حرب غزة وصمة عار على جبين حقوق الإنسان الغربية
تحولت جرائم الكيان الصهيوني في القتل والقيام بهجمات عدوانية على المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة هذه الأيام إلى ساحة جديدة واختباراً لحقوق الإنسان في الغرب.. فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تحدث مسؤولو حكومة “بايدن” مرارًا وتكرارًا حول انتهاكات بكين لحقوق الإنسان ضد مسلمي مقاطعة “شينجيانغ”، ووصفوا الصين بأنها منتهكة لحقوق الإنسان، ولكن الآن التزم المسؤولون الأمريكيون الصمت بل أغلقوا اعينهم تجاه الفظائع الصهيونية ووصفوا قصفهم الأعمى والبربري على مواطني غزة دفاعاً مشروعاً عن النفس!. وكما هو معروف، فإن نهج الغربيين هذا هو نهج تاريخي يمتد لعدة عقود. حتى في التطورات الجديدة في غرب آسيا وشمال إفريقيا في السنوات التي أعقبت عام 2011، كانت هذه المعايير المزدوجة ملموسة بشكل واضح. وعلى سبيل المثال، يتجاهل الغربيون الكوارث الإنسانية والجرائم التي ارتكبها النظام السعودي بحق الأبرياء والمضطهدين في اليمن، لكنهم يتابعون بجدية التطورات في ليبيا. وعلى مستوى آخر، فهم لا يرون القتل والفظائع التي لحقت بالمسلمين في كشمير، لكنهم يتناولون أوضاع مسلمي شينجيانغ بالتفصيل.
وفي شرح أسباب هذا النهج الغربي المزدوج لحقوق الإنسان، يمكن النظر في هذا الموضوع من خلال محورين رئيسيين:
الف) أولوية المصالح الجيوسياسية والسياسية على الأخلاق الإنسانية وحقوق الإنسان: مما لا شك فيه أن أحد أسباب اختلاف رؤية المجتمع الدولي لحقوق الإنسان في مكان مثل غزة مع أجزاء أخرى من العالم يعود إلى موقعها الجيوسياسي ومصالح تلك الدول السياسية. حقوق الإنسان هي في الأساس عنصر تم تكريسه بشكل متزايد في قاموس الأخلاق السياسية والقواعد الدولية للدفاع عن الكرامة وحقوق الإنسان، ولكن الآن في النظام الفوضوي الدولي نرى الغربيين ينتهجون معايير مزدوجة وحتى متعددة في شعاراتهم ومطالباتهم الليبرالية وتعريفها لحقوق الإنسان. ولكن حيثما ومتى ما اقتضت مصالحهم، يتم تسليط الضوء على قضية حقوق الإنسان بل حتى استخدامها كوسيلة شرعية لمهاجمة الخصوم. ومن خلال هذه المقدمات، فإن الدعم الأمريكي والأوروبي للنظام الإجرامي الصهيوني هو دعم باطل لاغي في جميع تشريعات حقوق الإنسان الغربية، ولا سيما ادعاءهم التعاون مع الدول الإسلامية. في الواقع ، أصبحت المصالح الجيوسياسية والسياسية الآن هي التي تغلب على الأخلاق السياسية ومطالبات حقوق الإنسان. على مدى العقود الماضية ، أصبح الدفاع عن أمن ووجود النظام الصهيوني مسألة هيبة للولايات المتحدة وأوروبا وكاستراتيجية أساسية لهم، بحيث تصل إلى درجة قمع منتقدي هذه الممارسة أو تهميشهم بشدة ولا يتم معاملتهم حسب مبدأ حرية التعبير. في مثل هذا الوضع ، يقع شعب فلسطين المظلوم ضحية لجرائم الصهاينة من جهة، ومن جهة أخرى يقع ضحية صمت الغرب ودعمه الخفي لتل أبيب. وبهذا الدعم ، لم يتجاهل الصهاينة فقط كل القرارات الدولية ومجلس الأمن، ولكن حتى المبادئ والمعايير الدولية للحرب، وفي حين أن غالبية المجتمع الدولي قد انتقد وأدان تصرفات الصهاينة، فإن الغربيين ليسوا على استعداد لقطع دعمهم العسكري والمالي والسياسي للصهاينة.
ب) الدور البارز للإعلام الغربي في تشويه حقائق غزة: يمكن اعتبار أن أهم ميزة في الألفية الجديدة، وخاصتا في السنوات التي تلت عام 2000، هو انتشار التكنولوجيا وأدوات الاتصال السهلة في حياة الإنسان. في الواقع، إن العصر الجديد الذي هو عصر التواصل، قد قلص الحدود الجغرافية والمسافات الزمنية بين البشر إلى أدنى حد ممكن. من السمات الرئيسية لوسائل الإعلام في العصر الجديد الاحتمالات التي يتم استغلالها بطريقة تتعارض مع القيم الأخلاقية والإنسانية؛ لأنه مثلما يتم استغلال وسائل الإعلام ومراكز الفكر المختلفة من قبل الأكاديميين والسياسيين الرسميين لمصالحهم الخاصة، فإن تيارات القيم الإنسانية والأخلاقية المضادة لتوجهات تستطيع أيضاً أن تستغل الإمكانات اللامحدودة لوسائل الإعلام. في الواقع ، بقدر ما تستطيع وسائل الإعلام تقديم قدرات إيجابية فهي قادرة أيضا على قلب الحقائق رأسًا على عقب من خلال تجاهل القيم اللاإنسانية، أو بعبارة أخرى، تحاول إنشاء واقع مختلف عن الحقيقة حول أزمة ما في أجزاء مختلفة من العالم. تعد وسائل الإعلام أيضًا أهم أدوات صنع الحقائق في العالم الجديد، وفي تطورات الكبيرة في غرب آسيا وشمال إفريقيا التي تلت ثورات الربيع العربي في السنوات التي تلت عام 2011، رأينا بوضوح توجهاتهم المزدوجة ومواقفهم المتحيزة. على سبيل المثال ، تم النظر إلى أزمة مثل أزمة ليبيا من قبل الغربيين وفقاً لمصالحها السياسية والجيوسياسية الخاصة، لكن في الأزمة اليمنية، التي حدثت فيها واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في القرن الحالي، فقد تم تجاهلها. في مجال التطورات الأخيرة في غزة، نشهد استمرار الكيل بمكيالين لوسائل الإعلام الغربية. من الناحية العملية، فإن وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية المختلفة مثل BBC و Fox News و Cyanan و The Guardian و Franz24 وغيرها فقد قلبت الأزمة في غزة رأساً على عقب. ومن الواضح أنهم يبينون أن الدفاع الشرعي للفلسطينيين عن وجودهم ضد العدوان الصهيوني تخريبًا وإرهابا، ويبررون الهجمات الإجرامية للنظام الصهيوني بأنه دفاع عن النفس! وحقيقة الأمر أنه بدون الدعم الإعلامي والاستخباراتي من الغرب، فإن النظام الصهيوني لا يجرؤ على ارتكاب أعماله الإجرامية، وينهار على الفور ، لذلك يمكن التأكيد على أن الإعلام الغربي المتأثر بشدة باللوبيات الصهيونية، متواطئ بشكل كامل في جرائم الصهاينة، ولا يتم العمل بأي مناورات سياسية ضد تل أبيب وذلك لتضليل الرأي العام المحلي والدولي.
الجدير بالذكر أنه بعد إدانتها جرائم الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة ودعوتها إلى تحرك عاجل لوقف الهجمات الإسرائيلية المباشرة على المدنيين ومنازلهم، دعت منظمة العفو الدولية، الثلاثاء الفائت، إلى التحقيق في استهداف العدو الصهيونيّ عمداً مبان سكنية للمدنيين في قطاع غزة، مؤكدة أن ذلك يُعد “جرائم حرب”، وهذا المصطلح يدل على انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها، بما في ذلك قتل المدنيين في أرض محتلة أو إساءة معاملتهم أو إبعادهم، إضافة إلى قتل أسرى الحرب و الرهائن أو إساءة معاملتهم وسلب ملكياتهم الخاصة، وهذا بالطبع ما يقوم به العدو الصهيوني حرفيّاً. وفي هذا الخصوص، لم يترك الكيان الصهيوني العنصري نوعاً من أنواع جرائم الحرب إلا واستخدمها ضد أصحاب الأرض والمقدسات بدءاً من تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم، ومروراً بالجرائم الموجهة ضد المدنيين والتعدي على ممتلكاتهم الشخصية وتهجيرهم قسرياً، وليس انتهاءً عند التعذيب والإبادة الجماعية، وقد بيّنت منظمة العفو الدولية المختصة بمجال حقوق الإنسان (غير حكومية، مقرها لندن)، أن هجمات العدو الصهيوني أدت إلى استشهاد أطفال ونساء وعائلات بكاملها أحياناً، فضلا عن تدمير مبان مدنية بالكامل.
المصدر / الوقت