قسد الانفصاليّة “تسرح وتمرح” في الشرق السوريّ.. وتركيا “تلعب مع الحبلين”
في الوقت الذي عجزت فيه جميع الأطراف المعادية لسوريا عن مواجهة مجريات الأحداث، نتيجة لتعاظم الدور السوريّ على حساب المشاريع الأخرى وبالأخص المشروع التركيّ – الغربيّ في المنطقة، لا يزال البعض يراهن على الحلقة الأخيرة من مسلسل الحرب على سوريا، والتي بيّنت مؤخراً أنّ دخول وفد هولنديّ وآخر فرنسيّ بشكل غير شرعيّ إلى الأراضي السورية بالتواطؤ مع ميليشيات قوات سوريا الانفصاليّة “قسد”، واستمرار النظام التركيّ بسياسة “التتريك” في المناطق التي تنتشر فيها تنظيماته الإرهابية يشكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدوليّ واعتداءً سافراً على السيادة السوريّة، وأكّدت دمشق من جديد أنّها ماضيّة في هدفها الأسمى وهو “بسط سيادة الدولة على كافة أراضيها”، حيث تسيطر قسد الانفصاليّة المدعومة أمريكيّاً على حوالي 25% من الأراضي السوريّة، وتسيطر قوات المعارضة السوريّة المسلحة التابعة لأنقرة والمدعومة من قبل الاحتلال التركيّ والأمريكيّ على 10% تقريباً.
انتهاكٌ فاضح
واضحٌ جاء رد وزارة الخارجية والمغتربين السوريّة، التي أوضحت أنّ ممثلي بعض الدول المشاركة في الحرب على سوريا دأبوا على القيام بممارسات تشكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدوليّ واعتداءً سافراً على سيادة سوريا، وإنّ الشيء الذي أثار حفيظة دمشق التي دخلت مرحلة “الانتصار السياسيّ” هو قيام وفد هولنديّ برئاسة ما يسمى المبعوث الخاص بالملف السوريّ، بالدخول بشكل غير شرعيّ إلى الأراضي السوريّة بالتواطؤ مع ميليشيا “قسد” الانفصاليّة، بحجة تسلم عدد من موقوفي تنظيم داعش المحتجزين لديها.
وباتت “قسد” توصف بأنّها “إسرائيل الجزيرة” في إشارة إلى جرائمها واحتلالها وعدوانها على أصحاب المنطقة، وقد شارفت تلك الميليشيات على حرق جميع مراكبها مع دمشق التي لم تعد تؤمن بأنّ “ملف المفاوضات” مع قسد سوف يؤدي إلى حل، بسبب ارتمائها في حضن المُحتل الأمريكيّ، السارق للنفط السوريّ، وربما رمت دمشق ذلك الملف إلى جانب ملف المفاوضات مع العدو الصهيونيّ الغاشم، لأنّها تؤمن بأنّ أولئك الانفصاليين ليسوا أهل تفاوض لمصلحة سوريا، بل أذرع وأدوات أمريكيّة لا أكثر، والأدلة لا حصر لها.
ولأنّ ممارسات قسد تشترك بشكل كبير مع ممارسات “إسرائيل” المدعومة أمريكيّاً أيضاً، وتحتل ميليشياتها الأراضي العربيّة والسوريّة كما قوات العدو الصهيونيّ، تُشير دمشق إلى أنّ قيام وفد فرنسيّ من مؤسسة “دانييل ميتران” وبلدية باريس بزيارة إلى مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة شمال شرقيّ سوريا، بشكل غير مشروع وبالتواطؤ مع ميليشيا “قسد”، يُعد في إطار الانخراط الفرنسيّ المباشر في العدوان على سوريا، حيث إنّ فرنسا هي “دولة استعمار” بالنسبة للسوريين الذين يذكرون جيداً المجازر التي ارتكبها المستعمر الفرنسيّ في بلادهم بين عامي (1920 ـ 1946) والتي تنافس بأشواط المجازر التي ارتكبها تنظيم “داعش” الإرهابيّ بحق الشعب السوريّ، ولا تزال صور مجازر الاستعمار الفرنسيّ في دمشق شاهداً على إجرام الفرنسيين بحق المواطنين السوريين الأحرار من قطع رؤوس، وإعدامات، وتهجير، وأحكام بالسجن والنفي، ناهيك عن الصور التي توثّق تكبيل بعض العائلات في دمشق ليشاهدوا قتل أبنائهم.
وما ينبغي ذكره، أنّ ميليشيات “قسد” المدعومة أمريكيّاً تحتل أراض عربيّة ليست ذات طابع كرديّ أبداً، وهي مناطق مشتركة بين الكرد والعشائر العربيّة والأرمن والآشوريين، وبالتالي فإنّ كذبة “الشرق السوريّ الكرديّ” لا تعدو عن كونها ترهات روجت لها وسائل الاعلام الأمريكية منذ العام 2014، فيما يحاصر العدو الصهيونيّ القرى والبلدات السورية الرافضة له في الجولان المحتل وتعتقل شباب القرى وتطلق النار عليهم إن خرجوا بتظاهرات ضده، وقسد كذلك تحاصر البلدات والقرى الرافضة لها وتعتقل الشباب وتطلق النار على التظاهرات الرافضة لها، كذلك تدعي “إسرائيل” إقامة دولة دينيّة مبنيّة على ادعاءات كاذبة، وقسد تريد إقامة كيان قوميّ مبنيّ على ادعاءات كاذبة، رغم أنّ الدولة السورية هي أول من دعم الأحزاب والتكتلات الكرديّة لحماية نفسها بوجه الجماعات الإرهابية شرقيّ البلاد، وعندما كانت أمريكا وتركيا تدعمان تنظيم “داعش” الإرهابيّ في معركته ضد الوحدات الكرديّة في مدينة “عين العرب”، كانت دمشق تمد الوحدات بالسلاح والغذاء بعد أن حاصرهم داعش، فيما كانت حوامات الجيش السوريّ بصورة يومية تسقط لهم الإمدادات بصعوبة وحرفيّة، وبعد طرد الإرهابيين من عين العرب (كوباني) انقلبت المليشيات الكرديّة على دمشق وعلى الفور هاجمتها في الحسكة والقامشلي.
سياسة تتريك
على ما يبدو، فإنّ تركيا (أردوغان) لم تعلم الدرس من الصفعة الكبرى التي تلقّتها في العاصمة الاقتصاديّة السوريّة “حلب” والتي أغلقت الباب أمام أي مشاريع أو آمال بسقوط الدولة السوريّة والتي شكلت دفعة قوية رفعت من حجم الانتصار السوريّ بشكل كبير، واليوم تؤكّد دمشق أنّه في إطار الاحتلال التركي الغاشم للأراضي السورية فقد طلبت أنقرة من قواتها التي تعمل مع المجموعات الإرهابيّة في محافظة إدلب الشماليّة، إحداث أمانة عامة للسجل المدنيّ تتبع لها مباشرة، إضافة لتشكيل مجالس محليّة في المدن والبلدات والقرى التي لا تزال تحت سيطرة المجموعات الارهابيّة، كما طلبت سحب البطاقة الشخصيّة والعائليّة الصادرة عن الجهات المعنية في سوريا واستبدالها ببطاقات تركية، الأمر الذي يمثل ذروة “سياسة التتريك” التي ينتهجها النظام الأردوغانيّ، والذي سيقابل برفض مطلق من المواطنين السوريين الأحرار، كما رفض أهالي الجولان العربيّ السوري المحتل، الهوية التابعة للعدو الصهيونيّ، في تعبير واضح عن التمسك بهويتهم السورية والانتماء والولاء للوطن.
وباعتبار أنّ السوريين تعلموا الدرس جيداً من تركيا التي حاربتهم منذ ما يزيد على عشر سنوات وما تزال، أعربت سوريا عن الرفض القاطع والإدانة الشديدة لهذه الممارسات التي تؤكد مجدداً على الإصرار والتصميم على بسط سيادة الدولة على كل أراضيها وتحريرها من الاحتلال الأجنبيّ التركيّ والأمريكيّ وغيره، ليكون المقدمة لسقوط أدواته العميلة من ميليشيات “قسد” الانفصاليّة والمجموعات الإرهابيّة الأخرى.
ومع اختلاط الأوراق في المنطقة، تنتهج تركيا أردوغان سياسة “اللعب على الحبلين”، وخاصة أنّنا بدأنا نشهد مرحلة جديدة وحساسة من تبدل التحالفات وتغير الأهداف والأولويات، حيث تمخضت عن هذه المرحلة مفاجأة كبيرة على صعيد الأزمة السورية، وخاصة بعد تصريحات نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الإخوانيّ الحاكم في تركيا، مصطفى شين، حول إمكانية عودة العلاقات بين تركيا وسورية، متحدثاً أنّ “العلاقات مع سورية ستتحسن بالتأكيد وستعود كما كانت”، قائلاً إن “تركيا ستفتح خطاً لعودة الاتصالات مع مصر، وغداً سيتم تصحيح العلاقات مع سورية بالتأكيد”.
ونعلم جميعاً، الدور المحوريّ الذي لعبته تركيا سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً بالحرب على سوريا ومشاركتها الرئيسة بتدمير سورية، فيما فشل المخطط الرئيسّي لتركيا بتقسيم سوريا على أساس طائفيّ و إضعاف جيشها، نتيجة للانتصارات التي حققها الجيش السوري بدعم من حلفائه وبالأخص “محور المقاومة”، ليبقى التساؤل الأكبر: متى ستقتنع تركيا أن معركتها ضد سوريا قد فشلت؟ ، بعد أن اكتشفت مؤخراً أن صعود الشجرة السورية ليس سهلاً أبداً، عقب الدعم اللامحدود الذي قدمه أردوغان للمعارضة ولداعش وأدواته.
في الختام، من الضروري أن يصغي العالم للمطالب السوريّة المتكررة لإيقاف الحرب التي لم تضع أوزارها حتى اللحظة، والتي تدعو المجتمع الدولي وخاصة الأمم المتحدة وأجهزتها لاتخاذ الموقف الواجب إزاء هذه الممارسات التي تشكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدوليّ، وإلزام حكومات دول العدوان على سورية للإقلاع عن سياساتها التخريبية الهادفة إلى إعاقة عودة الأمن والاستقرار إلى سوريا بعد أن مني مشروعها بالفشل.
المصدر/ الوقت