طبول الحرب تُقرع في ادلب
هناك أخبار متداولة أن حشود عسكرية تتموضع على جانبي ادلب، سواء من جهة مناطق سيطرة الحكومة السورية، او من جهة تواجد الجماعات المسلحة والقوات التركية.
من جهتها أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن الجماعات المسلحة غير الشرعية الناشطة في منطقة إدلب تنقل عناصرها إلى قريتي مجدليا وسان حيث تم تكثيف هجمات منهما ضد مواقع القوات السورية.
وذكر أن مركز حميميم سجل خلال 24 ساعة، 38 عملية قصف من قبل عناصر تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي، بينها 17 في محافظة إدلب و8 في اللاذقية و4 في حلب و9 في حماة.
يجب أن يعرف الجميع أن كل التصريحات الصادرة عن المسؤولين السوريين بشأن تطهير إدلب من الإرهاب التكفيري تؤكد أن المحافظة ستعود إلى حضن الدولة السورية قريبًا، إما عبر الخيار السلمي والتفاوض الذي تفضله الحكومة السورية دائمًا، ليقينها التام أن التفاوض والحوار هما أسلم وأنجح وسيلة لتجنب إراقة الدماء والدمار والخراب، وللحفاظ على سلامة المدنيين والسكان وتجنيب منازلهم التدمير فيبقون فيها آمنين مطمئنين، وذلك من خلال الوصول إلى تسوية تفضي بتسليم الإرهابيين أسلحتهم، وتسوية أوضاعهم، أو مغادرة المنطقة في حال رفضوا ذلك. وإما عبر الخيار الثاني وهو العمل العسكري الذي يكون بمثابة آخر العلاج الكي بالنار، فلا مفر ساعتئذ من تطهير الأرض من رجس الإرهاب التكفيري، وإنقاذ المدنيين من الممارسات والسلوكيات المنحرفة والشاذة والمعتقدات المتطرفة التي تفرضها عليهم التنظيمات الإرهابية التكفيرية.
وكما هو معروف، فالقرار السوري باستعادة محافظة إدلب من براثن الإرهاب التكفيري قد اتخذ منذ فترة، واليقين السوري هو أن المحافظة ستعود حتمًا إلى سيادة الدولة السورية حالها في ذلك حال أي محافظة أو مدينة كحلب وحمص والقصير وريف دمشق ودرعا وغيرها، غير أن التريث السوري ـ مثلما هو ثابت مع كل الخطوات التي يتم بموجبها تطهير أو استعادة منطقة ـ يريد أن يعطي التنظيمات الإرهابية أولًا الفرصة الكافية لمراجعة نفسها، والتذكير بأن ما تقوم به من إرهاب وقتل وعنف وتدمير هو عمل مجرم شرعًا وقانونًا ومدان، ويرتب عليها عقوبات مغلظة، كما أن الوضع في إدلب هذه المرة يختلف عن الوضع الذي كان في حلب أو الغوطة أو حمص أو جنوب سوريا وذلك بإخراج الإرهابيين الذين يرفضون تسوية أوضاعهم إلى منطقة سورية أخرى، فالوضع في إدلب إما التفاوض على الرحيل خارج سوريا وتسليم السلاح ممن أتي بهم من أصقاع العالم أو من السوريين الذين غرر بهم ويرفض تسوية أوضاعه، وإما المواجهة العسكرية التي لن تكون في صالح الإرهاب التكفيري مهما حاول الرعاة والداعمون تقديم الدعم والإسناد، ومضاعفتهما، فلن يكون مختلفًا عن ما سبق في حلب وحمص والغوطة وجنوب سوريا، هكذا حال لسان كل سوري شريف يكره الإرهاب ويرفض وجوده على أرضه، وأصابه الأذى منه.
يعلم رعاة الإرهاب التكفيري في سوريا أن قدرتهم على مواصلة تعطيل الرغبة السورية بتطهير محافظة إدلب من الإرهاب، محدودة، وأن الحسابات والخيارات تضيق مع كل يوم يمر، لذلك يحاولون اليوم تدارك هزيمتهم في إدلب بالتحرك في شرق الفرات، حيث عمليات نقل إرهابيي تنظيم “داعش” من سوريا إلى العراق والعكس صحيح متواصلة، والعمل على مواصلة الرهان على بعض المكونات الكردية التي اختارت طريق التصادم مع الثوابت الوطنية، وبيع الوطن والذمم لأعداء سوريا، وإسناد مخطط تقسيم سوريا، وخصوصًا محاولة فصل مناطق الثروات شرق الفرات لكي تكون نواة المخطط، وقد بدا لافتًا ما صرحت به قيادات كردية، مبدية عزمها السير وراء مخططات أعداء سوريا والمنطقة ومشروعاتهم، وتحقيق أهدافهم وأجنداتهم. لكن في النهاية وكما يعلمنا التاريخ ويؤكده السوريون الشرفاء أنه لا يصح إلا الصحيح، والإرهاب مندحر والأعداء والمرتزقة والخونة إلى زوال وإلى مزابل التاريخ.
التحولات في ادلب
تحظى محافظة إدلب بأهمية استراتيجية، فهي تحاذي تركيا، التي باتت حاضرة بالأزمة السورية.
وتقع مدينة إدلب، مركز المحافظة، على مقربة من طريق حلب-دمشق الدولي، الذي شكَّل لسنواتٍ هدفًا للجيش السوري، إلى أن تمكّن من استعادته كاملاً.
وسيطر على “إدلب” ائتلاف فصائل مسلحة، بينها “جبهة النصرة” قبل فكّ ارتباطها بتنظيم “القاعدة” الإرهابي، ثم دخلت المحافظة في تحوُّلٍ آخر تحت اسم “جبهة فتح الشام” لإثبات المحلية والاعتدال، وعندها أعلنت عن تنظيمها باسم “هيئة تحرير الشام” في يناير/كانون الثاني 2017م ضمن مسعى قائدها، “الجولاني”، ليكون “زعيم إدلب المعترف به”، ومن ثَمَّ تراجعت “تحرير الشام” عن بعض مواقفها ومشاريعها بقبولها وتنفيذها لبنود اتفاقَي “آستانة” و”سوتشي”، وذلك بحثًا عن قبول دولي لها.
وتمكنت قوات الجيش السوري من التقدم جنوب المحافظة تدريجيًّا بعد عمليات عسكرية كان آخرها في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019م، وتقلصت بالتالي مناطق سيطرة “تحرير الشام” إلى أقل من نصف مساحة إدلب.
واليوم تسيطر “تحرير الشام” على ثلاثة آلاف كيلومتر مربع، مقارنة بتسعة آلاف كيلومتر مربع كانت بحوزتها عام 2017م، وتجني عائدات من حركة البضائع عبر المعابر مع مناطق سيطرة الحكومة السورية وتركيا، ويبلغ عدد مقاتليها نحو عشرة آلاف، كما تحتكر توزيع الوقود والمشتقات النفطية، وتبلغ قيمة أرباحها نحو مليون دولار شهريًّا، وتنتشر في المنطقة أيضًا فصائل مسلحة متحالفة مع “الهيئة”، أو على خلاف معها، وأخرى أقل نفوذًا تدعمها أنقرة.
ويقاتل في “إدلب” أشخاص يحملون جنسياتٍ عدة، فيما تنشر تركيا الآلاف من قواتها فيها، وخلال وقف إطلاق النار، الذي ظنَّ كثيرون أنه سيسقط كما الاتفاقات التي سبقته، نشرت تركيا في إدلب نحو 15 ألف جندي، ولا يُعتقد بأن مستقبل إدلب سيبقى كحاضرها، أي منطقة محاصرة مجهولة المصير تسيطر عليها مجموعات متطرفة، تلجأ على الدوام إلى القيام بعمليات تفجير واغتيالات واستهداف مناطق خفض التوتر.
إن استعادة سيطرة الحكومة السورية على إدلب قد تمثل بداية أولية لإعادة بناء اقتصاد سوريا، الذي تقدر الأمم المتحدة أنه يحتاج إلى مساعدات تزيد قيمتها على 250 مليار دولار. ما يمكن تأكيده أن تقدم قوات الجيش السوري في مناطق جنوب إدلب شكّل تحولاً استراتيجيًّا ميدانيًّا ومحوريًّا، ولعله الأهم منذ بداية الأزمة، ولم يقبل الرئيس التركي بهذا التطور، رغم أنه حاول الضغط على الحليف الروسي لإنهاء عمليات الجيش السوري، لكن دون جدوى، باعتبار أن الدولة السورية مصمّمة على استعادة أراضيها وبسْط السيادة عليها ودحر المليشيات المسلحة، وخسارةُ تركيا لمعركة إدلب ربما تقوّض دور تركيا وتنال منها أمام حلفائها خلال تسوية محتملة ومرتقبة.
المصدر / الوقت