دعوات تركية لتطبيع العلاقات مع مصر والدول العربية.. ما هي الأسباب والدلائل؟
– دعا الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى إقامة علاقة شراكة مشتركة بين بلاده وكلّ من مصر والدول الخليجية تنطوي على “ربح متبادل”، وتأتي هذه الدعوة في وقت تسعى فيه أنقرة إلى تطبيع علاقاتها مع الدول التي ترى فيهم منافساً إقليمياً لمصالحها الخارجية.
وفي هذا السياق قال أردوغان في مقابلة مع قناة “تي آر تي” التركية التابعة للحكومة “نريد الاستفادة القصوى من فرص التعاون مع مصر، وتحسين علاقاتنا على أساس الربح المتبادل”. كما أضاف “هذا ينطبق أيضاً على الدول الخليجية”، في إشارة إلى السعودية والإمارات التي تتّسم العلاقات بينها وبين تركيا بتوتّر شديد وخاصة بعد مقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي في مبنى السفارة السعودية في تركيا والتي أدت إلى أزمة دبلوماسية استمرت سنوات عدّة بين تركيا والدول العربية الثلاث. ولكننا نرى الأن أنقرة تقود جهوداً دبلوماسية حثيثة لإصلاح علاقاتها مع العواصم الثلاث، انطلاقاً من القاهرة.
العلاقات المصرية التركية كانت شبه معدومة بعد وصول الرئيس السيسي إلى كرسي الحكم بعد انقلاب عسكري قاده في عام 2013 ضد الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي إلى جماعة الأخوان المسلمين والتي كانت تدعمه تركيا بقوة في ذلك الوقت.
التحركات التركية لإعادة المياه إلى مجاريها بدأت في مطلع أيار/مايو الفائت، حيث زار وفد تركي كبير القاهرة لإجراء مباحثات هي الأعلى مستوى بين البلدين منذ القطيعة التي بدأت في عام 2013.
كما تأتي تصريحات أردوغان في سياق تلطيف الأجواء وتهيئة المناخ للمرحلة التي تلي تلك المباحاثات حيث حرص أردوغان على القول “أنا أعرف الشعب المصري جيّداً وأحبّه. علاقاتنا الثقافية قوية للغاية”.
عقبات على طريق المصالحة
المصالحة بين مصر وتركيا قد تكون ممكنة ولكنها لن تكون سهلة وذلك بسبب وجود الكثير من الملفات الشائكة التي تسمم جو العلاقات بين البلدين ومن أهم هذه الملفات يمكن الإشارة إلى اتهام الرئيس أردوغان شخصياً للرئيس السيسي بأنه قائد انقلاب، كما تتهم القاهرة انقرة بأنها أصصبحت وكراً علنياً لقيادات من حزب الإخوان المسلمين الذين فروا من مصر واتخذوا من انقرة منبراً لتوجيه خطاباتهم وبث كراهيتهم للحكومة المصرية بقيادة السيسي.
كما يمكن الإشارة إلى الخلافات المصرية التركية فيما يتعلق بالشأن الليبي حيث كانت تركيا تعد بانسحاب من ليبيا مع الانتخابات المقررة نهاية هذا العام، ولكن مصر رفضت هذا المقترح التركي وطالبت بالانسحاب الفوري. كما تضغط القاهرة على أنقرة من أجل سحب القوات التركية من دول عربية، وإيقاف عملياتها في دول أخرى، خاصة العراق وسوريا.
وتتزامن بداية الانفراج في العلاقة بين أنقرة والقاهرة مع حصول تهدئة في العلاقات بين مصر وقطر، حليف تركيا الرئيس في المنطقة.
وتأتي بادرة الانفتاح التركي في وقت تسعى فيه أنقرة للخروج من عزلتها الدبلوماسية في شرق المتوسط حيث أدّى اكتشاف حقول ضخمة من الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة إلى شراكة بين الدول المطلّة على هذه المنطقة البحرية ترى أنقرة أنّها مجحفة بحقّها.
كما تسعى أنقرة إلى تحسين علاقاتها بكلّ من السعودية والإمارات اللتين تباعد بينهما وبين تركيا ملفات عديدة أحدها الوضع في ليبيا حيث كان حتى الأمس القريب يدور نزاع مسلّح بين طرف يسيطر على العاصمة طرابلس وتدعمه تركيا وطرف يسيطر على شرق البلاد وتدعمه الإمارات والسعودية بالإضافة إلى مصر.
غضب مصري من الدول الخليجية
يبدو أن التحرك التركي المصري جاء بعد شعور مصر بأنها انغدرت بعد المقاربة الخليجية مع قطر حيث ذكرت بعض المصادر أن “كلاً من مصر والإمارات بدأتا في استغلال مسألة التواصل مع تركيا، في إطار الضغط المتبادل في ظل التباين في توجهاتهم حيال بعض المواقف التي ترقى إلى حد الخلافات، بسبب بعض ملفات المنطقة وفي مقدمتها الملف الليبي”.
ولفتت إلى أن “مصر غاضبة بسبب المصالحة الخليجية التي تمّت من دون الأخذ بالمطالب والملاحظات المصرية”.
كما نوّهت بأن القاهرة تتحرك بعيداً عن منطق الاستسلام التام للضغوط الإماراتية والسعودية، في ظل توقف دعم الدولتين للقاهرة على كل المستويات.
وأضافت المصادر إن المخاوف المصرية بدت واضحة في حديث مسؤول مصري بارز، عشية المصالحة، بأن قادة الدول الخليجية سيتصالحون “وستخرج مصر خاسرة من هذه الجولة، وستتحمل هي تبعات سنوات القطيعة”.
الأسباب الخفية وراء الرغبة التركية
إذاً يبدو أن رغبة أنقرة في التصالح مع مصر هي محاولة لتقليل نسبة عدائها مع دول المنطقة، وخاصة بعد تزايد الخلاف بينها وبين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بسبب صدامها مع اليونان على ترسيم الحدود البحرية، بالإضافة إلى تدهور اقتصادها وانهيار سعر العملة التركية وربما تكون مصر هي جسر العبور لتركيا لإعادة العلاقات مع السعودية والإمارات
وعلى الرغم من الخلاف بين البلدين وسنوات القطيعة إلا أنهما جنبا العلاقات الاقتصادية والاستثمارات بين البلدين هذا الخلاف، وظلت العلاقات الاقتصادية مستمرة بينهما.
حيث بلغ حجم الصادرات المصرية إلى تركيا، في 2018 إلى 2.2 مليار دولار، كما ارتفع حجم واردات مصر من تركيا بنسبة 29 في المئة في 2018 ليبلغ نحو ثلاثة مليارات دولار، مقارنة بـ2.3 مليار دولار في 2017.
وشهد الميزان التجاري بين البلدين نموا بنسبة 20 في المئة ليتجاوز 5.2 مليار دولار في 2018 مقارنة بـ 4.38 مليار خلال العام 2017.
هذه التصريحات التركية والمحاولة من التقرب من مصر لم تكن الأولى من نوعها، ففي ديسمبر الماضي، أكد وزير الخارجية التركي أن بلاده ومصر تسعيان لخارطة طريق بشأن علاقتهما الثنائية، وأشار إلى أن التواصل مع مصر على الصعيد الاستخباراتي مستمر لتعزيز العلاقات، وأن الحوار قائم على مستوى وزارتي الخارجية”، وأفاد بأن “التواصل بين البلدين يتم أيضا عبر ممثلتيهما في أنقرة والقاهرة”.
في النهاية يمكن القول أن تركيا دائماً ما كانت تتبع سياسة الهروب من الأزمات فعندما كانت تتدخل في أي بلد وتصل إلى مرحلة من عدم الفائدة أو تتعرض لأزمة تلجأ إلى فتح منفذ لها لتهرب من أزمتها فبعد أزمتها في سوريا لجأت للاتحاد الأوروربي وبعد أزمتها في الاتحاد الأوروربي لجأت إلى ليبيا وها هي اليوم تلجأ إلى مصر لانتشالها من المستنقع الليبي و تهيئة مناخ العلاقات مع كل من السعودية والإمارات لإنقاذ اقتصادها الذي أوشك على الانهيار، إذا العودة التركية إلى الحضن المصري ليست هدف وإنما وسيلة لتحقيق أهداف أكبر تسعى إليها القيادة التركية لإعادة الأمل للاقتصاد التركي وتحقيق الانتعاش من جديد.
المصدر/ الوقت