التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

مطوّر الصواريخ الفلسطينية الذي اغتالته إسرائيل.. من هو الدكتور “جمال الزبدة” وكيف تمت عملية اغتياله 

أعلنت الحكومة الإسرائيلية، صباح الجمعة الماضي، وقف إطلاق نار أحادي الجانب وقبوله من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، منهية بذلك جولة جديدة من الاشتباكات بعد 12 يومًا من الهزيمة المأساوية للجيش الإسرائيلي. ولقد قبل العدو الصهيوني الهزيمة وأعلن وقف إطلاق النار، ومنذ الأيام الأولى للحرب بدأ مسؤولو الكيان اتصالات عديدة مع مسؤولين وقادة دول مجاورة مثل الأردن ومصر لإقناع المقاومة بوقف إطلاق الصواريخ من غزة على المناطق المحتلة، لكن المقاتلين الفلسطينيين رفضوا قبول وقف إطلاق النار حتى قدمت إسرائيل تأكيدات بأنهم لن يستولوا على أراضي وبيوت الفلسطينيين في حي الشيخ جراح بالقدس ويخرجوا من المسجد الأقصى، ولقد قبلت فصائل المقاومة شروط الكيان الصهيوني أخيرًا يوم الجمعة الماضي وأعلنوا أنهم سيقبلون وقف إطلاق النار المقترح من جانب تل أبيب.

وحول هذا السياق، برز اسم الدكتور المهندس “جمال الزبدة” الذي اغتالته إسرائيل رفقة قادة بارزين في كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خلال هذه الحرب على غزة. ولم يكن ارتباط المحاضر الجامعي الستيني خريج الجامعات الأمريكية، بالعمل العسكري معروفا حتى لدى أفراد أسرته والمقربين منه، لذلك شكل استشهاده رفقة نجله البكر “أسامة الزبدة” وعدد من قادة كتائب القسام مفاجأة بالنسبة للكثيرين. وبحسب المعلومات التي بدأت تتكشف عقب عملية الاغتيال، فقد جنّد الدكتور “جمال” نجله “أسامة” وعددا من المهندسين للعمل معه في دائرة التصنيع العسكري، لتطوير ترسانة القسام بأقل الإمكانات وباستخدام مواد بدائية متوفرة في غزة المحاصرة، وقد بدا التطور لافتا خلال معركة سيف القدس عما كان عليه في معركة “حجارة السجيل” عام 2012 و”العصف المأكول” عام 2014.

والدكتور “جمال” أستاذ العلوم الهندسية والميكانيكا في كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية بغزة، تلقى تعليمه الجامعي في الولايات المتحدة الأمريكية، وله أبحاث علمية محققة تتعلق بتطوير محركات الطائرات، وهي منشورة في مجلات علمية مرموقة. وتقول أسرته إنه عمل في وكالة ناسا بالولايات المتحدة، إلا أنه قرر عام 1994 العودة إلى غزة، بحثا عن دور في خدمة وطنه وشعبه. ولقد انضم “الزبدة” عام 2006 للعمل في تطوير القدرات العسكرية لكتائب القسام، وكان مدى صواريخها في ذلك الحين لا يتعدى 30 كيلومترا، لتفاجئ الجميع خلال العدوان بصواريخ تغطي مساحة فلسطين التاريخية. وفي الحرب الثانية عام 2012، حاول الاحتلال اغتيال “الزبدة”، وفشل، وكانت محاولة الاغتيال بالنسبة للكثيرين مفاجئة، ولم يتم ربطها في حينه بقيمته العسكرية التي ظهرت عقب اغتياله كمسؤول عن دائرة التصنيع العسكري في كتائب القسام، وتطوير برنامج الصواريخ والطائرات المسيّرة.


ونشرت وسائل إعلام عبرية، نقلا عن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، أن “الزبدة” كان أبرز خبراء البحث والتطوير في حماس. وكشف العدوان على غزة عن تطور كبير ولافت في قدرات حماس الصاروخية، بإدخال ذراعها العسكرية المتمثل في كتائب القسام، أنواعا جديدة من الصواريخ إلى الخدمة، تتمتع بمدى أكبر وبقدرة على حمل رؤوس متفجرة ذات قوة تدميرية عالية. وخلال معركة “سيف القدس” تمكنت المقاومة التي تشكل كتائب القسام رأس الحربة فيها، قدرة ملموسة في المحافظة على إطلاق أكثر من 4 آلاف صاروخ على مدى 11 يوما من الحرب، ويوميا، بمديات مختلفة وقدرات تدميرية عالية. وكان صاروخ “عياش 250” هو أحدث الصواريخ التي كشفت عنها كتائب القسام وأدخلتها إلى الخدمة خلال العدوان، وهو يحمل اسم “يحيى عياش” أحد أبرز قادتها الذي اغتاله الاحتلال عام 1995، ويصل مداه إلى 250 كيلومترا، وبقدرة تدميرية كبيرة.

وعلى صعيد متصل، يقول تلميذه “سعد الوحيدي”: “هذا الأكاديمي الحق، والمهندس الفذ، والعقلية الجبارة، والمقاتل العنيد، شخصية كانت تنتقل بروح الله ومعيّته من قاعات المحاضرات إلى المعامل والمختبرات، وتُرابط في ورش التصنيع والتطوير ومختبرات المقاومة ومعاملها، حتى أجرى الله على يديه وأيدي تلاميذه وإخوانه ما يسيء اليوم وجه العدو”. ويضيف إن الشهيد الزبدة “انتصف يومه وانقسمت حياته؛ بين تدريس وإعداد آلاف المهندسين في مختلف تخصصات كلية الهندسة في الجامعة الإسلامية في غزة، وإعداد وتدريب المقاتلين والفنّيين والمهندسين ليكونوا روافع ودعائم للعمل العسـكري المقاوم الذي يدكّ اليوم قلب الكيان المسخ (تل أبيب)”.

وفي منشور طويل يتحدث عن مكانة الشهيد “الزبدة”، ذكر الباحث سعد الوحيدي أنه في ذات يوم سأل الشهيد “مازحا”: “عم (أبو أسامة) حد بسيب أمريكا وبيرجع على غزة؟”. وأضاف بأن تلميذا سابقا للشهيد: “أجابني وكأني بصدى صوته يرن في أسماعي إلى الآن: هادي البلاد أمانة وقضية يا سعد، واللي عنده انتماء لقضيته لا أمريكا ولا 1000 أمريكا تغريه”. وأوضح أن “الزبدة” هو مؤسس ورئيس قسم الهندسة الميكانيكية في الجامعة الإسلامية، حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الهندسة الميكانيكية “أعتى فروع الهندسة” من الولايات المتحدة”. وأشار إلى أن “هذه العقلية الفذة، كانت أطروحته للدكتوراه تتعلق بمحرك طائرة “إف 16″ المقاتلة في جامعة فيرجينيا، وهو العالم الذي حصد براءات الاختراع وعاد إلى غزة رافضا كل عروض العمل والتدريس وحياة الأحلام في نخبة الجامعات الأمريكية”.

ولفت إلى أن “هذا الأكاديمي الحق والمهندس الفذ والعقلية الجبارة والمقاتل العنيد، شخصية كانت تنتقل بروح الله ومعيته من قاعات المحاضرات إلى المعامل والمختبرات، وترابط في ورش التصنيع والتطوير ومختبرات المقاومة ومعاملها، حتى أجرى الله على يديه وأيدي تلاميذه وإخوانه ما يسيء اليوم وجه العدو”. وأشار “سعد” إلى أن الشهيد الزبدة “انتصف يومه وانقسمت حياته؛ بين تدريس وإعداد آلاف المهندسين في مختلف تخصصات كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية في غزة، وإعداد وتدريب المقاتلين والفنيين والمهندسين؛ ليكونوا روافع ودعائم للعمل العسـكري المقاوم الذي يدك اليوم قلب الكيان المسخ (تل أبيب). وزاد: “في سنوات دراستنا الأولى، كانت حدود معرفتنا بالدكتور أنه عقلية فذة لامعة، متدين ذو فكر إسلامي، يمتلك ذائقة أناقة واضحة في هندامه وحضوره وأسلوبه وحديثه، مرح بشوش بسّام اعتاد بعض طلابه المقربين أن ينادوه مازحين بـ”جيمي”، وكان أول المحطات التي لا تنسى خلف سيرة الدكتور، هو قصف منزله خلال معركة حجارة السجيل عام 2012، يومها تعالت بعض الهمسات والتخمينات والأقاويل عن دور وظيفي ما للبروفيسور في مشروع المقاومة، دون أي تحديد مسبق أو معرفة بحجم الدور الذي يشغله هذا العملاق”.

ومن جهتها، نعت “سجى الزبدة” ابنة الشهيد العالم والدها في منشور مؤثر على “فيسبوك”، جاء فيه بعد أن حمدت الله كثيرا: “قرة عيني وسندي الرجل الأول في غزة، العبقري الفذ البروفيسور المتواضع الذي أتعب العدو، والذي زلزل الأرض تحت أقدامهم، والذي هزم الجيش الذي لا يهزم الشرف”. وأضافت: “كل الشرف لمن لامست يداه يدك، والشرف كل الشرف لمن لامست شفتاه رأسك، تاج راسي وحبيبي الحنون.. الشهيد العظيم الدكتور المهندس /جمال محمد سعيد الزبدة”. وتابعت: “هذا الشبل من ذاك الأسد؛ حبيبي ونور عيني الحنون السند والمدد المهندس العظيم أسامة جمال الزبدة، الحمد لله؛ ابنة الشهيد وأخت الشهيد”. ونبهت في منشور آخر إلى أن “فلسطين كلها” تصدح بسيرة والدها وشقيقها، وقالت: “الأمة العربية والإسلامية كلها فخورة فيكم، حبيبي كنت تحكيلي كيف أنام والأقصى أسير، ورحت فداء الأقصى والدين”.

ومن جانبه، علق رئيس تحرير “عربي21” الكاتب “فراس أبو هلال” على ارتقاء العالم الفلسطيني وقال: “بحجم السماء سلام عليك، تركت أمريكا وشهاداتك العليا وعملك في مصانعها، وعدت إلى سجن كبير يحاصره الجوع والفقر والأعداء، اسمه غزة”. وأضاف: “يقولون لكل من اسمه نصيب، ولك من اسمك كل نصيب، فأنت الـ”جمال” وفي ارتقائك شهيدا إلى الله “الزبدة” في معنى الفداء والتضحية، سلام عليك يوم ولدت وتبعث حيا”. وكتب الطالب السابق لدى الشهيد الزبدة على “تويتر”، “عاصم النبيه”، “درسني الشهيد البروفيسور جمال الزبدة في مرحلة البكالوريوس بكلية الهندسة بالجامعة الإسلامية بغزة، وقد كان نعم الأب ونعم المعلم، عالما عبقريا فذا ذكيا متواضعا خلوقا”، مضيفا: “نشهد الله أنك قد أديت الأمانة، رحمك الله”.

وإذا نظرنا إلى الإحصائيات والتقارير الخاصة بالعقود القليلة الماضية، نجد أن معظم سجل الاغتيالات التي استهدفتها إسرائيل كان لقادة سياسيين فلسطينيين. مثل “فتحي الشقاقي”، و”عبد العزيز الرنتيسي”، و”أحمد ياسين”، مؤسس حماس وزعيم حركة التحرير الفلسطينية، الذي اغتيل بصاروخ مروحية إسرائيلي عام 2004 بأوامر من رئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الوقت “أرييل شارون” أثناء عودته إلى منزله بعد صلاة الفجر في غزة. وفي غضون ذلك، لم يسلم العلماء الفلسطينيون مثل “سليمان محمد الفرا” و”محمد حامد البنا”، إلى جانب علماء عرب ومسلمين آخرين، من فرقة الاغتيال التابعة للاحتلال الصهيوني. ولكن كما أن استشهاد القادة السياسيين والقادة العسكريين للمقاومة الفلسطينية لم يمنع بأي شكل من الأشكال التطوير المستمر لقدرات الجماعات الفلسطينية، فإن استشهاد علماء مثل “جمال الزبدة” لن يتعارض مع تطوير صواريخ المقاومة الفلسطينية. وفي الختام يمكن القول إن جهود الصهاينة الكثيرة لاغتيال العلماء الفلسطينيين تثبت إلى أي مدى أرعبت الصواريخ والقوة العسكرية الفلسطينية العدو الصهيوني.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق