سيناريوهات حقوق إنسان البيت الأبيض في الرياض وحلم ابن سلمان بالجلوس على العرش 50 عام
تُظهر الأزمة الحالية بين الإدارة الأمريكية الجديدة والمسؤولين السعوديين، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، أن العلاقات بين واشنطن والرياض لن تعود كما كانت مرة أخرى. حيث انه لم تتخذ امريكا إجراءات مباشرة للإطاحة بمحمد بن سلمان، لكن تحركاتها الأخيرة، بما في ذلك نشر تقرير عن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وهو صحفي ينتقد آل سعود، قد ضغطت كثيرا على بن سلمان محليا وخارجيا. وهكذا، قد تتأثر موازين القوى في السعودية، وكذلك موقف محمد بن سلمان من الوصول للعرش.
لطالما كانت الحروب والخلافات داخل العائلة المالكة السعودية تدور حول من سيحكم البلاد في المستقبل. ومنذ وصول سلمان بن عبد العزيز إلى السلطة في 23 يناير / كانون الثاني 2015، كانت العائلة المالكة السعودية تقاتل من أجل الحكومة المستقبلية، وقد أثير السؤال حول من سيكون الملك القادم. وفي تاريخ السعودية، نرى أربع مراحل حاسمة:
– مرحلة التأسيس (عبد العزيز) من 1932 إلى 1953.
– المرحلة الثانية هي مرحلة ترسيخ السلطة السعودية من 1953 إلى 2015.
اما المرحلتان الأخيرتان فهما على النحو التالي:
مرحلة حكم ال سلمان: بدأت هذه المرحلة في كانون الثاني (يناير) 2015 وما زالت مستمرة، باستثناء أن السلطة انتقلت من آل سعود إلى آل سلمان. وبهذه الطريقة، أصبح سلمان بن عبد العزيز هو الملك الآن وابنه محمد في منصب ولي العهد ويخطط للوصول إلى عرش والده.
مرحلة الاستبداد والمكر: يرى مراقبون أن هذه المرحلة من تاريخ السعودية ممزوجة بالخداع. لأنه في هذه المرحلة بدأ المسؤولون السعوديون بقيادة محمد بن سلمان في إجراء إصلاحات ظاهرية من خلال سلسلة من الأهداف الاقتصادية والسياسية التي لا علاقة لها بنموذج المجتمع السعودي المحافظ والتقليدي. وفي هذا الصدد، تجاوز ابن سلمان كل أسس ومبادئ ملوك السعودية السابقين وطغى على النظام القبلي لهذا البلد. هذه هي المرحلة التي فوض فيها ملك السعودية سلطات لا حصر لها والتي يجب أن تكون ملكا له حسب العرف لابنه محمد، بحيث يصبح ابن سلمان إمبراطورا جديدا للسعودية دون أي شروط.
لكن مع هذه الإجراءات، زرع الملك سلمان بالفعل ألغاما في العائلة المالكة السعودية، والتي ستنفجر بسبب الخلافات والصراعات بين أبنائه، فضلاً عن تشكيل تحالفات جديدة بين الأمراء الآخرين واحتمال الانقلاب على محمد بن سلمان. الخطأ الذي فعله سلمان بن عبد العزيز هو ببساطة تدمير مؤسسات الحكومة السعودية القديمة، والآن لا مكان للمؤسسات الدينية والائتلافات القبلية في الحكومة السعودية الجديدة.
وكانت النتيجة أن السعودية كانت تتجه نحو مجتمع ليبرالي، وغربي بالطبع، مصحوب بقمع سياسي وأمني، وهو رمز لحكومة محمد بن سلمان وأقاربه، بدعم من الدول الأجنبية. كما تم تهميش أنصار النظام السعودي التقليدي في المرحلة الجديدة، لذلك من المحتمل أن يصطدموا مع العناصر الناشئة في الحكومة السعودية. ويمكن رؤية ذلك بوضوح في حملة اعتقال الأمراء والوزراء ورجال الأعمال والناشطين السعوديين من قبل ولي العهد الشاب.
وهكذا، نرى الآن أن ترتيب تداول السلطة في السعودية قد تعطل، وأصبحت الخلافات الخفية بين الأمراء تشكل تهديدا لحكومة هذا البلد. السعوديون يواجهون الآن حقائق لا يمكنهم تجاهلها. صحيح أن محمد بن سلمان انتصر على خصومه وحاصرهم، بل وأخذ حريتهم، لكن التجربة أثبتت أن مثل هذه التصرفات لا يمكن أن تحكم البلاد، لأن معارضي النظام السعودي أصبحوا الآن أكثر من حلفائه.
وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، خلال رئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي لعب إلى جانب صهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنير، دورا رئيسيا في تولي محمد بن سلمان العرش، وهو كان أمل بن سلمان الرئيسي في الوصول والحفاظ على التاج والعرش. لكن بن سلمان على طول الطريق، أُجبر مرارا وتكرارا على فتح خزينة الدولة السعودية للبيت الأبيض بمئات المليارات من الدولارات. لكن بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وانتصار جو بايدن، أصبح بن سلمان الآن في وضع معقد.
وصحيح أن الإطاحة بمحمد بن سلمان احتمال غير محتمل وفي الواقع ليس محتملاً على الإطلاق، لكن هذا لا يعني أن العلاقات بين واشنطن والرياض ستعود إلى نفس ما كانت عليه من قبل. في الوقت الحالي، يتمثل السيناريو الواقعي للإدارة الأمريكية الجديدة تجاه السعودية في دعم الأمراء ورجال الأعمال والناشطين وجماعات المجتمع المدني والإصلاحيين في المملكة حتى يتمكن جو بايدن من الوفاء بوعوده الانتخابية وتجنب الضغط الشعبي داخل الولايات المتحدة ودول العالم الأخرى.
لكن مهما حدث، فإن دعم امريكا لمحمد بن سلمان لن يتحقق، وقد يستخدم خصومه داخل السعودية ذلك للإطاحة به محليا ودوليا. الآن وبعد نشر التقرير الخاص باغتيال جمال خاشقجي، شكل هذا فرصة جيدة لمعارضي ولي العهد السعودي. والخيار الآخر هو الإطاحة المباشرة بمحمد بن سلمان من قبل الأمريكيين، مما قد يضعف قدرته على البقاء في السلطة من خلال الضغط على ولي العهد السعودي. لكن النقطة الأساسية هي أن أخطاء محمد بن سلمان وصلت إلى نقطة يستحيل فيها إعادة تقييمها والتعويض عنها.
أيضا، بافتراض نجاح محمد بن سلمان في التغلب على التحديات الداخلية والخارجية والاستيلاء على السلطة حصريا، فإن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن تشتعل نار التنافس على السلطة وعرش المملكة في أسرة سلمان.
ولكن ما الذي عول عليه محمد بن سلمان للبقاء في السلطة والوصول إلى المملكة؟ تمزيق النظام الملكي للعائلة المالكة السعودية، وتهميش دور المؤسسات الدينية، وتفكك القوى القبلية والاجتماعية المتحالفة مع آل سعود، وما إلى ذلك، كلها إجراءات اتخذها محمد بن سلمان للحكم في السعودية. لكن هناك بعض النقاط الرئيسية في تصرفات ولي العهد السعودي وفريقه والتي تعتبر في المرحلة الحالية، وكذلك بعد وفاة الملك سلمان، مصادر للتهديدات المحتملة لشخصية بن سلمان والحكومة السعودية ومنها:
فقر الناس: على عكس مشاريع رؤية 2030 التي صممها محمد بن سلمان، يرتبط الواقع الاقتصادي في السعودية على آثار التحديات الخطيرة في القطاع الاقتصادي في البلاد. ولعقود من الزمان، افتقر السعوديون إلى السياسات الاقتصادية لحل المشاكل بسبب اعتمادهم على النفط كمصدر رئيسي للدخل. ولا يزال التحدي قائما، مع قيام المسؤولين السعوديين برفع الضرائب للتغلب على المشاكل المالية والاقتصادية، لدرجة أنه في الربع الثالث من عام 2020، تجاوزت الإيرادات الضريبية للبلاد عائدات النفط.
كذلك، وخلافا لما تناقلته وسائل الإعلام السعودية الرسمية، فإن معدل البطالة أعلى من المتوسط. حيث ان تقرير المسؤولين السعوديين عن معدل البطالة البالغ 15٪ في السعودية لا يتطابق مع بيانات مكتب الإحصاء العام. وبحسب مكتب الإحصاء السعودي، فإن معدل البطالة أكثر من 30٪ بين الرجال وأكثر من 70٪ بين النساء. وأيضا، كان للاقتصاد السعودي أحادي البعد تأثير كبير على سبل عيش الناس، ويضطر آلاف العمال في هذا البلد إلى اللجوء إلى وظائف غير تقليدية ووظائف منخفضة الأجر لا تتناسب مع تخصصهم وتعليمهم. حيث أصبحت هذه القضية ظاهرة شائعة في المدن السعودية.
القضاء على مصادر القوة في السعودية: ان ازاحة الأمراء وكذلك رجال الأعمال، وخاصة رجال الأعمال مثل بكر بن لادن وصالح كامل ومحمد حسين العمودي وإياد عبد الوهاب بافقيه، وهم في الحقيقة شركاء آل سعود في مشاريع التنمية الاقتصادية والقبض عليهم بأمر من محمد بن سلمان، كان له أثر كبير على الاقتصاد السعودي. وصادر ولي العهد السعودي أملاك الأمراء والتجار بحجة محاربة الفساد وانتصر على نفوذ خصومه وخصومه السياسيين. والأهم من ذلك، أن ابن سلمان أجرى العديد من التغييرات الهيكلية في جهاز الديوان الملكي السعودي، الذي كان تحت سيطرة خصومه، مثل الأمن والدفاع والاستخبارات والشؤون الداخلية والحرس الوطني، لتوظيف الموالين له في هذه المؤسسات.
التوغل في الأجهزة الأمنية، لا سيما أجهزة مديرية أمن الدولة: في المرحلة الحالية، تخضع الأجهزة الأمنية السعودية بالكامل لسيطرة محمد بن سلمان، واعتماد سياسة الترهيب والقمع كأداة لبسط السيطرة على شؤون البلاد. في الواقع، فإن النظام السعودي الحالي، الذي فشل في الاهتمام بالنموذج التقليدي للمجتمع السعودي والروح القبلية لشعبه، يستخدم السجن للحفاظ على حكمه. حيث انه وفقا لإحصاءات غير رسمية، يوجد الآن ما لا يقل عن 10000 سجين سياسي في السعودية يقضون ما يصل إلى 20 عاما في السجن.
جهود لبناء علاقات أقوى مع حكومة بايدن: جهود لتقوية التحالفات الاستراتيجية مع واشنطن وكسب دعم امريكا للتغلب على أزمة جمال خاشقجي من خلال إجراء تغييرات داخلية خارجية مثل إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين وحل الأزمة مع قطر والمطالبة بنهاية تم القيام بالحرب اليمنية لمنع معاقبة بن سلمان من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة. حيث أثار الكشف عن تقرير اغتيال جمال خاشقجي قلق محمد بن سلمان إلى حد كبير. ومع ذلك، فإن المعطيات الواردة في هذا التقرير لا تشير مباشرة إلى محمد بن سلمان، بل تظهر فقط دوره العام في هذه الجريمة. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تنوي توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى ولي العهد السعودي، وربما تم فعل ذلك فقط لتحرير بايدن من الضغط الشعبي.
وقالت حكومة بايدن إنها تدرس تورط ولي العهد السعودي في اغتيال جمال خاشجي، لكنها لم تتخذ خطوات لتعطيل العلاقات بين الرياض وواشنطن. وكان الرئيس الأمريكي قد ادعى في وقت سابق أنه لن يتسامح مع التهديدات والاعتداءات السعودية على النشطاء السياسيين والقانونيين والمعارضة والصحفيين بنشر تقرير عن اغتيال خاشقجي من قبل المخابرات الأمريكية.
في غضون ذلك، دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة أغنيس كالامارد، ردا على قرار البيت الأبيض، الولايات المتحدة إلى عدم منح الحصانة لابن سلمان في القضايا المدنية وضمان أنه سيكشف الحقيقة كاملة عن مقتل خاشقجي ويعلن ما فعله به.
وبناءً على ذلك، لا يبدو أن سجل حقوق الإنسان في السعودية في المستقبل سيختلف عن سجل الماضي. لأنه على أي حال، فإن السعودية حليف كبير لامريكا في الشرق الأوسط وهي في الواقع شريكها التنفيذي في المنطقة. لذلك، بعد فترة من الجدل حول تقرير خاشقجي، يمكن لابن سلمان أن يتنفس الصعداء ويخطط لمواصلة خططه للوصول إلى المملكة.
على أي حال، فإن الهم الوحيد لمحمد بن سلمان هو الوصول إلى عرش السعودية بأي وسيلة. فهو يريد أن يحكم شبه الجزيرة العربية نصف قرن ويخلفه ابنه من بعده. لكن ما يمنع تحقيق هذا الحلم هو تصرفات ابن سلمان المتهورة في هذا الاتجاه.
المصدر/ الوقت