حرب حامية الوطيس ووقف لإطلاق النار وعدد من النقاط المهمة
بعد حوالي شهر من التوتر والمواجهة بين الفلسطينيين والمحتلين الصهاينة وعقب مرور 11 يوماً من الحرب الشاملة بين الجانبين، اضطر الكيان الصهيوني في صباح يوم أمس الجمعة، لقبول وقف إطلاق النار. وحول هذا السياق كشفت العديد من المصادر الاخبارية أنه بعد 11 يومًا من الهجمات اللاإنسانية والإجرامية من قبل الكيان الصهيوني على العديد من المناطق في قطاع غزة، والتي لم يسبق لها مثيل منذ عام 2014، أعلنت “تل أبيب” صباح يوم أمس الجمعة عن وقف إطلاق النار وهذا الأمر بث موجة من الفرح بين سكان الأراضي المحتلة. الجدير بالذكر أن الهجمات الصهيونية التي استمرت 11 يومًا في غزة تسببت في إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية السكنية والتجارية والمؤسسات الحكومية والأراضي الزراعية وغيرها من المرافق في غزة والأراضي المحتلة، ما أسفر عن مقتل 250 فلسطينيًا، من بينهم 65 طفلاً و 39 امرأة، وإصابة 1900 آخرين. ومن جهة أخرى، أفاد الجيش الصهيوني بأنه منذ بداية التوتر الحالي أطلقت كتائب القسام الفلسطينية 4070 صاروخا من غزة باتجاه الأراضي المحتلة، سقط منها 610 صواريخ داخل القطاع. كما تشير الإحصائيات التي أعلنها الصهاينة إلى مقتل 12 مستوطنًا في الأراضي المحتلة حتى الآن، لكن دقة هذه الإحصائية لا تزال موضع تساؤل حتى اللحظة. ومع ذلك، فإن إعلان وقف إطلاق النار الجديد ونتائج الهجمات الصهيونية التي استمرت 11 يومًا على غزة تم أخذها على محمل الجد من قبل المراقبين السياسيين ووسائل الإعلام. وفيما يتعلق بهذه الحرب واتفاقية وقف إطلاق النار، سوف نذكر في مقالنا هذا عدة نقاط مهمة:
الف) لقد نجح المجتمع الفلسطيني في هذه الحرب في إظهار وحدة تاريخية فريدة لا مثيل لها في تاريخ هذه الأمة، ولقد كان لانعكاسها على قيادة المجتمع الفلسطيني أثر كبير وذلك لأن السلطة الفلسطينية المتمثلة في الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” لم تستطع من الناحية العملية الحفاظ على هذه الوحدة، فإنها ستفقد في الواقع شرعيتها القيادية على المجتمع الفلسطيني. ولقد أظهرت هذه الحرب التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني على مستوى عالٍ للغاية. ويبدو أنه لا ينبغي ترك هذا التضامن المهم وحده “لوقت آخر” ويجب تحديد الخطط لإدارة هذا التضامن وتفعيله في جميع جوانب الأراضي الفلسطينية.
ب) لقد كشفت هذه الحرب عن نقطة مهمة أخرى: فمن ناحية، أظهرت العزلة الشديدة التي تعيش فيها إسرائيل في المجتمع الدولي، ومن ناحية أخرى، تظهر عمق واتساع القاعدة الاجتماعية للمقاومة الفلسطينية، داخليًا وخارجيًا. لكن بعض الأنظمة الغربية، أعربت عن دعمها لإسرائيل، الأمر الذي يشير بحد ذاته إلى شدة عزلة الكيان الصهيوني. لطالما حاول الكيان الصهيوني بناء نوع من الردع ضد التهديدات المحتملة من خلال الاعتماد على قدراته في البناء العسكري، واستخدام هذه القدرة كوسيلة لطمأنة المجتمع الصهيوني من الناحية الأمنية، لكن الحرب الأخيرة أظهرت أن تلك القدرة التي كانت موجودة منذ سنوات، فقدت أهميتها، ويمكن رؤية ذلك بوضوح في تسمية الحرب الأخيرة ضد غزة بعملية “حرس الحائط” وهذه التسمية تنقل في الواقع رسالة مفادها بأن الكيان الصهيوني لديه قلق شديد من الناحية الأمنية.
ج) إن الكيان الصهيوني الذي لم يعد قادرا على توفير الأمن بسبب سياساته العدوانية خارج الجغرافيا المحتلة، يسعى الان إلى المحافظة على الاراضي التي سرقتها جميعاً، لكن المقاومة نجحت في بناء سورها الأمني وتدمير وإشعال النار في منشآت العدو الصهيوني وبنيته التحتية، وهذا نصر عظيم. إن تسمية محور المقاومة للعملية الحربية ينقل في الواقع رسالة مفادها أن المقاومة الفلسطينية قد غيرت بالكامل معادلة الصراع من الدفاع إلى الهجوم. ولقد نجحت عملية “سيف القدس” في هدم الأسوار الدفاعية للعدو الصهيوني وحراسه، وأظهرت مظهراً من مظاهر الانتصار للذين يهزمون أنفسهم ويتعاونون مع الغرب وإسرائيل والخونة لقضية فلسطين المقدسة.
د) لقد سعت بعض الحركات الفلسطينية والإقليمية إلى نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وحتى دوائر المقاومة في المنطقة، مستخدمة مصطلحات بارزة مثل “المقاومة المدنية” أو “التنمية الاقتصادية مقابل نزع السلاح”. وحتى أن البعض حاول إخضاع المقاومة من خلال إهانة القوة العسكرية للمقاومة ضد القوة العسكرية المتفوقة للغرب وإسرائيل، لكن الحرب الأخيرة أظهرت أن الصواريخ والطائرات المسيرة التي اعتبرت غير مهمة وصلت إلى مرحلة الاكتمال. في الواقع، لقد أظهرت الدبلوماسية الميدانية ضرورتها خلال الايام الماضية. صحيح أن الحرب قد توقفت من الناحية العسكرية في الوقت الحالي، لكن هذه الحرب أدت إلى حدوث مزيد من العزلة لكيان الفصل العنصري، ويجب تفعيل جميع القدرات المحلية والإقليمية والدولية لزيادة هذه العزلة على الصهاينة.
ه) لقد سافر وزير الخارجية الأمريكي إلى فلسطين المحتلة، ولقد شملت خططه عقد لقاءات مع مسؤولين صهاينة ومسؤولين في السلطة الفلسطينية. وهنا يشار إلى أن مئات الجولات من المحادثات بين الصهاينة والفلسطينيين بقيادة “محمود عباس” التي جرت حتى الآن، ولم تسفر عن نتائج إيجابية لمصلحة الشعب الفلسطيني. وعليه، فإن أي حوار من دون شروط مسبقة، لا يتماشى مع مطالب الشعب الفلسطيني لا قيمة له ويعتبر باطل. لذلك، بما أن الشعب الفلسطيني له اليد العليا في هذه الحرب والآن بتغيير معادلة الصراع، فإن أي حوار يجب أن يتضمن النقاط التالية: 1- إسرائيل محتلة ويجب أن تخرج من جميع الأراضي المحتلة. لقد خرج. 2- الاستيطان في الاراضي المحتلة تعتبر جريمة ويجب ايقافها. 3- الاعتداء على القدس جريمة ويجب وقفها نهائياً.
في الواقع، هذه القضايا والشروط الجديدة يجب أن تنعكس في المحادثات، ويجب على الجانب الفلسطيني عدم الدخول في محادثات مع الجانب الإسرائيلي دون قبول هذه القضايا ويجب على الشعب الفلسطيني ألا يسمح بمثل هذا الأمر، وإلا فقد صادر انتصار الأمة الكبير لمصلحة العدو الصهيوني. في الوقت الحاضر، إن الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية سعداء بهذا التغيير الجاد، ومن ناحية أخرى، فإن المجتمع الصهيوني وقادته وحلفاءه الإقليميين والدوليين في حداد وقلق على المستقبل.
المصدر/ الوقت