سقف سعودي واحد وهواءان حول المفاوضات مع إيران.. واقع ما وراء الكواليس
في الأسابيع الأخيرة، اتخذ المسؤولون السعوديون مواقف متكررة في المؤتمرات الصحفية والتصريحات حول العلاقات مع إيران، وعلى الرغم من تناقض بعض هذه التصريحات، يبدو أن الخطاب السعودي يدعو إلى تغيير سلوك، أو بشكل أكثر دقة سياسة إيران في المنطقة كشرط مسبق لذوبان الجليد بين البلدين. وجدد وزير الخارجية السعودي فيصل البرهان، في مقابلة مع قناة العربية في الأيام الأخيرة، قلق المنطقة من سلوك الحكومة الإيرانية، قائلا إن “المنطقة لن تستقر ما لم تؤخذ مخاوف المنطقة بعين الاعتبار”. كما كرر المزاعم السابقة التي لا أساس لها من الصحة بشأن “تدخلات إيران الإقليمية” وقال إن “االتفاوض بشأن الصواريخ الباليستية والتدخلات الإقليمية للجمهورية الإسلامية يجب أن تتم بحضور من دول الشرق الأوسط”. لكن وزير الخارجية السعودي وفي نفس اللقاء قال إنه “يأمل في أن تكون المحادثات الأخيرة مع إيران مثمرة”. على الرغم من أنه منذ بداية الأزمة الدبلوماسية في العلاقات بين البلدين وإغلاق السفارات، فقد أعلنت إيران مرارًا وتكرارًا استعدادها للتفاوض دون قيد أو شرط مع المملكة العربية السعودية لتقليل الخلافات على أساس خارطة طريق مبدئية، والحاجة إلى الحوار والتعاون بين الدول الإسلامية. ليس هناك شك في أن إيران ليس لديها الرغبة بمناقشة قدراتها الصاروخية الدفاعية وأنشطتها النووية السلمية مع المملكة العربية السعودية أو أي دولة أخرى، كما أن السعوديين من حيث المبدأ ليس لديهم ظروف إقليمية ولا مستوى كاف من المنافسة ليقرروا وضع شروط مسبقة للمفاوضات مع الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، فإن التوجه السعودي الجديد الآن يثير التساؤل حول ما إذا كان ينبغي النظر إلى “أمل” السعوديين في المحادثات على أنه نتاج لموقف خيالي وغير واقعي لسلطات الرياض، أو ما إذا كان مبنياً على نظرة واقعية من المملكة العربية السعودية. بالتأكيد فإن أحد أسباب موقف المملكة العربية السعودية غير المتسق من الإعلان عن ميلها للتفاوض من جهة، وعرقلة تشكيل هذه المفاوضات المهمة من جهة أخرى؛ هو نتاج ارتباكات متراكمة عن إخفاقات مختلفة في السياسة الإقليمية مع تصرفات محمد بن سلمان العدوانية والمتطرفة ضد خصومه.
الهزيمة المشينة للتحالف السعودي في اليمن وتفكك الجبهة السعودية الموحدة في الحرب، الهزيمة في حصار قطر والتراجع عن الشروط الأولية لرفع الحصار، فشل الجناح التكفيري الإرهابي المدعوم سعوديًا في الحرب السورية وتهميش الرياض في المحادثات المقبلة حول سوريا، فشل مشروع زعزعة استقرار دول محور المقاومة بصدمات اقتصادية في عهد ترامب، فشل أكبر في دفع مشاريع الإصلاح وخطة الإصلاح الاجتماعي لتحسين صورة المملكة العربية السعودية أمام الساحة الدولية، لا سيما الإعلام الغربي، وطرد الولايات المتحدة من المنطقة على يد المقاومة، ايقظت الرياض إلى حقيقة إخفاقها الكبير في التعامل مع التطورات الإقليمية خلال الفترة المضطربة من العقد الماضي. ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية بقيادة محمد بن سلمان، الذي يتعطش لاعتلاء العرش، تجد نفسها مضطرة لاتخاذ خطوات للتخفيف من هذه المشاكل الرئيسية في السياسة الخارجية. مثل هذا النهج ليس بأي حال من الأحوال خيارًا للسعوديين، ونتيجة للوضع الدولي تجاه السعودية بعد اغتيال خاشقجي، ووصول الحزب الديمقراطي إلى السلطة في الولايات المتحدة، اضطرت الرياض للاستسلام لضغوط اليمنيين الشبه يومية بهجماتهم على منشآتها النفطية وأن تجلس للحوار مع محور المقاومة. لكن على الرغم من هذه الحاجة، لا تزال المملكة العربية السعودية لا تنوي إنهاء أكبر كارثة سياسية خارجية حالية لها، وهي الحرب اليمنية، وتبحث عن حل بديل لتحريك الأحداث نحو النظام الذي تريده في تلك البلاد. “أنصار الإسلام” اليمنيين الآن أقوى من أي وقت مضى في اليمن، حيث أنهم يضعون رفع الحصار بالكامل عن اليمن كشرط مسبق لإنهاء الضربات الجوية على السعودية والدخول في محادثات وقف إطلاق النار. صرحت إيران، بصفتها داعمًا إقليميًا وشريكًا استراتيجيًا لأنصار الله اليمنيين، مرارًا وتكرارًا أنها ستساعد في تسهيل المحادثات بين أنصار الله والرياض إذا استعدت الرياض لوقف الحرب غير الشرعية والحصار اللاإنساني على اليمن.
في الأيام الأخيرة، قال مسؤولون عراقيون، استضافوا محادثات بين ممثلين عن إيران والسعودية، لوسائل الإعلام، أن قضية الحرب اليمنية كانت من أهم ما ورد على جدول أعمال الجولة الأولى من المحادثات. يبدو أن المملكة العربية السعودية قد خططت لإجراء محادثات في بغداد لوقف هجمات “أنصار الإسلام” على حقول النفط ووقف تقدم صنعاء على جبهة مأرب. بالنظر إلى هذه الحاجة، من الواضح أن الرياض ليس لديها أوراق ضغط كثيرة على طاولة المفاوضات مع طهران، وبالتالي فهي تطرح دائماً ضرورة مشاركتها في المفاوضات بين إيران والقوى العالمية، وكذلك تطرح مناقشة السياسة الإقليمية والقدرة الصاروخية لإيران، حيث تأمل من عملية التفاوض هذه الحصول على التنازلات المرغوبة عن طريث الجبهة الدبلوماسية الغربية. لهذا السبب نشهد الآن تعليقات متكررة من السعوديين حول المفاوضات الدولية بشأن ملف إيران النووي أو إحياء المحادثات الثنائية مع إيران. ومع ذلك، فمن المؤكد أن هذا هو ما يمكن أن ينقذ السعوديين من مستنقعهم.
المصدر/ الوقت