بغداد تعتزم شراء أسهم شركة إكسون موبيل في حقل غرب القرنة 1 النفطي… الأهداف والدوافع
في الوقت الذي تشير فيه جميع متغيرات ومؤشرات الاقتصاد العراقي إلى وضع طارئ وصعب يعيشه هذا البلد عام 2021، في خطوة مهمة، عرضت الحكومة المركزية العراقية شراء 32.7٪ من حصة شرکة إكسون موبيل في حقل “غرب القرنة 1” النفطي، علی هذه الشركة النفطية العملاقة.
ويأتي قرار بغداد لشراء جزء من حصة هذه الشركة الأمريكية الآن، في وقت يشعر فيه جميع المراقبين السياسيين ومسؤولي الحكومة العراقية بقلق عميق بشأن عجز الميزانية هذا العام.
ومع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي نوايا الحكومة العراقية من شراء حصة شركة إكسون موبيل في حقل “غرب القرنة 1” النفطي؟
لمعالجة هذا السؤال، لا بدّ من النظر في الخطة الخاصة للحكومة العراقية للاستثمار في المدى الطويل، وكذلك محاولة تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد من خلال اللجوء إلى سياسة تصدير الطاقة.
استثمار طويل الأجل لزيادة صادرات النفط والغاز
يمكن ربط محاولة الحكومة العراقية لشراء أسهم شركة إكسون موبيل في حقل “غرب القرنة 1” النفطي، في قراءة عامة، بخطة البلاد للاستثمار طويل الأجل في حقول التنقيب عن النفط.
كان حقل “غرب القرنة 1” النفطي من الإنجازات العظيمة لصناعة النفط العراقية خلال إعادة إعمار البلاد بعد حرب الخليج الثانية، وأصبحت شركة إكسون أكبر مقاول في هذا المجال في عام 2010.
لكن شروط الاتفاق والتأخير في المدفوعات وتراجع إنتاج أوبك وعدم الاستقرار السياسي، قللت من جاذبية حقل النفط هذا في السنوات الأخيرة. في غضون ذلك، أثر ظهور وباء كورونا وتراجع الأسواق المالية العالمية، على شركة النفط الأمريكية العملاقة “إكسون موبيل” بشدة، وتقدر ديونها الآن بأكثر من 70 مليار دولار.
في عام 2019، سعت إكسون إلى تنفيذ مشروع بقيمة 53 مليار دولار لزيادة إنتاج العراق من النفط، لكن مع بيع هذه الحصة، فإنها تُحدث تغييرًا كبيرًا في خطتها.
تشير الدلائل الآن إلى أن الشركة تسعى لبيع حصتها البالغة 350 مليون دولار، وبحسب خالد حمزة، مدير شركة نفط البصرة الحكومية، فإن وزارتي النفط والمالية ستتبعان الإجراءات ذات الصلة لتمويل الشراء.
في الواقع، سيكون على الحكومة العراقية، بشراء 32٪ من حصة إكسون موبيل، إدارة حقل “غرب القرنة 1” النفطي مع الشركاء الآخرين. ومن بين المساهمين الأجانب الآخرين في هذا الحقل النفطي، يمکن الإشارة إلی بتروتشاينا بحصة 32.7٪، إيتوشوي اليابانية بحصة 19.6 في المئة، و برتامينا الإندونيسية. كما تمتلك الشركة العراقية للتنقيب عن النفط حصة 5٪ المتبقية في الحقل.
مجموع هذا الاتجاه يشير إلى أن الحكومة العراقية وفي عملية حسابية اقتصادية ذكية، وبالنظر إلی تحسن الأسواق المالية العالمية بعد انتهاء تفشي كورونا، وعودة الاستقرار إلى قطاعي الصناعة والإنتاج، تسعى لشراء حصة إكسون موبيل في الوضع الحالي بسعر منخفض نسبيًا، حتی يمكنها استخدام هذه الحصة الخاصة لتنمية دخلها المالي، في وضع الخروج من الأزمة.
ومن المؤكد أن امتلاك أسهم في عقود التنقيب عن النفط، سيخلق مساهمةً أكبر في عائدات بغداد النفطية في المستقبل.
لا يزال النفط علاج الاقتصاد العاجز، والأمل في إعادة بناء الوضع المستقبلي
القضية المهمة الأخرى فيما يتعلق بجهود الحكومة العراقية لشراء أسهم شرکة إكسون موبيل في حقول نفط البصرة، ترتبط بجهود هذا البلد في الإدارة الاقتصادية وإعادة الإعمار الاقتصادي. وفي هذا الصدد، من المهم الانتباه إلى ثلاث قضايا محورية.
أولاً، يعتمد الاقتصاد العراقي على عائدات النفط إلى حد كبير. يشكل النفط 95٪ من دخل العراق، وفي السنوات الأخيرة واجه هذا البلد أزمةً كبيرةً مع انخفاض أسعار السلع العالمية وتفشي فيروس كورونا، ما أدى إلى خلل في ميزان الطلب على النفط.
ثانياً، تحتاج الحكومة العراقية إلى 140 تريليون دينار(96 مليار دولار) لدفع رواتب الموظفين والتنمية والرعاية والاستثمارات الحكومية. والمشكلة الآن أن بغداد بحاجة لبيع کل برميل نفط بـ 80 دولاراً لتلبية هذا الطلب؛ مع تصدير نحو مليار و 100 مليون برميل من النفط الخام عام 2021.
وفي المستوى الثالث، من المهم أيضًا الانتباه إلى مسألة حصص إنتاج النفط العراقي في أوبك بلس. بحسب اتفاقية مايو 2020، تبلغ حصة إنتاج النفط العراقي في اتفاقية أوبك بلس 3 ملايين و 857 ألف برميل يوميًا بنهاية أبريل، ويتم استخدام أكثر من 550 ألف برميل يوميًا لتزويد مصافي التكرير ومحطات الطاقة الفيدرالية بالوقود، وسيتم تصدير الباقي.
ومع ذلك، فإن المشکلة الآن هي أن الحكومة العراقية تتعرض لضغوط شديدة من أعضاء أوبك، لخفض الإنتاج وتعويض فائض الإنتاج في الأشهر الأخيرة. وهذا يعني أن الحكومة العراقية ستصدر ما بين 2.8 و 2.9 مليون برميل من النفط شهريًا، وسيتعين على إقليم كردستان العراق أيضًا تصدير حوالي 400 ألف برميل من النفط يوميًا.
على سبيل المثال، في يناير من هذا العام، بلغ متوسط صادرات النفط الخام الفيدرالي العراقي في يناير 2.868 مليون برميل يوميًا، وبلغت الصادرات من إقليم كردستان 397 ألف برميل يومياً، وبلغ الاجمالي 3.265 ملايين برميل يومياً.
کما بلغ متوسط هذا العدد 3 ملايين و 305 آلاف برميل يوميًا في فبراير، و 3 ملايين و 280 ألف برميل يوميًا في مارس. لكن وفقًا للاتفاق الأخير لهذه المنظمة، فإن هذا العدد سيرتفع في مايو، وسيصل إلى 3 ملايين و 905 آلاف برميل يوميًا.
لكن المشكلة في هذه الأثناء هي أن البيانات المنشورة تشير إلى وجوب امتثال الحكومة العراقية للحصة المحددة في أوبك بلس، مع مراعاة النفط اللازم للاستهلاك المحلي. على سبيل المثال، احتج أعضاء أوبك بلس على كمية النفط المنتج في العراق في فبراير، ووصفوا ذلك بأنه انتهاك.
والمسألة الآن هي أن الاقتصاد العراقي المعتمد على النفط، يحتاج إلى سعر يصل إلی 80 دولارًا للبرميل الواحد لتحسين وإدارة أزمته الاقتصادية، وحتى زيادة صادراته النفطية إلى 4 ملايين برميل؛ ولکن خلافاً لهذا الاتجاه، فإن أعضاء أوبك بلس الآن لا يمنحون بغداد مثل هذا الإعفاء فحسب، بل يريدون تقليص طاقتها لأكثر من 500 ألف برميل لتعويض فائض الإنتاج في الأشهر الأخيرة.
وفي مثل هذا الوضع، تسعى الحكومة العراقية الآن إلى حل الأزمة من خلال تطوير حقول النفط والتركيز على إنتاج الغاز وتصديره، على أمل تحسين أسعار النفط العالمية بعد شهر مايو.
وفي هذا الصدد، نرى أن العراق مؤخرًا، وكجزء من خطته لتعزيز إنتاج الغاز، يعتزم استثمار 3 مليارات دولار في شركة غاز البصرة للسنوات الخمس المقبلة، لزيادة الطاقة الإنتاجية بنسبة 40٪ إلى 1.4 مليار قدم مكعب لكل يوم.
كما تخطط الحكومة العراقية لزيادة إنتاج النفط الخفيف بمقدار 100 ألف برميل يوميًا، ليصل إلی 1.1 مليون برميل يومياً، وذلك بهدف خلق المزيد من الإيرادات.
المصدر/ الوقت