التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 7, 2024

تخفيف حدة التوتر في العلاقات السعودية التركية.. الافاق والمعوقات 

عقب المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” والعاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز” في الـ 6 مايو الماضي، والتي اعتُبرت خطوة ذات اتجاهين نحو تهدئة العلاقات بين البلدين، غادر وزير الخارجية التركي “مولود تشاويس اوغلو” يوم الثلاثاء الماضي في رحلة رسمية إلى المملكة العربية السعودية. الجدير بالذكر أن تركيا منذ خريف 2020 ولأسباب منها التباطؤ الاقتصادي المتفاقم في بسبب أزمة كورونا والعقوبات الغربية، يساورها القلق إزاء تشكيل تحالف إقليمي مناهض لتنظيم الإخوان المسلمين في المنطقة خصوصاً في أعقاب اتفاقيات التطبيع، وذلك فضلاً عن التغييرات في البيت الأبيض ووصول “جو بايدن” إلى سدة الحكم، الذي أكد خلال الفترة الماضية على زيادة التنسيق مع أوروبا ضد الإجراءات الأحادية الجانب لتركيا في الناتو. وكنتيجة لذلك فقد بدأت تركيا جهودًا متضافرة لنزع فتيل التوترات مع الخصوم الإقليميين، وخاصة في العالم العربي. في الواقع، إن تحولات “أردوغان” في السياسة الخارجية التركية مدفوع بالرغبة في جذب الاستثمار وخلق الفرص التجارية للبلد. وكان الحل هو إيجاد حماية سياسية لعلاقات أنقرة المتقلبة بشكل متزايد مع القوى الكبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة وأوروبا والصين.

وفي غضون ذلك، فإن صمت أنقرة حول قضايا تمسها مثل المحاكمة غير الشفافة للمتورطين في اغتيال “جمال خاشقجي” في السعودية وحملة القمع ضد قادة ونشطاء جماعة الإخوان المسلمين في المملكة العربية السعودية، والتي تدعي تركيا أنها زعيمة لها، يشير إلى ميل “أردوغان” لتقليل التوترات وتحسين العلاقات مع الرياض. وحول هذا السياق، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية “إبراهيم كالين” في مقابلة مع وكالة “رويترز” الإخبارية الشهر الماضي، أن “تركيا تسعى لخلق أجندة إيجابية وتغيير لغة الخطاب في العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وأن تركيا تحترم قرار المحكمة السعودية بموضوع قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي”. هذا في الوقت الذي كانت فيه معظم المنظمات الحقوقية الدولية ووسائل الإعلام الغربية قد وصفت المحاكمة بأنها غير عادلة ومضللة بسبب افتقار الرياض للشفافية والجدية في ملاحقة مرتكبي جريمة قتل “خاشقجي” ومرتكبيها.

وبالنظر إلى هذا التراجع الكبير، فإن تركيا، التي لم تحقق نتائج إيجابية للغاية في الحد من التوترات مع مصر والإمارات العربية المتحدة، تأمل بالنجاح في تهدئة التوترات مع الرياض، وخفض مستوى التنافس الجيوسياسي مع المملكة العربية السعودية مقارنة بالإمارات العربية المتحدة ومصر. الجدير بالذكر أنه في تطورات الربيع العربي، دعمت تركيا والسعودية الجهات المعارضة في تنافس أيديولوجي، لكن لم يكن لديهم صراع جيوسياسي كبير، حتى أن تركيا دعمت جزئيًا سياسات المملكة العربية السعودية في اليمن. ومع ذلك، فإن أزمتي قطر وقضية “خاشقجي”، قد صاعدت التوترات بشكل حاد. لقد مهدت المصالحة في مجلس التعاون الخليجي والقرار القطري وتجاهل تركيا لمحاكمة “خاشقجي” واعتقال أنصار حماس والإخوان المسلمين، الطريق لبعض التهدئة بين أنقرة والرياض.

وعلى هذا المنوال نفسه، كشفت مصادر يمنية وسعودية النقاب عن تفاهمات سعودية تركية جديدة بشأن اليمن، أغاظت ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد” ولا سيما بعد استعانة الرياض بأنقرة لدعمها في حرب اليمن. وقالت المصادر، إنه جرى التوصل لتفاهمات سعودية تركية بشأن اليمن. وطلبت السعودية من تركيا الدعم في حربها على اليمن فوافقت أنقرة. وأضافت: “الوجود التركي لن يكون بثقل وجودها في ليبيا وإنما دعماً لوجستياً وتدريب وتوفير مسيّرات تركية”. وأشارت المصادر اليمنية إلى أن نقاط الوجود التركي ستكون حدود السعودية الجنوبية ومأرب وجزيرة “ميون” والسواحل الجنوبية. ولفتت تلك المصادر إلى أن هناك طلب تركي لحماية وجودها في افريقيا، فيما السواحل الجنوبية نقاط خلاف حادة بين السعودية والإمارات.

وفي السياق، أكد المغرد السعودي الشهير “مجتهد” على تلك المعلومات وعلق قائلا: “أخيرا بن سلمان يضطر … صاغرا للاستعانة بتركيا في اليمن وتركيا تقبل بشروط تغيظ الإمارات”. وأضاف “مجتهد”: “ابن سلمان مرتبك بين الاضطرار وبين إرضاء بن زايد”. وكشف “مجتهد”، أن هناك توتراً بالمفاوضات بين نظام آل سعود وتركيا ساد في المرحلة الأخيرة بعد مساعٍ لإصلاح العلاقات المتدهورة بين الطرفين. وقال، إن “الملك سلمان ومن ورائه نجله ولي العهد محمد يحاولان تسرّيع مفاوضات المصالحة مع تركيا وذلك سعيا لإنهاء ملف جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول عام 2018”. وأكد “مجتهد” أن “ابن سلمان” يحاول إقناع تركيا بإغلاق هذا الملف في محاولة لتهدئة غضب الرئيس الأمريكي “جو بايدن”. وأضاف إن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في المقابل يتمسك بشروط صعبة ضد المسؤول عن جريمة القتل داخل الأراضي التركية، وذلك في إشارة لولي العهد. وأكد “مجتهد” أن “ابن سلمان” يشعر بالغضب من موقف تركيا وتمسكها بمبادئها، ما دفعه لتصعيد حملة المقاطعة ضد المنتجات التركية.

عوائق وتحديات خفض التصعيد

ومع ذلك، فمن بين العوامل التي ساهمت في خفض التصعيد، هناك بعض العوامل التي سُتبقي على الاختلافات في المستقبل، مما يقلل من احتمالية خفض التصعيد على المدى القصير. لا تزال السعودية قلقة من نشاط الإخوان المسلمين في مجلس التعاون الخليجي ثم العالم العربي، وترى أن التحالف مع الصهاينة ضد تركيا ضرورة جيوسياسية. لقد أثار قرار المملكة العربية السعودية الأخير بإغلاق ثماني مدارس من أصل 26 مدرسة في تركيا بحلول نهاية العام الدراسي 2020-2021 غضب أنقرة، حيث زعمت تركيا أن 2256 طالبًا تركيًا سيواجهون تحديات في عدم إتقان تعلم اللغة العربية. هذا وفي حين أن موضوع رفع العقوبات غير الرسمية على البضائع التركية من قبل السعودية منذ عام 2019، سيكون أحد الموضوعات الرئيسية في محادثات وزير الخارجية التركي في الرياض. وقد تواصل السعودية فرض عقوبات على البضائع التركية، حيث استمر فرض العقوبات حتى بعد المحادثات الأولى بين البلدين خلال قمة العشرين بين الملك سلمان وأردوغان. وقد أدت تلك العقوبات إلى انخفاض كبير في الصادرات التركية إلى المملكة.

وتراجعت الصادرات التركية إلى السعودية بنسبة 94 بالمئة عن العام الماضي، وفي الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام وصل التبادل التجاري بين البلدين إلى حوالي 75 مليون دولار فقط. وفي غضون ذلك، ارتفعت الواردات التركية من السعودية من 430 مليون دولار إلى حوالي 600 مليون دولار، ويقال إن المصدرين الأتراك أزالوا ملصق “صنع في تركيا” على منتجاتهم للالتفاف على الحصار. ويرى الخبراء في مل هذا القرار علامة على أنه لدى لسعودية شروطا مسبقة لتطبيع العلاقات مع تركيا، لا سيما فيما يخص سياسات أنقرة تجاه العالم العربي – خاصة العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين ووجودها العسكري في ليبيا والصومال وقطر والعراق وسوريا. من ناحية أخرى، حافظ السعوديون على ميلهم في المشاركة في بعض التنافسات الجيوسياسية لتركيا، لا سيما في شرق البحر الأبيض المتوسط. ومن المؤكد أن المملكة العربية السعودية لن ترفض التحالف مع اليونان أو قبول اتفاق الطاقة التركي لعام 2019 مع ليبيا.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق