انتفاضة لإنقاذ معتقلي الرأيّ في السعودية.. ماهو سر بطش ولي العهد
من ناحية الديكتاتوريّة، تتفوق السعودية التي يسيطر عليها آل سعود على نفسها بعد أن تفوقت على جيرانها واحتلت المرتبة الأولى في القمع والاستبداد، فيما تتصاعد حملات مساندة معتقلي الرأيّ في البلاد للمطالبة بالإفراج عنهم، في ظل الفضائح التي تلف ولي العهد محمد بن سلمان والتي كشفت بطشه ونهجه القمعيّ، حيثُ حول السعودية إلى مملكة للقمع والحكم الاستبداديّ، وجعلها بعيدة كل البعد عن المشاركة السياسيّة والحريات العامة، ويسعى النظام المشهور بدكتاتوريّته الشديدة إلى كم الأفواه المطالبة بأبسط الحقوق، ويستخدم قانون “مكافحة الإرهاب” كغطاء للقمع الممنهج ضد السعوديين.
حملة واسعة
في الأيام الأخيرة، أطلق نشطاء سعوديون حملة إلكترونيّة واسعة، حملت هاشتاغ #اخرجوا_معتقلي_الرأي ، للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي من سجون النظام السعوديّ الذي يشنّ حملات قمع مستمرة بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والمنتقدين في البلاد، في ظل سلسلة إجراءات قمعية يتعرضون لها من قبل سلطات محمد بن سلمان الذي تفرغ إلى ناشطي المعارضة، بعد أن تخلص من أبرز منافسيه من خلال موجات كبيرة من الاعتقالات التي شملت أهم وأبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، إضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، لتشمل بعدها دعاة وعلماء وسياسيين وتجار، فيما لم تستثن الأقرباء المنافسين له كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم.
ومع تصاعد السخط الشعبيّ داخل السعوديّة نتيجة السياسات التي ينتهجها حكام آل سعود، شارك الآلاف بالتغريد في الحملة للمطالبة بالإفراج عن المحتجزين تعسفيّاً بسبب مطالبهم بالإصلاح وإطلاق الحريات العامة، حيث تمارس سلطات البلاد قمعاً ممنهجاً وشديداً ضد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وتلاحقهم باستمرار بسبب عملهم ونشاطهم، وتُعرضهم لمحاكمات معيبة، وتزجهم داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير.
وبسبب غياب أيّ نية لحكام المملكة بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم، تتكرر الحملات الشعبيّة لمساندة معتقلي الرأي بما يفضح جرائم النظام السعوديّ بحقهم ويعري ما يوجهه من تهم زائفة لهم، خاصة أنّ تلك الأحكام لا تفي بضمانات الإجراءات القانونيّة الواجبة، والأسوأ من ذلك هو أنّ أحكام السجن الصادرة بحقهم يتم تأييدها أو حتى زيادتها بشكل ملحوظ بعد الطعن في إدانتها عند الاستئناف، في إجرام ممنهج ينفذه النظام الحاكم بحق شعبه.
يأتي ذلك في الوقت الذي اشتكت فيه منظمة “الكرامة” الحقوقية إلى الأمم المتحدة ضد الأعمال الانتقاميّة التي تنفذها السعودية ضد معتقلي رأي ومدافعين عن حقوق الإنسان، فيما تُصر الرياض على نفي ممارستها انتهاكات بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، رغم أنّ الملك سلمان وابنه ولي العهد يخدمان هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين بشكل خطير للغاية.
وبما أنّ الأمين العام للأمم المتحدة يُقدم تقريراً سنوياًّ لمجلس حقوق الإنسان، يحتوي على معلومات تتعلق بالأعمال الانتقامية ضد معتقلي الرأيّ، أوضحت منظمة “الكرامة” أنّها قدمت تقريرها للأمين العام للأمم المتحدة بشأن حالات انتقامية عدة في السعودية والإمارات، والذي يتضمن معلومات حول 3 قضايا تتعلق بحالات انتقاميّة ضد أفراد قدموا شكاوى إلى الأمم المتحدة بينهم الداعية الإخوانيّ سلمان العودة ونجله عبد الله وشقيقه خالد الذين تعرضوا لإجراءات انتقامية وترهيب.
أسلوب ساديّ
في ظل عدم وجود أيّ قانون يحمي المواطنين السعوديين من المعاقبة بهذا الأسلوب الساديّ، تغيب أيضاً الإحصائيّات الرسميّة حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون الملكة، في ظل إنكار وزارة الداخليّة السعودية وجود أيّ سجينٍ من هذا النوع، وتشير تقارير حقوقيّة إلى وجود أكثر من 30 ألف سجين سياسيّ في السعودية، وتضيف أنّ السجناء السياسيين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتصفُ السجن السياسيّ في المملكة بالـ “وباء” بحيثُ يشمل الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.
وباعتبار أنّ مستبدي العائلة الحاكمة انتهجوا سياسة “إرهاب الدولة” (أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها) بحق مواطنيهم من المفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وبالأخص منذ تولي محمد بن سلمان زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، بدعم من والده الملك سلمان، حيث توسعت سلسلة الاعتقالات لتشمل رجال الدين والدعاة والتجار والنشطاء وحتى الأمراء، وتنبع سياسات محمد بن سلمان الرعناء من مخاوفه بشأن فقدان منصبه كولي للعهد في البلاد وذلك لأنه وصل إلى هذا المنصب بسرعة خارقة بعد أن كان سابقاً أميراً عادياً داخل الأسرة السعودية الحاكمة، ما دفعه لسجن واعتقال الكثيرين.
لهذا، فإنّ النظام الملكيّ الجاثم على قلوب السعوديين لن يتيح أيّ مجال لمعارضة سياسيّة في البلاد التي تحولت إلى سجن كبير بالنسبة للمعارضين أو من يُتهمون بذلك، حيث يقوم محمد بن سلمان باعتقالات تعسفيّة في كل مرة يشعر فيها بأنّ هناك ثورة شعبيّة تتنامى في الشارع السعوديّ ولهذا قام مراراً بجرائم الحبس والاعتقال والقتل للعديد من معارضيه الذين طالبوا بالعديد من الاصلاحات الحقيقة في السعودية، وترى بعض التحليلات أنّ خوف العائلة الحاكمة في بلاد الحرمين من أن تجتمع جميع تلك الاصوات المعارضة تحت مظلة المطالبة برحيل النظام، هو ما يزيد من حملات ابن سلمان المسعورة ضد شعبه.
بناء على ذلك،، يُعتبر المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقه المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعل الكثيرين يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد دعوتهم إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها، لأنّ السلطات السعوديّة جعلت هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً، حيث لجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، خاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
وتصر سلطات البلاد على الاستمرار بنهج الاعتقالات التعسفيّة والانتهاكات ضد النشطاء المعارضين ودعاة الإصلاح، رغم أنّ المنظمات الدوليّة المعنيّة بحقوق الإنسان، لم تترك كلمة تنديد إلا واستخدمتها في بياناتها المتعلقة بحقوق الإنسان وحريّة الرأي والتعبير في المملكة، وقد ملّت المنظمات الدوليّة من كثرة ما انتقدت السلوك القمعيّ لمحمد بن سلمان الذي يوجّه أجهزته الأمنيّة بشكل مباشر لتنفيذ حملاتها ضد المواطنين.
وفي هذا الإطار، تؤكّد تلك المنظمات أنّ الاعتقالات داخل السعودية تتم دون التقيد بالإجراءات القانونيّة والقضائيّة، ناهيك عن منع المعتقلين من أبسط حقوقهم في العلاج والرعاية الصحيّة مع غياب كامل لتقديمهم إلى محاكم عادلة، وقد أشارت المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان، في وقت سابق، إلى أنّ السلطات السعودية تواصل احتجاز جثامين عشرات المواطنين الذين جرى قتلهم دون محاكمات قضائيّة أو نفذت في حقِّهم عمليات إعدام تعسفيّة، ودعت المنظمة سلطات البلاد إلى الاستجابة لمطالب أسرهم وتسليمهم جثامين أبنائهم بشكل فوريّ.
ولم تصغِ الرياض للانتقادات المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية المعروفة كـ “هيومن رايتس ووتش”، ولا حتى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة، ولم يهتم المجتمع الدوليّ للدعوات التي تطالب بإيقاف الدعم السياسيّ عن نظام آل سعود، ما يطرح تساؤلات عديدة حول آلية التعامل الدوليّة مع الرياض وغياب محاسبة قياداتها، حيث يعتقد البعض أنّ المجتمع الدولي إما منخرط مع السعودية مع إجرامها الداخليّ والخارجيّ، أو أنّه يقبض ثمن صمته على حساب أرواح المعتقلين الذين يواجهون مصيراً مخيفاً، فإما موت بطيء داخل الزنازين، أو إفراج عنهم بمرض ينهي حياتهم، أو إقامة جبرية داخل بلادهم تمنعه من ممارسة أدنى حقوقهم كمواطنين سعوديّين، في ظل غياب الضغوط الجادة من قبل المنظمات الدوليّة لردع هذا النظام المجرم.
في النهاية، لا تخاف السلطات السعودية من شيء أكثر من حرية الرأي والتعبير، لأنّها تدرك جيداً حجم “المعارضة الدفينة” التي تشكل جمراً تحت الرماد في البلاد، وهذا ما يدفعها للتعامل بإجرام غير مسبوق مع قضيّة التعبير عن الرأي وإظهار أيّ نقد أو معارضة سلمية، وهذا ما كرسه ولي العهد السعوديّ من خلال البطش والقمع الممنهج الذي وصل حد اعتبار أي تعبير عن الرأيّ يمس النظام العام، وجريمة قصوى تستوجب أشد العقاب.
المصدر/ الوقت