التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

مشروع أمريكي مريب لبناء ثاني أكبر سفارة في العالم في بيروت 

إن أحد مبادئ نجاح السياسة الخارجية لأي دولة تريد استهداف أو التأثير على دول أو مجتمعات أخرى بسياساتها هو أن تكون على علم بثقافة تلك الدول والمجتمعات، وأن يكون لديها إطلاع كاف؛ وهي قضية لا تنطبق الآن على الولايات المتحدة ولبنان لأن المعرفة الأمريكية بلبنان لم تصل بعد لمعرفة كاملة وشاملة. لذلك، فهي تبذل جهودًا كبيرة للنفوذ في هذا البلد. لطالما كانت السياسة الأمريكية تجاه لبنان على مدى العقود القليلة الماضية تتمحور حول الدفاع عن مصالح وأمن نظام الاحتلال الإسرائيلي، وبناءً على هذه الحقيقة، يمكن تقييم التحركات الأمريكية تجاه بيروت في الأشهر الأخيرة من عدة زوايا.

مشروع أمريكي لافتتاح ثاني أكبر سفارة في العالم في لبنان

وفي هذا الصدد، بدأت الولايات المتحدة مؤخرًا مشروعًا لبناء سفارة أمريكية في لبنان، يُقال إنها ثاني أكبر سفارة أمريكية في المنطقة، بعيدًا عن تغطية وسائل الإعلام اللبنانية المحلية والأجنبية. تقع أكبر سفارة أمريكية في العالم والمنطقة في العراق، لكن ما يبدو مشكوكًا فيه بشأن هذا المشروع في لبنان هو حجمه والمبلغ المخصص لعملية بناء هذه السفارة. وبحسب وثيقة من وزارة الخارجية الأمريكية، فقد تم تخصيص 1.2 مليار دولار للمشروع، وهو ما يعادل ضعف ميزانية السفارة الأمريكية في بغداد، والتي بلغت 600 مليون دولار. سابقاً، في عام 2015، أعلن ديفيد هيل، السفير الأمريكي السابق في لبنان، عن خطط لبناء مجمع جديد، مؤكداً أن الاستثمار الذي يقارب المليار دولار يؤكد التزاماً طويل الأمد بالشراكة بين الولايات المتحدة ولبنان.

يمكن اعتبار هذا المشروع من أكبر وأهم المشاريع الأمريكية في الشرق الأوسط.

كتبت السفارة الأمريكية في بيروت عن المشروع: تمثل منشأة السفارة الأمريكية الجديدة في بيروت أفضل تمثيل للثقافة الأمريكية من حيث الهندسة والتكنولوجيا والاستدامة والأداء الفني والبناء. لكن في المواصفات الجغرافية والهندسية للمشروع هناك بعض الأمور التي ستكون في غاية الخطورة على لبنان، الأمر الذي يثير تساؤلات كثيرة حول عوامل ودوافع واشنطن لبناء مثل هذه السفارة في بيروت. وقال مصدر مطلع على تفاصيل المشروع الأمريكي لبناء السفارة، إن السفارة ستعمل كمركز قيادة للعمليات العسكرية والأمنية التي تنسق الوجود العسكري والاستخباراتي الأمريكي في لبنان وسوريا والمنطقة بأسرها.

تصف مصادر مطلعة تفاصيل المشروع على النحو التالي:

– بدأ بناء هذه السفارة بعد تشييد بنيتها التحتية عام 2017 وستنتهي في عام 2025 كما تنبأ الأمريكيون.

– تبلغ مساحة هذه السفارة 174 ألف متر مربع وهي أصغر قليلاً من مساحة أرض الجامعة الأمريكية في بيروت والتي تبلغ 247 ألف متر مربع. وبحسب ما ورد، فقد تم تخصيص حوالي نصف السفارة للمبنى والباقي لمشاريع أخرى سيتم تطويرها في المستقبل.

– تقع هذه السفارة على ارتفاع 200 متر وتطل على منطقة بيروت وتبعد حوالي 6 كم.

– تقع السفارة على بعد حوالي 290 كم من مطار لارنكا الدولي في قبرص الذي تستخدمه وزارة الدفاع الأمريكية.

– يقع موقع السفارة على بعد 250 مترًا من موقع السفارة الأمريكية القديمة، وهذه المعلومات تدل على وجود موقع إنزال لطائرات الهليكوبتر الأمريكية في السفارة الأمريكية القديمة في لبنان، والذي تم استخدامه في عملية هروب “عامر الفاخوري” جاسوس النظام الصهيوني. هذا يعني أن الرحلة بين قبرص والسفارة الأمريكية الجديدة تستغرق 30 دقيقة كحد أقصى.

– السفارة الأمريكية الجديدة في لبنان تضم العديد من المباني الأمنية المحصنة، بحيث تكون جدرانها مصنوعة من عدة طبقات خرسانية. كما تم تصميم المباني المذكورة بطريقة تجعلها تقع في الجانب الشرقي من هذا المشروع، اما الجانب الغربي منه فيحوي مساحات فارغة.

دور السفارات الأمريكية في عمليات التجسس والاستخبارات

لطالما كانت السفارات الأمريكية حول العالم جزءًا من أدوات المخابرات والتجسس الأمريكية، إضافة إلى ذلك، قامت الولايات المتحدة مؤخرًا بتوسيع دور دبلوماسييها بما يتجاوز مهمتهم الأساسية، وتشمل المهام الجديدة لهؤلاء الدبلوماسيين جمع المعلومات من البلدان حول العالم؛ حيث يبدأ موظفو وزارة الخارجية الأمريكية في جمع معلومات مهمة من بطاقات ائتمان وأرقام جوازات السفر وجداول العمل، وغيرها من المعلومات الشخصية لكبار مسؤولي الدولة المعنية عن طريق موظفي سفارتها هناك. تظهر برقيات وزارة الخارجية السرية الصادرة عن ويكيليكس أيضًا أن توجيهات وزارة الخارجية والتعليمات إلى الدبلوماسيين والجواسيس الأمريكيين قد تم حذفها منذ عام 2008. جادل المسؤولون الأمريكيون بأن الدور الاستخباراتي للدبلوماسيين الأمريكيين يتماشى مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهذا ما يفعله الدبلوماسيون الأمريكيون منذ سنوات. كما شاركت وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية (CIA) في تحديث الملفات الشخصية للمسؤولين في جميع أنحاء العالم. وقد أظهرت بعض البرقيات التي أرسلتها وزارة الخارجية إلى دبلوماسييها أن حكومة الولايات المتحدة طلبت منهم تقديم تفاصيل عن شبكات الاتصال التي تعتمد عليها الجيوش ووكالات الأنباء في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، ترسل الولايات المتحدة بانتظام عملاء استخباراتها إلى دول مختلفة في شكل بعثات دبلوماسية.

تعاون المخابرات الأمريكية مع الكيان الصهيوني

أحد الأسباب الرئيسية للتشكيك في دور السفارة الأمريكية الجديدة في لبنان هو التعاون الاستخباراتي الوثيق بين الولايات المتحدة والنظام الصهيوني في إطار التنسيق الاستراتيجي بين الجانبين، والذي طالما نشط في الحصول على معلومات حول حركات المقاومة، وخاصة حزب الله. في عام 2011، كشفت فرق استخبارية تابعة للمقاومة عن أنشطة لوكالة المخابرات المركزية في لبنان تتعلق بتفاصيل نظام التجسس الأمريكي في لبنان. كما كشف أيضاً تفاصيل شبكات في لبنان تعمل مع الولايات المتحدة وآلية وأهداف تجنيد الجواسيس. يذكر أن مدير تلك الشبكات آنذاك هو رجل يدعى دانيال باتريك ماكفي، كان يعمل كموظف دبلوماسي في السفارة الأمريكية في بيروت. وبحسب هذه المعلومات، يحذر الخبراء من أن أمن لبنان أصبح مرة أخرى في قلب المؤامرات الأمريكية السامة. في سياق متصل، نشرت صحيفة واشنطن بوست مؤخراً خريطة للإحداثيات الجغرافية للبنان، والتي يزعم النظام الصهيوني أنها تنتمي إلى المقاومة اللبنانية وستكون أهدافًا لإسرائيل في الحرب القادمة مع حزب الله. من ناحية أخرى، كشف موقع ويكيليكس في وثيقة أن السفارة الأمريكية في لبنان حذرت المواطنين الأمريكيين من السفر إلى لبنان في 8 أكتوبر من العام الماضي.

خطة أمريكية طويلة الأمد لزعزعة استقرار لبنان

يثير إصدار مثل هذا البيان من قبل السفارة الأمريكية في لبنان، والذي كان غامضًا جدًا من حيث المضمون والأهداف، العديد من التساؤلات حول طريقة وتوقيت صدوره، وخصوصاً ان تحذيرات الولايات المتحدة لمواطنيها لا تصلهم دائمًا بشكل علني ويتم تنفيذها بطريقة سرية. وفي هذا الصدد، يرى هشام جابر، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، أن إصدار مثل هذه التصريحات من قبل السفارة الأمريكية أمر خطير للغاية ويظهر أن الولايات المتحدة تخطط لتصعيد الوضع الأمني ​​في لبنان. كما انتقد الحكومة الأمريكية لإصدارها مثل هذا البيان الذي يجعل اللبنانيين ومن ينوي السفر إلى البلاد يشعرون بالتهديد، ووصفها بأنها حرب نفسية، وقال: أن الأمريكيين والصهاينة يقاتلون جنباً إلى جنب ضد لبنان. كما أكد رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط أيضاً أنه لا يمكن فصل تورط السفارة الأمريكية في بيروت بالأحداث الأمنية اللبنانية في العقد الماضي من تفجير الكنيسة في منطقة “زحله” إلى اختطاف سبعة إستونيين، عن نشر الإحداثيات الجغرافية اللبنانية من قبل صحيفة واشنطن بوست مؤخراً. وشدد هشام على أن الولايات المتحدة تبدو وكأنها تحاول التسلل إلى الحياة الأمنية في لبنان، مستخدمة مثل هذه التصريحات كوسيلة ضغط لاستهداف الاستقرار والأمن اللبنانيين. وبشأن احتمال استغلال الولايات المتحدة للفراغ السياسي في لبنان وعدم وجود حكومة مستقلة ومستقرة في البلاد لزعزعة الاستقرار، قال، إن هذا هو السلوك الأمريكي التقليدي في لبنان وأن وجود الحكومة أو غيابها لن يغيره.

مؤامرة واشنطن لتكرار السيناريو العراقي في لبنان

لكن مرة أخرى نأتي إلى موضوع السفارة الأمريكية الجديدة في لبنان، والتي، كما ذكرنا، تم بناؤها بالفعل بشكل مماثل في العراق.

من الواضح أن سفارة عادية صغيرة شبيهة بالسفارة الأمريكية القديمة في لبنان، قادرة على القيام بالأنشطة الدبلوماسية العادية لدولة ما في دولة أخرى، ولا داعي لبناء مثل هذا المبنى الضخم. بالإضافة إلى ذلك، نرى أن الولايات المتحدة تتخلى عن أكبر دول العالم وأكثرها تصنيعًا في أوروبا، وتنفق مليارات الدولارات لبناء مثل هذه المشاريع في الشرق الأوسط. بالنظر إلى دور السفارة الأمريكية في بغداد في الاختراق الاستخباراتي للركائز السياسية والاجتماعية والأمنية وحياة العراقيين بشكل عام، يمكن رؤية أهداف تكرار هذا السيناريو في لبنان؛ نظرًا لأن السفارة الأمريكية في بغداد التي تبلغ مساحتها 42 هكتارًا أصبحت في الأساس حامية عسكرية كبيرة ضد فصائل المقاومة، ومنثم أصبحت مركزاً لجهاز المخابرات الأمريكية في العراق، تواصل احتلال البلاد في الوقت الذي تدعي فيه استعدادها لسحب قواتها من البلاد. لذا، من السهل أن نرى ما الذي تفعله واشنطن بافتتاح ثاني أكبر سفارة في العالم في لبنان. من الواضح أن دولاً مثل العراق ولبنان ليس لها موقع سياسي خاص في السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن يرجع سبب اهتمام الولايات المتحدة بهما هو مصالح واشنطن في هذه الدول وموقعها الاستراتيجي والجيوسياسي. والأهم أن وجود فصائل المقاومة في لبنان والعراق، وعلى وجه الخصوص حزب الله، وهو الكابوس الأكبر للحليف الرئيسي لأمريكا في المنطقة، النظام الصهيوني، هو أحد أهم دوافع واشنطن للتغلغل في البلدين؛ وكما أظهر التاريخ، فإن الأمريكيين لا يدخرون أي مؤامرة لتدمير أو إضعاف المقاومة.

في هذه الحالة، يجب أن يتعلم اللبنانيون أن يكونوا أذكياء في التعامل مع هذا المشروع في بلدهم، والتعلم من الظروف التي أوجدتها الولايات المتحدة من خلال سفارتها في العراق.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق