الاستراتيجية الإعلامية الصهيونية في حرب غزة… من قتل الصحفيين إلى تزوير الواقع
مع ارتفاع مستوى الجرائم الصهيونية في قطاع غزة وأجزاء أخرى من الأراضي المحتلة، يبذل الکيان جهودًا کبيرةً للتغطية على جرائمه المروعة من خلال قمع الصحفيين وعرقلة التغطية الإخبارية.
خلال الأيام القليلة الماضية، سعت تل أبيب في البداية إلى الحصول على مستوى معين من الدعم الإعلامي من خلال الاستفادة من وسائل الإعلام الغربية والشبكات الافتراضية، وفي الوضع الجديد تستهدف التدفق الحر للمعلومات.
والمحاولة الصهيونية للتسلل إلى شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وجوجل وتويتر وتيك تاك، وشن هجوم صاروخي على برج الجلاء في غزة حيث المكاتب الإعلامية، هذا مثال واضح علی هذه السياسة الصهيونية التي واجهت بالطبع احتجاجات قوية في جميع أنحاء العالم.
احتجاج المؤسسات الإعلامية المختلفة على سياسة التعتيم وتهديدات الكيان الصهيوني للتدفق الحر للمعلومات
الرمز الواضح والموضوعي لعرقلة الکيان الصهيوني نقل المعلومات والتقارير الميدانية من غزة، يمكن اعتباره في هجوم الطائرات الحربية الإسرائيلية علی برج الجلاء حيث مكاتب وكالات إعلامية وصحفية أجنبية مختلفة، بما في ذلك قناة الجزيرة ووكالة أسوشيتد برس.
كان برج الجلاء المكون من 13 طابقًا من أقدم المباني متعددة الطوابق في غزة، وكان فيه ما مجموعه 60 وحدة، بما في ذلك مكاتب الشركات الإعلامية، ومكاتب المحاماة والأطباء.
كان البرج مكانًا لتجمع المراسلين من العديد من الشبكات الإخبارية ووسائل الإعلام في الأيام الأخيرة. طبعاً، يأتي هذا الإجراء في الوقت الذي أصيب فيه صحفيان من وكالة أنباء الأناضول التركية في الهجوم الصهيوني علی شمال غزة أثناء اعتداءات الخميس الماضي.
ودفاعاً عن هذه الجريمة، زعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن الجيش الصهيوني “استهدف مبنى متعدد الطوابق يحتوي على مصالح عسكرية لجهاز المخابرات العسكرية التابع لحماس. كانت هناك مكاتب إعلامية مدنية في المبنى وحماس تسعى وراء مصالحها خلف ذلك. حماس تسعى لتحقيق مصالح عسكرية في قلب المجتمع المدني”.
لكن هجوم الكيان الصهيوني على هذا المبنى تسبب في موجة كبيرة من الاحتجاجات من قبل الشخصيات الإعلامية والسياسية.
في هذا الصدد، قالت الجزيرة في بيان رداً على هذا الهجوم، إن “ما فعلته إسرائيل هو عمل وحشي يستهدف حياة صحفيينا ويمنعهم من كشف الحقيقة”.
كما صرح رئيس وكالة أسوشيتيد برس: لقد “صُدمنا” و”مرعوبون” من الهجوم الإسرائيلي. وقال رئيس وكالة أسوشيتيد برس “غاري برويت”، إنه “مصدوم” و”مرعوب” من هجوم الجيش الإسرائيلي على المبنى الذي يقع فيه مكتب الوكالة.
حتى أن هذا الهجوم الهمجي قد أثار رد فعل الإدارة الأمريكية، حيث قالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي: “قلنا للإسرائيليين مباشرةً أن سلامة وأمن الصحفيين ووسائل الإعلام المستقلة هي مسؤوليتهم الكبرى”.
کذلك ردًا على الهجوم، غرَّدت عضوة الكونغرس الأمريكي من أصل فلسطيني رشيدة طليب قائلةً: إن “إسرائيل تستهدف وكالات الإعلام حتى لا يرى العالم ذبح الفلسطينيين، وجرائم الحرب التي يقودها رئيس الفصل العنصري بنيامين نتنياهو.”
وأضافت: “الهدف هو ألا يرى العالم مقتل الرضّع والأطفال وآبائهم. هكذا لا يمكن للعالم أن يرى الفلسطينيين، وهم يُذبحون”.
وعلى صعيد آخر، دعا اتحاد الصحفيين الفلسطينيين الأمين العام للأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات لحماية الصحفيين المعرضين لجرائم الحرب والاستهداف المباشر.
وفي هذا الصدد، قال “ناصر أبو بكر” رئيس اتحاد الصحفيين الفلسطينيين، في بيان، إن النقابة على اتصال بالاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب، فضلاً عن نقابات ومؤسسات إعلامية وقانونية إقليمية، للضغط على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لاتخاذ إجراءات فورية لحماية الصحفيين من الجرائم والاعتداءات الصهيونية.
تشويه الواقع عبر التسلل إلى وسائل الإعلام الکبری
لا شك أن اللوبيات الصهيونية بذلت في الأيام الأخيرة جهودًا مكثفةً للتأثير على وسائل الإعلام والشبكات الافتراضية، وهو ما يمكن ملاحظته في الموقف المتحيز للشبكات الافتراضية في مواجهة المستخدمين المسلمين ونوع إعادة نشر جرائم الکيان الصهيوني.
حيث أثار موقع فيسبوك، خلال الأيام الماضية، حالةً من الغضب بسبب حالات عديدة من حذف منشورات لنشطاء فلسطينيين ومواطنين، بما في ذلك حذف محتويات عن المسجد الأقصى.
إن نفوذ حكومة الولايات المتحدة وجماعات الضغط الصهيونية على فيسبوك له تاريخ طويل، والذي يمكن رؤية مثال واضحاً علی ذلك في تعاملها مع دونالد ترامب، على الرغم من ادعاء حرية التعبير.
وتشير الدلائل الآن إلى أن جماعات الضغط الصهيونية قد بدأت جهودًا هائلةً للتأثير على مديري وسائل الإعلام والشبكات الافتراضية، وأن تأثيرها على الشبكات مثل تويتر و فيسبوك وحتى تيك توك واضح.
والجدير بالذكر أن كبار ناشطي الضغط على فيسبوك، نيك كليج وجويل كابلان، إلى جانب العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين في تيك توك، التقوا بوزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس عبر ماسنجر زووم يوم الخميس، بهدف الترويج للمعلومات المضللة والتهديدات بالعنف على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفقًا لفيسبوك، يخطط كليج وكابلان أيضًا للقاء مسؤولي السلطة الفلسطينية في الأيام القليلة المقبلة. ومن المؤکد وفقًا للأدلة المتوافرة، أنه يمكن اعتبار هذه الأعمال والاجتماعات نوعًا من حرف الحقائق الموجودة حول تأثير الصهاينة على وسائل الإعلام هذه.
خطة الکيان الإسرائيلي لإفشال الموجة الجديدة من الانتفاضة الفلسطينية بمساعدة وسائل الإعلام
عند تحليل سبب استهداف الکيان الصهيوني لوسائل الإعلام والصحفيين بشكل محدد وغير مسبوق، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن الأحداث الأخيرة في الأراضي المحتلة قد وحَّدت الشعب الفلسطيني مرةً أخرى بعد سنوات.
في الوضع الراهن، کل التيارات السياسية والمواطنين الفلسطينيين، من القدس إلى قطاع غزة والضفة الغربية، والأهم من كل ذلك القرى والبلدات الفلسطينية المحتلة، قالوا بالإجماع “نعم” للمقاومة ضد الصهاينة، و”لا” للصمت تجاه استمرار الاحتلال الصهيوني.
إن موجة الوحدة الجديدة التي تشكلت في أوساط الشعب الفلسطيني قد أرعبت الصهاينة منذ بداية الانتفاضة الجديدة. ونتيجةً لذلك، فإنهم يعتزمون استخدام الدعاية الإعلامية السائدة لمصلحتهم وعلى حساب الفلسطينيين، بناءً على الخداع والافتراضات الخاطئة حول تضامن المجتمعات الديمقراطية مع الکيان الإسرائيلي.
وفي هذا الصدد، نرى أنهم، من ناحية، يعتزمون منع صوت فلسطين من الوصول إلى المجتمع الدولي؛ ومن ناحية أخرى، من خلال تهديد وطرد وسائل الإعلام الإخبارية من غزة، يريدون إخفاء حقائق جرائمهم في غزة عن عيون الرأي العام العالمي.
وفي هذا السياق، نرى أن الصهاينة أعدوا أفلامًا وإعلانات تشويقية يتظلَّمون فيها بشأن الهجمات الصاروخية في الأيام الماضية! ووفقًا لموقع ميدل إيست مونيتور، نشر الجيش الإسرائيلي مؤخرًا مقطع فيديو ترويجيًا على تويتر لكسب التعاطف الغربي معه.
ويدَّعی في هذا الفيديو أن الكيان الصهيوني قد تعرض “للهجوم”، وهذا الهجوم مشابه للهجوم علی لندن أو باريس أو واشنطن؛ ويسأل المشاهد: “ماذا لو كان هذا هجومًا على واشنطن أو باريس أو لندن؟”
ومن الجدير بالذكر أن هذه التغريدة على تويتر تترافق مع موسيقى درامية وصور الاضطرابات في عسقلان وتل أبيب والقدس واليهود و”كل إسرائيل”، التي تعرضت “للهجوم”.
المصدلار/ الوقث