
ب) ظهور تركيا كلاعب جديد في ساحة التطورات الجديدة في غرب آسيا
في البداية، اعتبرت الحكومة التركية الإطاحة بنظام البعث وصدام في بغداد وتشكيل حكومة فيدرالية في العراق عام 2003، تهديدًا أمنيًا واستراتيجيًا كبيرًا؛ لأن الأتراك كانوا يخشون من قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق.
وخلال هذه الفترة، حذرت أنقرة مرارًا وتكرارًا من استعدادها لهجوم عسكري على أربيل، لكن هذه العملية لم تنفذ أبدًا لاعتبارات سياسية وتدخل أمريكي. ومع ذلك، استمرت العمليات التركية المحدودة في إقليم كردستان العراق في السنوات التي تلت عام 2003، وحتى السنوات الأخيرة.
ولكن نتيجةً للتطورات السياسية والميدانية العميقة في منطقة غرب آسيا، الناجمة عن التطورات الثورية التي أعقبت عام 2011، دخلت الحكومة التركية الساحة كلاعب جديد.
لعب الجيش التركي دور الفاعل الجديد منذ عام 2016، عندما دخل لأول مرة مدينة جرابلس شمال حلب، كجزء من عملية درع الفرات. وبعد ذلك، مع السيطرة التركية على المناطق الشمالية من محافظة حلب، بما في ذلك المنطقة الواقعة بين مدينتي جرابلس واعزاز، تركزت التحركات والإجراءات العسكرية التركية على مواجهة مجموعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية(PKK).
هاجمت أنقرة شرق الفرات ومقاطعة عفرين على عدة مراحل، بحجة قتال الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، وفي النهاية احتلت عدة مناطق استراتيجية خلال عملية غصن الزيتون(20 كانون ثاني/يناير 2018) ونبع السلام(23 تشرين أول/أكتوبر 2019).
ومع ذلك، في الوضع الجديد، قامت الحكومة التركية، استمرارًا لسياساتها المغامرة في غرب آسيا، بجولة جديدة من الهجمات ضد حزب العمال الكردستاني؛ لكن هذه المرة لم تكن سوريا بل شمال العراق هو الذي أصبح المحور الرئيسي لتحرك قواتها العسكرية.
في البداية، في 15 يونيو 2020، أطلقت تركيا عملية “مخلب النسر” بإرسال قوات الكوماندوز إلى منطقة “حفتانين” في شمال العراق. وفي 17 يونيو 2020، انطلقت عملية “مخلب النمر”، وبدأت جولةً جديدةً من الهجمات اعتبارًا من 23 أبريل 2021 في إطار عمليتي “مخلب البرق” و”مخلب الصاعقة”.
ج) عدد ونطاق القواعد العسكرية التركية في العراق
رغم عدم وجود إحصائيات وتفاصيل دقيقة عن عدد القواعد العسكرية التركية في شمال العراق، إلا أن التقارير تشير إلى أن عدد القواعد العسكرية التركية في كردستان العراق يصل إلى أكثر من 19، منها 15 قاعدة عسكرية و 4 قواعد استخباراتية.
في منطقة “كاني ماسي” التابعة لمحافظة دهوك، توجد أكبر قاعدة عسكرية تركية، تضم نحو 1500 عسكري ومخابراتي مع المدرعات، كما يوجد لهذه القاعدة مدرج.
تقع هذه القواعد على عمق 10 كيلومترات داخل الأراضي العراقية. كما توجد قواعد أخرى في زاخو والعمادية وشيلادزي وسوران في محافظة أربيل، وقواعد عسكرية أخرى على طول الحدود وعلى منحدرات جبل كورك.
وفي المجموع، تشير التقارير إلى أن العدد الإجمالي للقوات التركية في العراق يتراوح بين 2500 و 3000، يتمركز معظمهم في ست قواعد عسكرية دائمة. وبهذا، في الجولة الجديدة من الضربات العسكرية التركية، تعتزم أنقرة إنشاء قواعد عسكرية في بعض القرى في محافظة أربيل، من خلال الدخول في عمق الأراضي العراقية.
وبالإضافة إلى هذه القواعد العسكرية، يمكن اعتبار أهم قاعدة تركية في العراق في منطقة “بعشيقة” شرقي محافظة نينوى.
تقع قاعدة بعشيقة العسكرية على بعد 22 كم شمال الموصل، على عمق 100 كم في العراق. ويمكن قراءة سبب دخول القوات التركية إلى هذه المنطقة وإنشاء قاعدة عسكرية، في سياق ظهور داعش في العراق.
في الواقع، أصبح صعود داعش، مثل العديد من التطورات السياسية في العراق، نقطة تحول للوجود العسكري التركي في هذا البلد.
بعد سقوط الموصل وسيطرة قوات داعش على هذه المدينة في عام 2014 وطلب مسعود بارزاني وموافقة الحكومة المركزية العراقية، انتشرت القوات العسكرية العراقية على بعد نحو 30 كيلومترا شمال شرقي الموصل في منطقة تسمى بعشيقة، وأنشأت قاعدةً عسكريةً لتدريب القوات الشعبية الموجودة في المنطقة.
2- أهداف تركيا من إقامة قواعد عسكرية في العراق
عند معالجة أهداف الحكومة التركية المتمثلة في إنشاء قاعدة عسكرية في العراق، من الضروري النظر في ثلاثة أنواع من الأهداف طويلة المدى ومتوسطة المدى وقصيرة المدى.
يمكن تحليل أهداف تركيا طويلة المدى كهدف استراتيجي، وتقييم أهداف هذا البلد قصيرة المدى کأهداف تكتيكية.
أ) الأهداف الإستراتيجية وطويلة المدى(النظر إلى العراق من منظور تنفيذ خطة الميثاق الوطني)
لا شك أن هدف تركيا طويل الأمد المتمثل في إنشاء قاعدة عسكرية وإجراء عمليات في أجزاء مختلفة من العراق، يتماشى مع هدفها الطموح وتطلعاتها المستمرة منذ عقود لتنفيذ الميثاق الوطني.
وفقًا لـ “الميثاق الوطني” الذي تبنته الدولة العثمانية عام 1920، في العراق حوالي 6 محافظات حالية هي دهوك وأربيل وحلبجة والسليمانية والموصل وكركوك، وفي سوريا أجزاء من محافظات حلب وإدلب والرقة ودير الزور، وكذلك أجزاء من جيران تركيا الآخرين وهم بلغاريا واليونان وجورجيا وأرمينيا وجمهورية أذربيجان وحتى إيران، بما في ذلك محافظتي ماكو و تشالدران في شمال محافظة أذربيجان الغربية، ستكون جزءًا من أراضي الدولة الجديدة لتركيا، والتي بالطبع في معاهدة لوزان عام 1923، كانت تركيا موجودةً داخل الحدود الحالية.
لكن السياسيين الأتراك دائمًا، وتحت عناوين وتصريحات مختلفة، كشفوا عن رغبتهم في إنهاء معاهدة لوزان وإبرام لوزان جديدة. وفي الواقع، هم يسعون للعودة إلى الميثاق الوطني وتنفيذ خطة لوزان الجديدة بالإعلان عن نهاية معاهدة لوزان.
كانت معاهدة لوزان معاهدة سلام تم الاتفاق عليها في 24 يوليو 1923 في لوزان بسويسرا، لحل النزاع الذي بدأ بين قوات الحلفاء ودول المحور منذ الحرب العالمية الأولى. وتم توقيع معاهدة السلام بين الجمهورية الفرنسية الثالثة والإمبراطورية البريطانية وإمبراطور اليابان وملك إيطاليا وملك اليونان آنذاك وملك رومانيا وملك يوغوسلافيا.
في غضون ذلك، تخلت الحكومة التركية، بموجب معاهدة لوزان عام 1926، عن إعادة ملكية محافظة الموصل، مما أدى إلى تأكيد السيادة العراقية على الموصل بإذن من بريطانيا؛ ولکن على صعيد آخر، انضمت منطقة الإسكندرونة إلى سوريا عام 1939 بإذن من فرنسا، إلا أن المسؤولين الحكوميين الأتراك لم يقبلوا ذلك أبدًا، وكان لديهم دائمًا نظرة إلی السيطرة على المناطق المتاخمة لسوريا مع تركيا.
وفي هذا الصدد، شکَّك أردوغان ومستشاروه بشكل علني مرارًا وتكرارًا في أحكام معاهدة لوزان، في إطار العقيدة العثمانية الجديدة التي تحكم جهاز السياسة الخارجية لهذا البلد. على سبيل المثال، خلال خطابه في القصر الرئاسي في عام 2019، انتقد أردوغان بشدة معاهدة لوزان، ووصفها بأنها تضر بالمصالح الوطنية لتركيا.
وفي تصريح آخر انتقد أردوغان مؤسسي تركيا الجديدة، قائلاً: لقد وصلت مساحة الإمبراطورية العثمانية من مليوني متر مربع في عام 1914 إلى 980 ألف كيلومتر مربع، في غضون 9 سنوات حتى معاهدة لوزان، وهذا رمز لعدم کفاءة السياسيين الأتراك في ذلك الوقت.”
ومع التأكيد على هذه النظرة، يمكن القول الآن إن التحركات العسكرية والسياسية التركية قد تزامنت مع دعوة أردوغان المؤرخين الأتراك لمراجعة كتابة تاريخ تركيا خلال الحرب العالمية الأولى، وإعادة قراءة الاتفاقيات.
ربما يريد أردوغان إزالة الغبار من تاريخ هذه المرحلة بعد هذه الدعوة، وتقديم تعليمات سياسية لصالح رؤيته لعام 2023. ووفقًا لهذا الرأي، فإن تركيا الجديدة سيتم إنشاؤها على أساس مبادئ جديدة(العثمانية الجديدة)، والتي ستحل محل الهوية الوطنية العلمانية التي أسسها أتاتورك.
وبهذا، يمكن القول إن هدف أنقرة بعيد المدى المتمثل في إنشاء قاعدة عسكرية في العراق، هو تحقيق حلم العودة إلى الحدود العثمانية وفقًا للميثاق الوطني.
ب) الأهداف متوسطة المدى(تغيير ميزان القوى والوصول إلى موارد النفط العراقية)
على الرغم من الطبيعة الإرهابية لحزب العمال الكردستاني، من المهم ملاحظة أن العمليات العسكرية التركية في شمال العراق ستشكل حتماً تهديدًا خطيرًا لهذا البلد على المدى المتوسط.
في البداية، يبدو من الضروري ملاحظة أنه في عقلية القومية التركية وكذلك العثمانية الجديدة لأردوغان، تعتبر محافظة الموصل جزءًا منفصلًا من تركيا الكبرى، ويجب إعادتها يومًا ما. وفي الوضع الحالي، يبدو أن أردوغان حريص على استعادة السيطرة على أجزاء على الأقل من ولاية الموصل السابقة.
وفي الوقت الراهن، يبدو أن أردوغان يعتزم تمهيد الطريق أمام ممرات عفرين والقامشلي وسنجار، لاحتلالها بشکل دائم. وفي هذا الصدد، فإن خارطة الطريق التي وضعها أردوغان هي أن تحتل تركيا مناطق واسعة في شمال سوريا والعراق بمساعدة مرتزقتها، وبعد ذلك بحلول عام 2023، تضع على جدول أعمالها برنامج تغيير التركيبة السكانية وهوية هذه المناطق.
وهذا يعني توطين السكان العرب والتركمان الموالين لتركيا في الأراضي التي تحتلها ترکيا؛ ويمكن رؤية مثال واضح على ذلك في سياسات تركيا لتغيير التركيبة السكانية لمدينة عفرين.
لكن الأهم من ذلك هو رفع دعوى قضائية في عام 2023 لتقسيم شمال سوريا والعراق لصالح تركيا.
في الواقع، تدعي السلطات التركية أن اتفاقية لوزان ستنتهي في عام 2023، أي بعد مائة عام من توقيعها، وأن تركيا سيكون لها الحق في المطالبة باستفتاء بين سكان الأراضي التي تدعي تركيا ملكيتها. وتشمل هذه المناطق الآن محافظتي حلب وإدلب والمناطق الكردية شرقي الفرات في سوريا، ومناطق في محافظة دهوك العراقية، والتي يمكن أن تتوسع خلال العامين المقبلين.
ونتيجةً لذلك، يبدو أن تركيا تعتزم دخول أراضي العراق وسوريا قدر الإمكان والسيطرة على بعض المناطق، وفي المرحلة النهائية، من خلال الادعاء بانتهاء الذكرى المئوية لمعاهدة لوزان، ستضم هذه المناطق إلی نفسها.
والنقطة الأخرى الجديرة بالملاحظة هي أن الحكومة التركية أظهرت عدم استعدادها لمغادرة أي منطقة بعد دخولها واحتلالها عسكرياً، ومثال ذلك هو شمال سوريا. وفيما يتعلق بالعراق أيضاً، يبدو من المؤكد أن أنقرة تستخدم حزب العمال الكردستاني كأداة لتوسعها الإقليمي في منطقة غرب آسيا.
ج) الأهداف قصيرة المدى(النفوذ الاقتصادي في العراق والاستغلال السياسي في الداخل)
على المدى القصير، يمكن تقييم هدف تركيا المتمثل في إجراء عمليات عسكرية وتوسيع عدد قواعدها ومقارها في العراق، من حيث السعي وراء النفوذ الاقتصادي والاستغلال السياسي داخل تركيا.
في الواقع، في السنوات الأخيرة، وخاصةً بعد الإطاحة بعبد الله غول وعلي باباجان وأحمد داود أوغلو من حزب العدالة والتنمية، وضع أردوغان على جدول أعماله استغلال السياسة الخارجية كورقة رابحة في الفوز بالانتخابات المحلية.
في الواقع، ينتهج أردوغان سياسة تكثيف العمل العسكري في العراق وسوريا، وتوسيع نطاق التدخل العسكري في ليبيا وزيادة وجوده في البحر الأبيض المتوسط، ساعيًا إلى استخدام إنجازاته في مجال السياسة الداخلية للتفوق على منافسيه.
وبهذه الإجراءات، يعتزم أردوغان كسب أصوات المواطنين الأتراك والجماعات القومية، وبالتالي النجاح مجدداً في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
وعلى صعيد آخر، تعتزم الحكومة التركية زيادة نفوذها على الحكومة العراقية على المدى القصير من خلال إنشاء قواعد عسكرية، وبالتالي زيادة حصتها التجارية في العراق.
في الوقت الحالي، يبلغ حجم التجارة السنوية بين تركيا والعراق حوالي 16 مليار دولار، وتعتزم تركيا الآن زيادة هذا الحجم التجاري الكبير أكثر فأكثر.
3- مواقف الجهات الفاعلة المختلفة تجاه جهود تركيا لإقامة قواعد عسكرية
القضية المهمة الأخرى فيما يتعلق بالقواعد العسكرية التركية، هي موقف الأطراف المعنية. وفي هذا الصدد، نحاول دراسة مواقف الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق أولاً، ثم عرض مواقف إيران والولايات المتحدة والجهات الفاعلة العربية مثل السعودية والإمارات.
أ) إنقسام الأكراد تجاه تركيا
لطالما قوبلت جهود تركيا لإنشاء قواعد عسكرية وإجراء عمليات عسكرية في شمال العراق بمعارضة شديدة من الحكومة العراقية. وخاصةً بعد ضربة جوية تركية بطائرة دون طيار على وفد من حرس حدود الجيش العراقي في 11 آب/أغسطس 2020، والتي يُزعم أنها وقعت في منطقة سيدان بإقليم كردستان، حيث کان الوفد علی موعد للتفاوض مع حزب العمال الكردستاني، وكان هناك رد فعل غير مسبوق من المراقبين ووسائل الإعلام السياسية العراقية.
وقد أدى هذا العمل وهجمات الجيش التركي في مناطق مختلفة، إلى إدانة مسؤولين حكوميين واستدعاء القائم بأعمال السفارة التركية في بغداد.
إن مدى وطبيعة ردود فعل المسؤولين العراقيين والتيارات السياسية على الضربة التركية الأخيرة بطائرة بدون طيار في الأشهر الأخيرة، يشيران إلى حد كبير إلى حقيقة أن صبر بغداد قد نفد، وهم مصممون أكثر من أي وقت مضى على منع أنقرة من انتهاك السيادة الوطنية للعراق.
وفي الآونة الأخيرة، رأينا الرئيس برهم صالح والمتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي يحيى رسول يتهمان تركيا بانتهاك السيادة الوطنية العراقية، وحتى في رد الفعل الأهم، رأينا أن وزارة الخارجية العراقية ألغت زيارة وزير الدفاع التركي إلى بغداد وأربيل، والتي كانت مقررةً في 14 آب/أغسطس 2020.
وعلى صعيد آخر، دعا العديد من الشخصيات العراقية بغداد إلى إعادة النظر في علاقاتها مع أنقرة، والرد على العدوان التركي. کما أدانت التيارات والأحزاب السياسية العراقية، مثل الحشد الشعبي، الهجمات التركية ودعت إلى إنهاء العدوان.
وفي هذا الصدد، تمتلك الحكومة المركزية العراقية أيضًا أدوات للتعامل مع تركيا، وأهمها العقاب بفرض قيود على التجارة مع هذا البلد، ورفع شکوی ضد تركيا في مجلس الأمن.
على عكس الحكومة المركزية العراقية، نشهد في إقليم كردستان نوعًا من الانقسامات الواسعة في مواجهة العمليات العسكرية والجهود التركية لإنشاء قواعد جديدة.
فمن ناحية، تدين غالبية أحزاب الإقليم بشدة هجمات تركيا وإنشاء قواعد عسكرية جديدة في شمال العراق، ومن ناحية أخرى، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، بصمته، يدعم هذه العملية بطريقة ما.
إن خلافات وتوترات بارزاني مع حزب العمال الكردستاني لا تخفى على أحد، وتاريخ تعاون الحزب مع تركيا في تنفيذ عمليات ضد حزب العمال الكردستاني يمتد إلى عدة عقود. وبلغت هذه القضية ذروتها في منتصف وأواخر التسعينيات.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يستغل كل فرصة لإلحاق الضرر بحزب العمال الكردستاني، ومن المرجح أن ينتهج استراتيجية تعاون لوجستي مع الجيش التركي.
کما أنه في ظل الوضع الحالي، يبدو أن الحزب الديمقراطي الكردستاني قد أعطى الضوء الأخضر للعملية العسكرية التركية على عمق 190 كيلومترًا في العراق، ويريد بطريقة ما تصفية الحسابات مع هذا الحزب الكردي المنافس له.
في الواقع، يعتقد قادة هذا الحزب، الذي يرأس أيضًا الإدارة الفيدرالية للإقليم، أن حزب العمال الكردستاني يجب أن يبعد ساحة المعركة وصراعه عن الإقليم، وإذا كانت لديه مشكلة مع أنقرة، فعليه تسويتها داخل حدود تركيا وعدم تحويل هذه المنطقة إلى بؤرة صراع.
وحتى أبعد من ذلك، يرى الحزب الديمقراطي والبارزانيون أن حزب العمال الكردستاني هو أحد العوامل الرئيسية التي تكثف جولةً جديدةً من الاحتجاجات الشعبية في الإقليم، على سوء الأحوال المعيشية والفساد المستشري بين المسؤولين الحكوميين.
ب) دعم إيران الثابت لسيادة العراق الإقليمية ضد الاعتداءات التركية
إستندت رؤية الحكومة الإيرانية للعمليات العسكرية التركية وجهودها لإنشاء قاعدة عسكرية، على مبدأ الصداقة ودعم السيادة الإقليمية للعراق.
طهران في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من الرغبة في التعاون مع تركيا والتأكيد على حتمية التعاون بين البلدين على مختلف المستويات الأمنية والاقتصادية وغيرها، أكدت دائمًا على الحفاظ على السيادة الوطنية واحترام سيادة بغداد، اعتمادًا على مبدأ حسن النية والصداقة في التعامل مع جيرانها الإقليميين.
وتتجلى ذروة هذا النهج في مواقف إيرج مسجدي، سفير إيران في بغداد خلال الأشهر القليلة الماضية. بحيث أنه في مقابلة مع قناة رووداو التلفزيونية الكردية في شباط/فبراير 2021، صرح إيراج مسجدي: أن “جمهورية إيران الإسلامية تعارض أي اعتداء أو تهديد من تركيا أو أي دولة أخرى ضد العراق. وقال مسجدي إن القوات التركية يجب ألا تشكل خطراً على العراق، مضيفا أن موقف إيران هو معارضة أي تدخل عسكري في العراق. والقوات العراقية هي المسؤولة عن إرساء الأمن في العراق، كما يجب على قوات إقليم كردستان العراق إحلال الأمن في منطقتهم. ونتيجةً لذلك، يجب على تركيا أن تتراجع إلى حدودها الدولية، وعلى العراقيين أنفسهم توفير الأمن في العراق”.
حتى أن تصريحات مسجدي أدت إلى توترات لفظية بين الدبلوماسيين بين البلدين، لكن حقيقة الأمر أن طهران، من خلال أعمالها في مجال العلاقات مع الحكومة العراقية في السنوات الأخيرة، أظهرت أنها تعتبر أمن وسيادة هذا البلد مبدأً لا جدال فيه.
لا شك في أن العلاقات بين طهران وبغداد تجري الآن على مستوى استراتيجي وودي، قد يكون غير مسبوق في التاريخ. ومع ذلك، تحترم إيران دائمًا السيادة الوطنية واستقلال العراق، وقد فعلت ذلك حتى فيما يتعلق بالمناطق الخاضعة لسيطرة إقليم كردستان العراق.
ومع ذلك، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن إيران وتركيا، كقوتين إقليميتين رئيسيتين وجارتين لهما تاريخ من العلاقات المشتركة والتعاون في مختلف المجالات الأمنية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية، لديهما علاقات عميقة لدرجة أن التوترات اللفظية، كما في الحالة الأخيرة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسبب توترات خطيرة بين الطرفين.
وحقيقة الأمر أنه على الرغم من الاختلافات في إستراتيجية السياسة الخارجية للدولتين فيما يتعلق بالأزمات في غرب آسيا، فإن تركيا وإيران، بدلاً من كونهما مصدر توتر وخلاف مع بعضهما البعض، لديهما القدرة على التعاون والتسوية في مختلف المجالات الاقتصادية، ومكافحة الإرهاب وما إلى ذلك.
وفي الواقع، يمكن النظر إلى بعض الصراعات التي تحدث بين حين وآخر على أنها صراعات بناءة أو فرصة لإحياء العلاقات الدبلوماسية الثنائية.
ج) محاولات الولايات المتحدة للحد من التوسع الحدودي التركي
يمكن تحليل نظرة الإدارة الأمريكية تجاه إنشاء قواعد عسكرية تركية في العراق وتكرار الهجمات المستمرة على هذا البلد في أوقات مختلفة في شكل ثنائية جديدة، علی أساس محاولة كبح جماح الحليف السابق وإخراج أردوغان من السلطة.
حقيقة الأمر هي أن وجهة نظر جو بايدن، كرئيس جديد للولايات المتحدة، حيال سياسة الحكومة التركية تجاه العراق، يمكن قراءتها خارج نطاق هذا البلد، وتشمل قضايا مثل مهمة نهج أنقرة في البحر المتوسط ، والعلاقات مع روسيا، وطبيعة دور تركيا في الناتو، وتوترات أردوغان مع الدول الأوروبية، والمعادلات السياسية داخل تركيا.
في الواقع، في السنوات الأخيرة، أصبحت الحكومة التركية مصدر إزعاج كبير لحلف شمال الأطلسي، ويُنظر إليها بشكل أساسي على أنها جهة فاعلة تعسفية دخلت في مواجهة قصوى مع الأعضاء الآخرين، ولكن تم تجاهل نهج أنقرة هذا دائماً في عهد ترامب.
في الواقع، كانت إدارة ترامب غير راغبة في الدخول في توترات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وربما خلف الكواليس تركت تركيا حرةً في إثارة التوترات مع الأوروبيين في البحر المتوسط. وكانت هذه التوترات كبيرةً جدًا لدرجة أن فرنسا طالبت بطرد تركيا من الناتو. ولکن في الوضع الجديد، تغيرت الظروف تمامًا.
مع شعار إعادة بناء التحالفات التقليدية والتزام واشنطن بالمحيط الأطلسي، لا يمكن لبايدن أن يظل صامتًا في مواجهة أنقرة كما كان الأمر من قبل. ونتيجةً لذلك، يبدو أن ضغط إدارة بايدن على تركيا للتخلي عن مغامرتها في البحر الأبيض المتوسط والتنافس مع الدول الأوروبية أمر مؤكد.
في الواقع، إلى جانب العلاقات والتوترات داخل الناتو، هناك توتر آخر يمكن أن يؤثر بشدة على مستقبل علاقات تركيا مع أعضاء الناتو، يرتبط بتصرفات تركيا في البحر الأبيض المتوسط، والتي أثارت غضب واستياء الفاعلين الأوروبيين في العام الماضي.
وقعت أنقرة اتفاقيةً لاستكشاف موارد البحر الأبيض المتوسط مع حكومة الوفاق الوطني الليبية بقيادة فايز السراج في ديسمبر 2019، وهو ما ينتقده ويعارضه أعضاء الناتو.
بموجب الاتفاقية، يمكن لتركيا التنقيب في المياه الليبية لاستكشاف حقول النفط والغاز. وتعتقد تركيا أيضًا أنه بموجب الاتفاقية، لن يُسمح للدول الأخرى ببناء خط أنابيب غاز دون موافقتها.
لكن بدء التنقيب التركي في البحر الأبيض المتوسط، ووجه بمعارضة اليونان ومصر وقبرص والکيان الإسرائيلي وأوروبا وحتى الولايات المتحدة. حتى بعد تصاعد التوترات، حذر رئيس الوزراء اليوناني الاتحاد الأوروبي في أغسطس 2020 من صراع مع تركيا.
وفي تموز(يوليو) 2020 أيضًا، دعا منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل تركيا إلى تعليق التنقيب في البحر الأبيض المتوسط. حتى في أعقاب تصاعد التوترات بين تركيا واليونان، أعلنت الولايات المتحدة في يوليو/تموز 2020 عن إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع اليونان، وأرسلت حاملة الطائرات يو إس إس دوايت أيزنهاور إلی البحر الأبيض المتوسط دعماً لأثينا.
إن مجموع التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا في السنوات الأخيرة، حتی جعل واشنطن تضع على أجندتها سياسة محاولة الإطاحة بأردوغان من السلطة.
وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر 2019، وصف بايدن أردوغان صراحةً بأنه مستبد، ودعا الولايات المتحدة إلى دعم معارضي حزب العدالة والتنمية للإطاحة به. لذلك، يبدو أن قضايا مثل “حقوق الإنسان” و”الأكراد” باتت الآن على جدول الأعمال كوسيلة للضغط الداخلي على أردوغان.
کذلك، في 23 أبريل 2021، اعترف جو بايدن بالإبادة الجماعية للأرمن(1915) خلال الإمبراطورية العثمانية باعتبارها “إبادةً جماعيةً”، كوسيلة لإضعاف حزب العدالة والتنمية.
مجموع العوامل المحددة لنوع مواجهة واشنطن للسياسة الخارجية التركية، دفع الأمريكيين للتعبير عن معارضتهم للعمليات العسكرية التركية وخططها العسكرية في أوقات مختلفة.
على سبيل المثال، بعد الکشف عن خطة تركيا لمهاجمة مدينة سنجار في فبراير 2021، صرحت الإدارة الأمريكية أنها تعارض أي هجوم من جانب تركيا، بسبب زعزعة الاستقرار في المنطقة.
کذلك، فإن مواقف وزارة الخارجية الأمريكية بشأن مقتل 13 رهينة تركي أثناء عملية “مخلب النسر 2” لتحريرهم من قبل الجيش والكوماندوز التركي، والتي حدثت في الفترة من 10 فبراير إلى 14 فبراير، قد أثارت غضب الحكومة التركية الشديد.
في الواقع، من الرد الأولي لوزارة الخارجية الأمريكية على مقتل الرهائن الأتراك، بدا أن هناك شكوكًا حول المسؤولية عن الوفيات، الأمر الذي أغضب تركيا ودفع وزارة الخارجية الترکية لاستدعاء السفير الأمريكي في أنقرة ديفيد ساترفيلد.
في الواقع، قالت الخارجية الأمريكية في بيان يوم 14 فبراير 2021، “إذا تأكدت أنباء مقتل مدنيين أتراك على يد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، فسوف ندين هذا العمل بشدة”.
إتخاذ هذا النهج قد أغضب أردوغان ووزارة الخارجية التركية ووسائل الإعلام التركية، وبالتالي وصفوا الولايات المتحدة كحليف وداعم لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية.
د) شعور الدول العربية بالتهديد ومعارضتها لتوسع النفوذ الإقليمي التركي
كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، يمكن أن تُعزى مواقف الدول العربية، بقيادة السعودية ومصر والإمارات، من هجمات تركيا على شمال العراق، إلى مجموعة واسعة من التوترات.
عند دراسة موقف الدول العربية تجاه الغزو التركي لشمال العراق، من الضروري أن يرکِّز التحليل على التطورات في غرب آسيا بعد عام 2011، حيث شهدنا موجةً من الصحوة الإسلامية والثورة الشعبية في بعض الدول العربية.
وفي هذا الصدد، كان المرکز الأولي للتوترات هو التطورات الثورية في مصر؛ في البداية، بدا أنه بعد انتهاء حكم حسني مبارك، يمكن أن تكون الإمارات والسعودية شريكتين تجاريتين وسياسيتين جيدتين لتركيا، لكن الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي على حكومة الإخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي في عام 2013، شكَّل بداية تصعيد واسع النطاق للتوترات بين أنقرة وأبو ظبي، والتي استمرت في التصاعد في السنوات الأخيرة.
في أعقاب هذا الانقلاب، دافعت قطر وتركيا، من جهة، عن حكومة الإخوان، ووصفتا الأحداث في القاهرة بأنها جريمة ضد الديمقراطية. ومن جهة أخرى، وقفت الإمارات والسعودية وحكومة عبد الفتاح السيسي في مصر في صف واحد، واتخذت موقفًا جادًا ضد تركيا بسبب الخلافات الأيديولوجية مع جماعة الإخوان المسلمين.
ومن هذه المرحلة فصاعدًا، بدأت فترة التنافس الاستراتيجي بين البلدين، والتي زادت بالطبع بدعم الإمارات للانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016 في تركيا.
ثم جاءت الأزمة الأكثر خطورةً بين الدول العربية وتركيا بشأن دعم أنقرة لقطر. بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية الخمس بقيادة السعودية وقطر في 5 يونيو 2017، أرسلت تركيا في البداية مجموعةً من القوات إلى قاعدة بالقرب من الدوحة، ثم قدمت دعمًا دبلوماسيًا واقتصاديًا مكثفًا للدوحة.
بشكل عام، وضعت التطورات من 2011 إلى 2017 الدول العربية وتركيا في مواجهة بعضهما البعض، نتيجة دعم ترکيا للإخوان المسلمين ومعارضة الدول العربية لها.
وقد دفع هذا التوتر الأيديولوجي الطرفين إلى اتخاذ موقف معارض أقصى لبعضهما البعض في ملفات مختلفة. على سبيل المثال، في بداية الأزمة السورية عام 2011، اتفقت تركيا والدول العربية على إسقاط حكومة بشار الأسد، لكن في السنوات القليلة الماضية، غيرت الإمارات والسعودية ومصر مواقفها بالكامل في مسار معارض لتركيا.
ونتيجةً لذلك، نرى أن الدول العربية، وخاصةً السعودية، قد وصفت مرارًا القوات المدعومة من تركيا على أنها إرهابية، ودعمت مواقف الحكومة السورية الشرعية.
بالإضافة إلى هذه القضايا، فإن الموقف من الاغتيال الوحشي لجمال خاشقجي(أكتوبر 2018) في القنصلية السعودية في اسطنبول، زاد من التوترات العربية المتزايدة مع أنقرة.
وفي أحدث التطورات، ربما يمكن اعتبار أهم وأحدث مستوى للخلافات بين الدول العربية وتركيا، هي المواقف المتضاربة للطرفين في الأزمة الليبية.
وفي هذا الصدد، فإن الدول العربية المحافظة، مصر والسعودية والإمارات، تدعم بقوة الجيش الوطني الليبي، بقيادة الخليفة حفتر ومقره بنغازي، في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين. وفي المقابل، تدعم تركيا، بقيادة أردوغان وقطر، “حكومة الوفاق الوطني” في الجزء الغربي من طرابلس.
ومجموع هذه العملية دفع جامعة الدول العربية، بقيادة الإمارات والسعودية ومصر، إلى معارضة تحركات وإجراءات تركيا في جميع الملفات الإقليمية. وفي هذا السياق، نرى أن جامعة الدول العربية قد أدانت مرارًا اعتداءات الحكومة التركية على الحدود الشمالية للعراق.
على سبيل المثال، في يونيو 202، ندَّد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بعملية أنقرة العسكرية في شمال العراق، مؤكدًا أن التدخل العسكري التركي(في العراق) هجوم على السيادة الوطنية العراقية؛ وهذا الإجراء يتم دون تنسيق مع حكومة بغداد، وهو ما يظهر تجاهل أنقرة للقانون الدولي وعلاقاتها مع جيرانها العرب.
كما أدان رئيس البرلمان العربي، مشعل بن فهم السلمي، في تموز 2020، الغزو العسكري التركي وانتهاك السيادة العراقية، واصفاً إياه بأنه مخالف للقانون والعرف الدوليين، ويهدد الأمن والاستقرار الإقليميين.
بالإضافة إلى ذلك، في أغسطس 2020، أعربت وزارتا الخارجية الإماراتية والمصرية علناً عن تعازيهما لأسر ضحايا الغارة التركية بطائرة مسيرة على سيارة تابعة لحرس الحدود العراقي في منطقة سيدکان الشمالية، والتي أسفرت عن مقتل عدد من الجنود العراقيين، واعتبرتا أن الانتهاكات المتكررة للسيادة العراقية من قبل تركيا تمثِّل انتهاكًا للقانون الدولي.
المصدر/ الوقت