التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

التجسس على الحلفاء… فضيحة جديدة تتعلق بالنشاط الأمريكي في أوروبا 

احتل تجسس الولايات المتحدة على حلفائها الأوروبيين عناوين الصحف مرةً أخرى. وفي هذا الصدد، كشفت شبكة التليفزيون الدنماركية “دي آر” أن وكالة الأمن القومي الأمريكية، بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الخارجية الدنماركية، تتجسس على كبار المسؤولين في الدول المجاورة، بما في ذلك المستشارة الألمانية.

هذه النتائج هي نتيجة تحقيقات داخلية أجراها جهاز استخبارات الدفاع الدنماركي منذ عام 2015. وقالت تسعة مصادر مطلعة وقريبة من التحقيق إن وكالة الأمن القومي الأمريكية استخدمت اتفاقية تعاون مع جهاز المخابرات الخارجية الدنماركية للتجسس على كبار المسؤولين الأوروبيين.

وتُظهر هذه التحقيقات التي تعود إلی 2012-2014، أن وكالة الأمن القومي الأمريكية استخدمت قنوات المخابرات الدنماركية للتجسس على كبار المسؤولين في السويد والنرويج وفرنسا وألمانيا، بما في ذلك وزير الخارجية الألماني السابق فرانك فالتر شتاينماير.

بدأ جهاز استخبارات الدفاع الدنماركي تحقيقه في عام 2014، بعد مخاوف بشأن تسريبات من قبل المتعاقد السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن.

رد الدول الأوروبية على التجسس الأمريكي

بعد الكشف عن مشروع التجسس الأمريكي للحلفاء الأوروبيين، قال المتحدث باسم المستشارة الألمانية: “لقد علمت بهذه المزاعم من خلال الصحفيين فقط، ولا أعلق في الوقت الحالي.”

کما قال الرئيس الألماني الحالي ووزير الخارجية السابق فرانك فالتر شتاينماير للصحفيين، إنه ليس على علم بالموضوع وتم إبلاغه بالتجسس الأمريكي من خلال وسائل الإعلام.

کذلك، دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حكومتي الولايات المتحدة والدنمارك، إلی شرح تقارير التجسس الخاصة بأجهزة المخابرات في هذين البلدين من المسؤولين الأوروبيين.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحفي، إن على واشنطن تقديم إيضاح بشأن التقارير المنشورة حول التجسس على حلفائها الأوروبيين.

ماكرون، الذي كان يجيب على أسئلة المراسلين بعد لقاء افتراضي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أضاف فيما يتعلق بالأنباء المسربة عن تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على كبار المسؤولين في عدة دول أوروبية: “إن التنصت على محادثات الحلفاء أمر غير مقبول”. وشدَّد علی أن “فرنسا والمانيا تريدان تفسيراً وافياً من الولايات المتحدة لما حدث”.

وعقب الاجتماع، أکدت ميركل ضرورة توضيح الحقائق، وقالت إن هذا الحدث يجب أن يكون نقطة الانطلاق لإقامة علاقة تقوم على “الثقة المتبادلة” بين أوروبا والولايات المتحدة.

كما وصف وزير الخارجية الفرنسي كليمان بون القضية بأنها “خطيرة للغاية”، وذلك في معرض رده يوم الاثنين الماضي على تقرير حول دور الدنمارك في تجسس الولايات المتحدة على القادة الأوروبيين. ولم يستبعد الوزير الفرنسي إمكانية تأثير التقارير المنشورة على مستقبل تعاون الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة.

من جانبه دعا وزير الدفاع السويدي إلى إجراء تحقيق كامل في الأمر. كما أخذ وزير الدفاع النرويجي هذه المزاعم على محمل الجد. حيث قال وزير الدفاع السويدي بيتر هولتكويست لقناة SVT: “لقد طلبنا معلومات كاملة حول القضايا المتعلقة بالمواطنين والشركات والمصالح السويدية”.

وقال وزير الدفاع النرويجي “فرانك باك جينسن” لـ NRK: “إننا نأخذ هذه المزاعم على محمل الجد”. وأكد وزيرا الدفاع أن نظيرتهما الدنماركية “ترينا برامسن” رفضت إبلاغهما بعملية تجسس وكالة الأمن القومي على جيرانها، وأعربا عن استيائهما.

ووفقًا لإذاعة الدنمارك، فقد اتصلت وزارة الدفاع السويدية رسميًا بالمسؤولين الفرنسيين والألمان الذين تعرض سياسيوهم رفيعو المستوى للتجسس من وكالة الأمن القومي، بالتعاون مع جهاز المخابرات الدنماركية.

قضية التجسس بالتعاون مع الدنمارك

إن تجسس الولايات المتحدة بواسطة وكالة المخابرات الأمريكية على القادة والسياسيين الأوروبيين ليس بالأمر الجديد. لکن الجديد هو تعاون المخابرات الدنماركية مع وكالة الأمن القومي الأمريكية في التنصت على القادة والسياسيين الأوروبيين.

في الواقع، تم الكشف عن تجسس الولايات المتحدة على القادة الأوروبيين، بما في ذلك أنجيلا ميركل، بعد تسريبات إدوارد سنودن العميل السابق لوكالة المخابرات المركزية، لكن الكشف عن مساعدة أحد أعضاء الاتحاد الأوروبي لواشنطن فيعتبر أمرًا جديدًا.

الدنمارك هي واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي. وهي الدولة الاسكندنافية الوحيدة التي تکون عضوًا في الناتو والاتحاد الأوروبي في آن واحد.

يقال إن الكشف عن تعاون وكالة المخابرات الدنماركية مع وكالة الأمن القومي الأمريكية كان نتيجة تحقيق إعلامي دنماركي مشترك مع عدة وسائل إعلام ألمانية، بما في ذلك صحيفة “زود دويتشه تسايتونج” واثنين من أجهزة الإرسال الإذاعي الألمانية، هما NDR و WDR.

في ألمانيا، تم التنصت على المكالمات الهاتفية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية آنذاك فرانك فالتر شتاينماير ومرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في الانتخابات “بير شتاينبروك” لعدة سنوات من قبل المخابرات الأمريكية، وبالتعاون مع جهاز المخابرات الدنماركي.

وفي هذا الصدد، ذكرت رويترز أن الحكومة الدنماركية كانت على علم بالتجسس على قادة عدة دول أوروبية منذ عام 2015 على الأقل.

وقد أتاح الجيش الدنماركي ووكالة الاستخبارات الأجنبية إمکانية التجسس على القادة والسياسيين الأوروبيين لوكالة الأمن القومي الأمريكية.

ويقال إنه في محطة “سانداجرجاردان” للتجسس والمراقبة بالقرب من كوبنهاغن، يتجسس عملاء المخابرات الأمريكية على القادة الأوروبيين من خلال استغلال نقطة تبادل عبر الإنترنت.

وأتاحت المخابرات الدنماركية لوكالة الأمن القومي الأمريكية إمكانية التجسس، من خلال توفير نقطة تبادل الإنترنت هذه وكابلات نقل خدمة الإنترنت والاتصالات المثبتة تحت سطح البحر.

ولم تتخذ الحكومة الدنماركية وجهاز المخابرات الدنماركي ووكالة الأمن القومي الأمريكية أي موقف بعد حيال هذه التقارير.

خلفية التجسس على الحلفاء

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن فضيحة التجسس الأمريكي علی الحلفاء الأوروبيين.

في وقت سابق من عام 2015، كشف تقرير إخباري إعلامي نقلاً عن وثائق ويكيليكس أن وكالة الأمن القومي الأمريكية قد تجسست على ثلاثة رؤساء فرنسيين، هم شيراك وساركوزي وهولاند، إضافة إلى أعضاء رفيعي المستوى في حكوماتهم بين عامي 2006 و 2012.

الحكومة الفرنسية في ذلك الوقت وصفت هذه الخطوة بأنها غير مقبولة وغير صحيحة. ويكيليكس لم تكتف بالإبلاغ عن التنصت على كبار السياسيين الفرنسيين، بمن فيهم الرئيس، بل أعلنت أيضًا أن وكالة الأمن القومي الأمريكية قد حصلت على بعض الملاحظات الخاصة بالاجتماعات السرية بين السياسيين الفرنسيين.

كما تحدث موقع ويكيليكس عن بعض أرقام هواتف السياسيين الفرنسيين التي تم التنصت عليها من قبل الأمريكيين.

حتى قبل ذلك، في عام 2013، تم تسريب التجسس الأمريكي علی ألمانيا، ووعد رئيس الولايات المتحدة آنذاك باراك أوباما أن هذا لن يحدث مرةً أخرى أبدًا، على الرغم من استمرار هذا التجسس حتى يومنا هذا.

القناة التلفزيونية الفرنسية الثانية شبهت أنشطة التجسس التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية بشبكة العنكبوت الحقيقية. وذکرت أن الولايات المتحدة قامت بتركيب هوائياتها في جميع أنحاء العالم، وخاصةً في قلب العواصم الكبرى، بحجة الأمن القومي. ثم تحدثت عن شبكة الإنترنت الأمريكي العملاقة.

مقر وكالة الأمن القومي الأمريكية يتصنت بكل قوته علی العالم أجمع، ولا يكشف عن أي من أسراره. وتشير التقديرات إلى أن هذه المؤسسة بها 50 ألف موظف، وميزانية سنوية تبلغ 8 مليارات يورو.

تقع السفارة الأمريكية بالقرب من ميدان الكونكورد في قلب باريس، بجوار قصر الإليزيه. فكيف تعمل وكالة الأمن القومي الأمريكية هذا الأخطبوط الحقيقي في البلدان الأخرى؟ إنهم يفعلون ذلك من خلال تحليل مليارات الرسائل والمكالمات الهاتفية، والبحث عن الكلمات الرئيسية والأرقام التي تعتبر خطيرةً.

تقول نيكول بشران، الخبيرة في الشؤون الأمريكية، إن “وكالة الأمن القومي تقوم بالكثير من الأعمال باسم الأمن القومي. لدينا القليل من المعلومات حول إجراءات عملهم، وبشكل عام الحكومة الأمريكية مستعدة لمنحهم کل الحرية والصلاحيات لأن معلوماتهم كانت مفيدةً في بعض الأحيان.”

للتجسس علی الإنترنت، يعترض الأمريكيون المعلومات التي تنقلها الكابلات البحرية، والتي تشبه طرق المعلومات السريعة. كما أنهم يراقبون معلومات خوادم عمالقة الإنترنت الموجودة في الولايات المتحدة.

في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تأسست وكالة الأمن القومي الأمريکية، تنصتوا على العملاء الروس، لكنهم الآن وسعوا شبكتهم لجمع كل المعلومات المتوفرة على الكوكب وفي السماء. معلوماتٌ يزعمون أنها تتعلق بالأمن القومي للولايات المتحدة.

ومع ذلك، ما جعل قضية تجسس الولايات المتحدة على حلفائها الأوروبيين أكثر بروزًا اليوم، هو بعض الميول المؤيدة للاستقلال بين القادة الأوروبيين تجاه الولايات المتحدة والتي بدأت في عهد ترامب، وعلى الرغم من أنه يبدو أنها قد تغيرت قليلاً في حقبة بايدن، إلا أن مواقف القادة الأوروبيين تظهر أنهم قبلوا أن الحفاظ على مستقبل الاتحاد يعتمد على الاستقلال عن الولايات المتحدة بشکل أكثر.

وربما كان هذا النفور الأوروبي هو الذي دفع الولايات المتحدة إلى متابعة بعض مشاريع التجسس الأخرى والأكثر أهميةً ضد حلفائها الأوروبيين، على الرغم من أن هذا بشكل عام يسلط الضوء على الخلاف الحالي بين بروكسل وواشنطن.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق