التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

المغرب مع القضية الفلسطينية أم عليها 

الموقف المغربي من القضية الفلسطينية غريب ويطرح عشرات علامات الاستفهام عندما تعلن المغرب على المستوى الحكومي تقديم دعمها للقضية الفلسطينية وتبارك للفلسطينيين بنصرهم على اسرائيل وتصف الكيان الاسرائيلي بـ”الاحتلال” وهي أكثر دولة تربطها علاقات وطيدة مع كيان العدو، حتى انها أعادت تطبيع العلاقات مع اسرائيل قبل مدة ليست بالبعيدة، فعلى أي ضفة تقف المغرب؟.

بكل الاحوال لنبدأ مع التصريحات الأخيرة لرئيس وزراء المغرب سعد الدين العثماني، الذي هنأ من خلالها المقاومة الفلسطينية على “الانتصار الذي حققته خلال العدوان الإسرائيلي الأخير”، مؤكدا موقف بلاده الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته.

وقال العثماني، في مهرجان رقمي نظمته مساء الأحد لجنة دعم فلسطين بحزب العدالة والتنمية الذي يترأسه: “نؤمن بأن المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني سجلا انتصارا جليا، ونهنئهما بهذا الانتصار الذي يعكس إرادة شعب محتل في مواجهة المحتل، ويبرهن على صمود أسطوري”.

وتوقف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عند موقف المغرب من القضية الفلسطينية، منتقدا جهات لم يسمها بالاسم، وقال إنها “تحركت لتشويه موقف المملكة المغربية وموقف المغاربة من القضية الفلسطينية، لكن صدر الموقف الرسمي الذي عبر عن رفض كافة الانتهاكات في حق المقدسيين والفلسطينيين ورفض العدوان”.

نحن لا نشكك بموقف الشعب المغربي ودعمه للقضية الفلسطينية، ونعلم ذلك من خلال اعتراضه على التطبيع وعلى موقف الحكومة منه ومن خلال المسيرات المؤيدة والداعمة للفلسطينيين، ولكن نحن نتحدث عن التناقض الغريب للحكومة وتحديدا لزعيم حزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني، الذي يدعي انتماءه إلى المرجعية الإسلامية، ليضع نفسه مرة أمام تناقضات خطابه المرجعي مع ممارسته السياسية، عندما وجد نفسه مجبراً على التوقيع على اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو الذي لطالما اعتبر التطبيع جريمة، واعتبر فلسطين قضية سياسية وأيديولوجية ودينية لا ينبغي التخلي عنها.

التخلي الفاضح عن المبادئ التي كانت تعتبر التطبيع خطّاً أحمر، والقضية الفلسطينية فوق كل اعتبار، وذلك حتى أيام قليلة قبل توقيع زعيم الحزب على اتفاق التطبيع ليشكّل حالة فريدة من نوعها لم يسبقه إليها أي تنظيم محسوبٍ على الإسلام السياسي في المنطقة العربية

مسألة قبول زعيم الحزب التوقيع على اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني، حتى لو لم يكن الحزب صاحب المبادرة، وتبرير أجهزة الحزب وقادته هذا الموقف المخجل بما هو مخزٍ وعار، لا يطرح فقط سؤال مدى التزام الحزب بما تنصّ عليه مرجعيته الإسلامية، وإنما تضع مصداقية خطابه على المحكّ، بما أن التفسير الوحيد لهذا السلوك في القاموس السياسي تختزله كلمة واحدة هي الانتهازية التي تدفع صاحبها إلى التضحية بمبادئه من أجل مصالحه النفعية الضيقة والآنية. وإذا كان الحزب قد دأب على تفسير تحولاته السياسية السابقة باللجوء إلى استعمال مفهوم هلامي، هو الاعتدال، لشرح براغماتيته السياسية عند كل تحوّل كان يقوم به أو يُفرض عليه، على الرغم من تناقض هذا التحول مع مبادئه ومرجعيته، فإن استدعاء هذا المفهوم في حالة التطبيع أخيراً يكشف عن مدى تقلبات الحزب، المذهبية والفكرية الصارخة التي تجد تفسيرها في مسار التحولات الكبيرة التي مرّ بها منذ تأسيسه، وأيضاً في مفهومه المتناقض والغامض للممارسة البراغماتية للسياسة.

في قضية الموافقة على التطبيع وتبريره والسكوت عليه، بل والاستمرار فيه والمزايدة على من ينتقدون موقف الحزب منه، تصبح الأعذار والتبريرات أكبر من الخطيئة الكبرى، لأن الأمر لا يتعلق ببراغماتية أو واقعية سياسية، كما يحاول بعض قادة الحزب تبرير ذلك، وإنما بمسألة أخلاق ومبدأ، لأن الموضوع هنا هو التطبيع مع كيانٍ مغتصبٍ عنصري ومجرم ومحتل، وعلى حساب معاناة شعب محتلة أرضه، ومهضومة حقوقه، وأبناؤه إما لاجئون في الشتات أو معتقلون داخل السجون الصهيونية أو محاصرون من طرف العدو الغاصب نفسه الذي يتم اليوم التطبيع معه بدعوى البراغماتية السياسية!

كيف تحولت علاقة المغرب مع كيان العدو؟

في عام 1948، بعد إعلان قيام دولة الاحتلال، ألقى السلطان محمد الخامس خطابا مناهضا للصهيونية، وأصبح المغرب جزءا من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وانضم متطوعون من المغرب إلى الجيوش العربية التي قاتلت ضد الاحتلال. ومع ذلك، حتى عام 1956، لم ينتهج المغرب سياسة خارجية مستقلة بسبب أنه كان ما يزال تحت الوصاية الفرنسية.

في عام 1956، حصل المغرب على استقلاله عن فرنسا، وكان أحد الإجراءات الأولى للحكومة الجديدة هو تقييد هجرة يهود المغرب إلى دولة الاحتلال، وبأمر من الحكومة، تم إغلاق وحدة تابعة للوكالة اليهودية في الدار البيضاء وطرد 13 مبعوثًا للوكالة من المغرب. وبعد عام، حظر المغرب أيضا جميع الأنشطة الصهيونية في أراضيه، وبسبب القيود المفروضة على الهجرة، عملت الحركة السرية اليهودية في المغرب تحت إشراف الموساد الإسرائيلي وأجرت عمليات هجرة سرية من المغرب.

في عام 1961 جرت أول مفاوضات سرية بين دولة الاحتلال والمغرب وتم التوصل إلى اتفاق يسمح لليهود بمغادرة البلاد. وكجزء من الاتفاقية، تعهدت دولة الاحتلال بدفع مبلغ 250 دولاراً للحكومة المغربية عن كل يهودي توافق على مغادرته، لكن غالبية اليهود المغاربة قرروا السفر إلى أوروبا بعد إزالة القيود عن سفرهم.

في عام 1963، أقيمت علاقات أمنية بين الطرفين، وتطورت العلاقات إلى لقاء بين رئيس الموساد الإسرائيلي مئير عميت والملك المغربي الحسن الثاني، الذي يعد عراب العلاقات الإسرائيلية المغربية.

شارك المغرب في جهود الوساطة بين دولة الاحتلال ومصر، وكذلك في الوساطة بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية. وفي إطار جهود الوساطة هذه، كان المغرب من أوائل الدول العربية التي سمحت لقادة إسرائيليين بزيارتها سرا وعلنا. في 22 يوليو 1986، زار رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي شيمون بيريز المغرب واجتمع مع الملك الحسن الثاني في منتجع إفران. في عام 1995، بعد اتفاقيات أوسلو، أقيمت علاقات دبلوماسية كاملة بين الطرفين. لكن في عام 2000، بعد أحداث الانتفاضة الثانية، قطع المغرب علاقاته الرسمية مع دولة الاحتلال.

على مر السنين، تميز المغرب بكونه من الدول العربية القليلة التي تعتبر وجهة للإسرائيليين، ومع ذلك فإن هناك حركة نشطة للتيارات القومية والإسلامية الداعية لمقاطعة دولة الاحتلال وتعارض العلاقات السياسية والثقافية والاقتصادية معها، وينشط عدد من الحركات في المغرب ضد “التطبيع”، وتنظم أحيانًا مظاهرات ضد العلاقات بين الطرفين.

في فبراير 2019، أُعلن أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو التقى سرًا بوزير الخارجية المغربي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبحث معه “تطبيع” العلاقات والصراع مع إيران.

في 24 أغسطس 2020 استأنس الفلسطينيون واستبشروا خيرا بتصريح رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني، بعد تأكيده أن بلاده ترفض “التطبيع ” مع الاحتلال الإسرائيلي دون حل القضية الفلسطينية لأن ذلك يعزز الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

الموقف المغربي، الذي عبر عنه العثماني، جاء في ظل موجة تسريبات وتصريحات رسمية إسرائيلية بأن المغرب هي الدولة التالية في مسلسل “التطبيع”، الذي بدأته الإمارات في 13 أغسطس 2020، وتبعتها البحرين. وهو ما أكد عليه وزير الاستخبارات الإسرائيلية إيلي كوهين.

بالفعل فعلها حزب العدالة والتنمية الاسلامي وطبع مع العدو الصهيوني من جديد، الأمر الذي أثار تساؤلات مهمة تثار حول امتلاك الدول العربية لقرارها وقدرتها على تطبيق شعاراتها الخاصة بالقضية الفلسطينية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق