التعاون الاستخباراتي الأمريكي – السعودي في اليمن
أصبح السعوديون غير قادرين على إدارة أزمة الحرب اليمنية، حيث إن تصعيد هجمات أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” على المواقع الاستراتيجية داخل العمق السعودي، تشير إلى المستوى العالي الذي وصلت لها المقاومة اليمنية خلال السنوات الماضية. وعلى الرغم من اعتبار الرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن” الحرب اليمنية أنها تعتبر أول قضية خارجية أمريكية ودعوته لإنهاء الحرب اليمنية بإعلانه تعليق مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات، إلا أن الحقائق على الأرض تتناقض مع تصريحات هذا الرئيس الأمريكي الجديد. وأصبح لا يخفى على أحد الدور الخبيث والمشبوه التي قامت به واشنطن بمساندتها لتحالف العدوان السعودي في عدوانه على أطفال اليمن خلال السنوات الماضية من خلال تقديم كل أشكال الدعم العسكري والاستخباراتي لها وبيعها قنابل عنقودية للرياض وأبوظبي، ولقد أصبح واضحاً، كالشمس في كبد السماء أن الولايات المتحدة هي من تعتدي على الشعب اليمني وتقتلهم وترتكب ابشع المجازر الوحشية بحقهم وإن اختلفت الوسائل فيما مضى ، فهي كانت تقتلهم، وما زالت تقتلهم بعدوانها الغاشم الذي اعُلن من واشنطن ولكن بصورة أكثر اجراماً ومجازر أكثر وحشية وعلى مرأى ومسمع الجميع بلا استثناء غير مكترثة بالمواثيق الدولية وقوانين حقوق الانسان التي ضربت بها عرض الحائط.
لقد كانت اليمن ضمن دائرة الاستهداف الأمريكي؛ لكونها تتمتعُ بمواصفات الموقع الاستراتيجي الذي يمنح واشنطن امتيازات السيطرة على أهم مفاصل طرق التجارة الدولية ونقل الطاقة، مضافاً إليها مخزون الثروات الهائلة فيها، فتضمن بذلك أوراق الضغط على تجارة الصين الذاهبة إلى القارة الإفريقية والأوروبية، كما تضمن بقاء دول أوروبا العظمى في دائرة التبعية لها، وبذلك تكون أمريكا صاحبة اليد العليا في التحكم بالمصير العالمي أمام أقوى الخصوم الدوليين. وهنا يمكن القول إن القنابل الأمريكية المحرمة دولياً كانت إحدى الجرائم الشنيعة التي ارتكبها تحالف العدوان في اليمن منذ ستة أعوام وحتى الآن، فمخلفات العدوان من تلك القنابل والصواريخ و الألغام وغيرها من المخلفات المحرم استخدامها دوليا والتي يستخدمها على مساحات كبيرة من الأرضي اليمنية بطريقة ممنهجة ومقصودة جعلت من اغلب المحافظات موبوءة بهذه المخلفات ليخلق بذلك أكبر كارثة إنسانية تهدد حياة الملايين، وتحصد حياة الآلاف من الأبرياء وتتسبب بآلاف الإعاقات الدائمة لآخرين غالبيتهم من النساء والأطفال، ليثبت بذلك وحشيته وبربريته التي تعكس حقده الدفين والبغيض على شعب ووطن بأكمله ويعبر عن سقوطه الأخلاقي والإنساني والنهج الإجرامي الذي يتبعه في عدوانه.
فالحرب على اليمن أمريكية بامتياز، ولا مجال للشك في ذلك، فلولا الإرادة الأمريكية لما تجرأ الإماراتي والسعودي على شن حرب على اليمن أو حتى الاستمرار فيها لولا أن أمريكا هي من تقف وراء هذه الحرب. فالأمريكي هو صاحب القرار وهو من أعطى الأوامر وهو من دعم عسكريا واستخباراتيا وسياسيا وإعلاميا، وأيضاً من هيأ مسبقا للعدوان، كما أنه هو من يقف وراء الحصار ووراء منع أي تحرك دولي لفك الحصار أو إيقاف الحرب، فأمريكا هي من تقتل الشعب اليمني. وفي خضم الجدل الأمريكي حول إنهاء الحرب في اليمن، تحاول واشنطن وحلفاء السعودية الآخرون إحداث أقل قدر من الضرر على السعودية والحصول على تنازلات من حكومة صنعاء. وبينما يزعم الأمريكيون أنهم دعوا إلى إنهاء الحرب اليمنية وأعلنوا ذلك للسعوديين، يستمر قصف وهجوم قوات تحالف العدوان الذي تقوده السعودية على مواقع المدنيين اليمنيين، وهذا الأمر أجبر العميد “يحيي سريع” المتحدث باسم قوات صنعاء على الاعلان عن العملية الأخيرة التي نفذها أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” في مدينة جيزان والتي جاءت كرسالة واضحة للعدو أن قوات أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” ليست فقط قادرة على الرد بل هي في حالة ردع كامل، وإذا لم يتم وقف الحصار والعدوان، فسيكون لدى اليمنيين حافز أكبر لمقاومة العدو وشن العديد من الهجمات داخل المملكة.
وفي حين أعلنت واشنطن خلال الفترة الماضية تقليل الدعم الاستخباراتي للسعودية، تكشف مجلة فرنسية عن تعاون استخباراتي أمريكي سعودي جديد. حيث كشفت مجلة “إنتلجنس أونلاين” الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، أن شركة “فايف دومينز” الأمريكية بمساعدة من عملاء سابقين في وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي الأمريكية، قد بدأت العمل مع السعودية على دمج جميع بيانات المخابرات العسكرية، فيما يعد واحدًا من أكثر العقود استراتيجية للمملكة، في الوقت الذي يُبدي فيه البيت الأبيض رغبته بإعادة تقويم العلاقات مع الرياض. وبدأت الشركة العمل بنشاط بالتعاون مع شركة “AITC” منذ فوزها بعقد مبيعات استراتيجي لصالح الرياض في أواخر ديسمبر الماضي، وستعمل على مساعدة المخابرات السعودية في تصنيف وتحليل بيانات المخابرات المهمة عسكريًا، والتي تُجمع من مصادر مختلفة، سواء كانت عبر الاستخبارات البشرية أو الاعتراضات أو الصور.
تم إنشاء المشروع المشترك بين شركتي “فايف دومينز” و”AITC” ومقرها فلوريدا، خصيصًا من أجل هذا العقد مع السعودية، وقد وظفتا فريقًا كبيرًا من خبراء الإنترنت والاستخبارات من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبنتاغون ووكالة الأمن القومي وحرس السواحل الأمريكي. وفي حين عمل الكثيرون من هؤلاء الموظفين في إدارة البرامج، فإن بعضهم عمل في أفغانستان والعراق، كما عمل البعض في الاستخبارات التقنية في المنطقة مثل مايكل كيربي، والذي عمل في فرع المخابرات في مشاة البحرية قبل أن ينضم إلى صفوف وكالة المخابرات المركزية لمدة 10 سنوات تقريبا. وبحسب المجلة الفرنسية، فإن هناك العديد من الخبراء في الشأن السعودي في مجلس إدارة “فايف دومينز”، مثل “باتريك باسكال”، الذي كان الرجل رقم اثنين في مركز القيادة المركزية الأمريكية في الرياض، و”شارلز سانت كلير” الذي خدم كضابط جيش أمريكي في عملية “العزم الصلب” الأمريكية ضد “الدولة الإسلامية” في العراق وعمل لبعض الوقت في “أمازون”. ويأتي هذا التعاون في الوقت الذي أعلن فيه البيت الأبيض أنه يريد تقليل الدعم الاستخباراتي للعمليات العسكرية السعودية في اليمن، لكن الواقع أن عقد “فايف دومينز”، يفترض أن يجعل هذا الدعم أكثر كفاءة بمرور الوقت.
كما كشفت مصادر أمنية أمريكية لـ”سي إن إن” طبيعة المساعدة التي توفرها واشنطن لتحالف العدوان السعودي في عملياته التي تستهدف أبناء الشعب اليمني، فأكدت أن واشنطن لا تحدد للرياض الأهداف الواجب قصفها، بل تكتفي بتقديم معلومات حولها. وقالت مصادر من القيادة الأمريكية المركزية في الشرق الأوسط أن توجيهات سرية أعطيت للقوات الأمريكية في المنطقة من أجل التعامل مع الطلبات السعودية للحصول على معلومات حول أهداف محتملة باليمن. وبموجب تلك التوجيهات، فإن القوات الأمريكية لن تقدم للسعوديين معلومات مباشرة حول القصف بمعنى أنها لن توفر لهم قائمة بأهداف يتوجب ضربها، وإنما تقدم معلومات حول الأهداف المقترحة من الجانب السعودي بحيث تحدد إمكانية وجود خطر لإصابة المدنيين أو منشآت مدنية محمية مثل المستشفيات والمساجد.
وتستند القوات الأمريكية في معلوماتها حول طبيعية الأهداف الموجودة بالمنطقة إلى صور توفرها الأقمار الاصطناعية التي تحلق فوق اليمن. وتشكل قضية مساعدة الولايات المتحدة للسعودية في غاراتها باليمن قضية حساسة في واشنطن، نظرا لإمكانية تحميل الإدارة الأمريكية مسؤولية سقوط خسائر بين المدنيين، وقد أشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن وزير الدفاع، “أشتون كارتر”، تحدث إلى نظيره السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، من أجل التأكيد على الحد من الخسائر بين المدنيين. وكان وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، “أنطوني بلينكن”، قد أشار إلى أن واشنطن توفر الكثير من المساعدات للجانب السعودي من خلال تسريع تسليم الأسلحة وتعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية وصولا إلى التنسيق الأمني عبر خلية عسكرية أمريكية تضم 20 عنصرا بينهم جنرال يعملون في مركز التنسيق للعمليات السعودية. وقد وعدت واشنطن الرياض بإعادة تزويدها بالذخيرة تعويضا لها عن ما استخدمته خلال أسبوعين من القصف.
إن السعودية أصبحت الآن في مرحلة لا تملك فيها السلطة لتقرير ما إذا كانت ستواصل الحرب أو تنهيها، وذلك لأن الأمريكيين هم من يقودون العملية عمليا، كما أن المسؤولين السعوديين وشخص ولي العهد “محمد بن سلمان” لا يجرؤون على التعليق على هذه الحرب إضافة إلى عجزهم عن اتخاذ اي قرارات تخص هذه الحرب بدون الرجوع إلى البيت الابيض، والآن إذا تحدث ولي العهد السعودي الشاب عن السلام والمفاوضات مع حركة “أنصار الله”، فإنه من المؤكد أصبح يخاف على مستقبله السياسي عقب فشله في هذه الحرب العبثية.
المصدر/ الوقت