الهجمات التركية على مخيم مخمور… بين الصراع الكردي الداخلي والاصطياد الأمريكي في المياه العكرة
دعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تصريح له إلى تطهير مخيم مخمور للاجئين في شمال العراق، حيث قال جاويش أوغلو: كما تحدثنا سابقاً مع المسؤولين العراقيين فمن واجب ومسؤولية الحكومة العراقية إخلاء معسكر مخمور من المسلحين الأكراد. وستقوم تركيا بذلك بمفردها إذا أجبرت على القيام بذلك.
تأتي هذه التصريحات في وقت اعتقدت فيه الحكومة التركية لسنوات أن مخيم مخمور للاجئين أصبح بؤرة لتجمع إرهابيي (حزب العمال الكردستاني) ويجب تفكيكه.الادعاءات التركية الجديدة لمهاجمة المخيم تأتي في ظل مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين في ضربة جوية للمقاتلات التركية يوم الاحد 6 يونيو.
وقد تأسس مخيم مخمور عام 1998 بالقرب من مدينة مخمور شمال العراق. حيث يقع هذا المخيم على بعد 65 كم من أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق وهو قانونياً خارج الحدود الإدارية للإقليم. وكان معسكر مخمور تحت حكم صدام حتى عام 2003، ولم يكن له أي ارتباط بأربيل ولكن بعد الإطاحة بالنظام البعثي عام 2003، فُتحت المنافذ بين أربيل ومخمور وتعامل اقليم شمال العراق مع هذا المخيم كجزء من المناطق الخاضعة له.
وقد تشكل هذا المخيم عندما عبر آلاف الأكراد المقيمين في تركيا الحدود ووصلوا إلى العراق. ففي ذلك الوقت وصفت أنقرة الخطوة الكردية بأنها “استفزازات” من حزب العمال الكردستاني. ومخمور موطن لآلاف اللاجئين الأتراك، والنازحين من القوات الموالية لحزب العمال الكردستاني ومع ذلك، لم يُسمح لهم أبداً بالإقامة أو المشاركة في النشاط الاقتصادي في محافظة السليمانية والمناطق التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني.
وبالنظر إلى ذلك، ان السؤال الذي يطرح نفسه هو كتالي: ما هي أهداف تركيا في الجولة الجديدة من هجماتها على المخيم وما هي الجهات الأخرى المشاركة في هذه الهجمات؟
أنقرة تبحث عن تنفيذ الميثاق الوطني
على الرغم من أن أردوغان وغيره من المسؤولين الحكوميين الأتراك يرون أن قضية حزب العمال الكردستاني تهديداً لأمنهم القومي، وكانوا يهاجمون معاقله باعتباره مجموعة إرهابية، لكن الهدف الرئيسي لتركيا من الهجوم على مخيم اللاجئين والمناطق الأخرى التي يتواجد فيها حزب العمال الكردستاني (PKK) يأتي في سياق تطلعات أنقرة التوسعية وجهودها للوفاء بوعود وتطلعات الميثاق الوطني.
ووفقاً للميثاق الوطني الذي أقرته الدولة العثمانية في عام 1920، هناك حوالي 6 محافظات حالياً في العراق وهي دهوك وأربيل وحلبجة والسليمانية والموصل وكركوك، وفي سوريا أجزاء من حلب وإدلب والرقة ودير الزور، وكذلك أجزاء من جيران تركيا الآخرين مثل بلغاريا واليونان وجورجيا وأرمينيا وجمهورية أذربيجان وحتى إيران بما في ذلك مدينتي ماكو وتشالدران في شمال محافظة أذربيجان الغربية، ستكون جزءاً من الدولة التركية الجديدة.
لكن السياسيين الأتراك كشفوا في مختلف تصريحاتهم عن طموحاتهم في إنهاء لوزان وإبرام لوزان جديدة. في الواقع هم يحاولون العودة إلى الميثاق الوطني وتنفيذ خطة لوزان الجديدة بالإعلان عن نهاية لوزان. فمعاهدة لوزان كانت معاهدة سلام تم الاتفاق عليها في 24 يوليو 1923، في لوزان سويسرا لحل النزاع الذي بدأ في الحرب العالمية. وكانت المعاهدة بين الجمهورية الفرنسية الثالثة والإمبراطورية البريطانية وإمبراطور اليابان وملك إيطاليا وملك اليونان آنذاك وملك رومانيا وملك يوغوسلافيا.
في الواقع أن الحكومة التركية عازمة على الهجوم على هذه المنطقة بحجة وجود أنصار حزب العمال الكردستاني في مخيم مخمور والهدف زيادة عمق نفوذها في العراق. حيث تقدمت تركيا مؤخراً إلى عمق 30-40 كم في العراق والآن بحجة وجود جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية تعتزم مواصلة تقدمها من أجل ممارسة جزء من سيادتها على ولاية الموصل السابقة وفقاً للميثاق الوطني. بشكل عام يمكن القول أن (kkk) ووجودها الميداني في المنطقة أصبح الآن نقطة محورية لتقدم تركيا في المنطقة.
اشتداد الانقسامات بين الحزب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني
لطالما كانت الهجمات التركية على مخيم مخمور أو قضية الوجود التركي في شمال العراق، مصدر توتر وصراع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وحزب العمال الكردستاني. فمن جهة يرى الحزب الديمقراطي أن الوجود التركي في جبال قنديل والمناطق الخاضعة لسيطرة إقليم كوردستان قد أعطى الجيش التركي الذريعة اللازمة لشن ضربات جوية عسكرية. ومن ناحية أخرى يتهم (pkk) الحزب الديمقراطي بالخيانة والتعاون مع تركيا في مهاجمة مواقع الجماعة. يعتبر هذا عاملاً من عوامل التوتر والمنافسة الشديدة بين الحزبين.
ووسط هذه التطورات هاجمت قوات حزب العمال الكردستاني يوم الأحد قوات البيشمركة في مدينة أمدي في دهوك، ما أسفر عن مقتل 5 من قوات البيشمركة وإصابة 2 آخرين. ما سبب تصعيد التوترات بين مؤيدي ومعارضي كل من الحزب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني.
هذا وترى أربيل التي أقامت علاقات اقتصادية واسعة النطاق مع تركيا في تصرفات حزب العمال الكردستاني إزعاجاً لعلاقاتها مع أنقرة كما أرجعت بعض الاحتجاجات الشعبية ضد الوضع الاقتصادي غير المواتي والفساد المستشري في المنطقة في الأشهر الأخيرة إلى تصرفات عناصر حزب العمال الكردستاني وهو السبب في عدم وجود رد جاد على الهجمات التركية الذي يمكن أن يتابع من خلال التعاون مع بغداد.
أمريكا تحاول استغلال أزمة مخمور
إضافة إلى النزاعات الكردية الداخلية وأهداف أنقرة في مخيم مخمور، وضعت الحكومة الأمريكية أيضاً هذه القضية على جدول أعمالها خدمة لمصالحها. فمن جهة أعلنت الحكومة التركية أن الهجوم على مخيم مخمور للاجئين تم بعد ابلاغ الحكومة الأمريكية لكن واشنطن رفضت على الفور مزاعم أنقرة.
وفي هذا الصدد، أعرب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة عن قلقه من الغارات الجوية التركية على مخيم مخمور للاجئين، وقال “لقد أوضحت للمسؤولين الأتراك أن أي هجوم على المدنيين اللاجئين في مخيم مخمور انتهاك للقانون الدولي والإنساني. إنني قلق للغاية من العنف بالقرب من المخيم وأدعو جميع الأطراف إلى احترام حقوق اللاجئين.
فعلى عكس هذه التصريحات، يمكن رؤية الجانب الخفي من القضية في استغلال واشنطن السياسي والأمني للهجوم على مخمور حيث ترى الولايات المتحدة أن الوجود التركي في العراق والهجوم العسكري التركي في الشمال ذريعة للبقاء في العراق.
ومن جهة أخرى إن الهجمات التركية ستجعل الأكراد يطالبون بضرورة الوجود الأمريكي لحماية أمنهم، وبالنسبة لبغداد فهي تذكر بأن الوجود الأمريكي في العراق أمر ضروري لمواجهة التهديدات الأمنية. لكن إعلان الولايات المتحدة رسمياً معارضتها للهجمات التركية ليس له أي أساس واقعي، والرضا النسبي للولايات المتحدة وراء الكواليس هو سبب التهديدات التي تشكلها هجمات أنقرة على إقليم كردستان العراق. لذلك يبدو أن أي انتظار للأكراد بدعم تركي في مواجهة الهجمات الأمريكية لن يكون إلا المضي في مسار تكرير الخيانة وتجاربهم السابقة الفاشلة.
المصدر / الوقت