التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

العلاقة بين المغرب وإسبانيا على صفيح ساخن.. التفاصيل والتبعات 

أزمات جديدة شهدتها الأيام الماضيّة في العلاقة بين المغرب وإسبانيا، وصلت إلى كل القضايا التي تربط بين البلدين، وإنّ سر الخلاف يكمن في ملف إدخال الرباط في حظيرة التطبيع الأمريكيّة مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربيّة على الإقليم الصحراويّ التابع لجبهة “البوليساريو”، الشيء الذي وتّر العلاقات المغربيّة الإسبانيّة بشكل كبير، حيث تعتبر مدريد أنّ ذلك يقوض النفوذ الذي تحتفظ به إسبانيا وفرنسا على المنطقة المغاربيّة، وفي الوقت ذاته يعزز دور أمريكا في المنطقة والموقف المغربيّ في التنافس الذي يحافظ عليه مع الاتحاد الأوروبيّ لاستغلال مياه الصحراء التي تُعد منطقة غنيّة بالمعادن مثل التيلوريوم أو الكوبالت أو الرصاص، وقبل مدة كررت وسائل الإعلام الإسبانيّة، أن حكومة البلاد تدرس تحويل مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين إلى منطقتين عسكريتين، من أجل مواجهة “طموحات المغرب”، في ظل القلق الإسبانيّ العارم إزاء قضية “التوسع الإقليميّ للمغرب”.

وفي الأسبوع الأخير، وصلت العلاقة بين البلدين إلى العداء المعلن في كل الاتجاهات، بدءاً من قضية الصيادين الإسبان الذي يستغلون السواحل المغربيّة، ومروراً بمساعي إسبانيا إلحاق سبتة ومليلية بمنطقة “شنغن” والاستعانة بالاتحاد الأوروبيّ لمواجهة الرباط وإثارة قضايا المخدرات القادمة من الموانئ المغربيّة، وليس انتهاء عند دخول أكثر من عشرة آلاف مغربيّ منهم قاصرون إلى سبتة المحتلة وتلويح المغرب بملف الغاز كورقة ابتزاز، ما عمق الخلاف أكثر بكثير بين البلدين وجعله يأخذ بعداً أوسع عقب تدخل البرلمان الأوروبيّ والإفريقي والعربيّ ومنظمة التعاون الإسلاميّ.

نزاع مُستفحل

بات معروفاً أنّ الأزمة بين المغرب وإسبانيا بدأت على خلفية نزاع الصحراء المتمثل في موقف إسبانيا بمعارضة موقف أمريكا تجاه سيادة المغرب على الأراضي التي يحتلها في الصحراء الغربيّة، وبعدها أثارت قضية استقبال إسبانيا للأمين العام لجبهة البوليساريو ورئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطيّة، إبراهيم غالي، على أراضيها غضب المغرب بشكل كبير، لأنّ سلطات البلاد تخوض نزاعاً مع ما تعرف بـ “جبهة البوليساريو” على الإقليم الصحراويّ، وتحاول الرباط بكل ما أوتيت من قوة تطبيق مبادرة الحكم الذاتيّ للإقليم الصحراويّ ولكن تحت سيادتها، فيما تُصر جبهة البوليساريو على رفض الخطة المغربيّة الراميّة للسيطرة على أراضيهم، فيما تعتبر الأمم المتحدة جبهة البوليساريو الممثل الشرعيّ الوحيد للشعب الصحراويّ، وتطالب السلطات المغربية بضرورة ترك حق تقرير المصير للصحراويين أنفسهم.

تبع ذلك تساهل مغربيّ في مراقبة الحدود، وتفاقمت الأزمة الثنائيّة بين البلدين وخاصة بعد قرار الرباط سحب سفيرتها من مدريد ثم تنبيه إسبانيا للمغرب بعدم “الابتزاز من خلال هجرة القاصرين في سبتة“، وفجأة أخذت الأزمة بعداً واسعاً من خلال تدخل برلمانات إقليميّة، حيث إنّ قلق مدريد ينبع من المنافع الاقتصاديّة التي ستجنيها الرباط من اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، وقد بيّنت مواقع إخباريّة إسبانيّة، في وقت سابق، أنّ المشروع العملاق لإنشاء خط أنابيب غاز يربط نيجيريا بالمغرب وأوروبا، لابد أن يمر عبر الصحراء الغربيّة التي يسيطر المغرب على حوالي 80% من أراضيها عقب انسحاب موريتانيا من الصحراء الغربية عام 1979، والتي تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع.

وتشير الواقع إلى أنّ كلا البلدين لا يوفران جهداً في تأزيم العلاقات وزيادة حدة المشكلات وطرح الملفات الحساسة والعالقة دفعة واحدةومنذ بداية الأزمة لم يخفِ رئيس الحكومة المغربيّ، سعد الدين العثماني، طرح ملف سبتة ومليلية المحتلتين من إسبانيا بعد ما أسماه “حل نزاع الصحراء الغربيّة” الذي يحظى بالأولوية بالنسبة لبلاده، ومؤخراً أوضحت وسائل إعلام إسبانيّة أنّ مدير مكتب رئيس الحكومة الإسبانيّة، إيفان ريدوندو، صرح أمام لجنة شؤون الأمن القوميّ في البرلمان، أنّ الحكومة الإسبانيّة تدرس خطة لتحويل سبتة ومليلية المُحتلتين إلى قلعتين عسكريتين حفاظاً على الأمن القومي الإسبانيّ.

الشيء الأكبر الذي يشي بتأزم أكبر ستشهده العلاقة بين البلدين في الأيام القادمة، هو تعارض المطالب بين البلدين بشكل كامل، إذ تصر الرباط على ضرورة توقف مدريد عن عرقلة أيّ مبادرة أوروبية مستقبليّة ترمي إلى الاعتراف ولو النسبيّ بسيادة المغرب على الصحراء مثل الترحيب الواضح بالحكم الذاتيّ حلاً معتمداً، فيما تشدّد إسبانيا رفض مشروع الاعتراف المغربيّ، بل تتشبث بمواقف الأمم المتحدة في هذا الإطار.

وتعتبر تقارير إسبانيّة، أن خطط المغرب لإعادة التسلح إلى جانب اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء “تمثل تحدياً لوحدة الأراضي الإسبانيّة وللمصالح الاقتصادية الأوروبيّة”، وقد أوضح مدير مكتب رئيس الحكومة الإسبانيّة، وجود خطة أمنيّة جديدة ستعتمدها الحكومة، ابتداء من الصيف المقبل، للتركيز على تحويل الثغرين المحتلين إلى مناطق عسكريّة، ولم يسبق للعلاقة بين البلدين أن اتخذت شكلاً كهذا في تاريخها.

ويمكن استنباط قلق الحكومة الإسبانيّة من خطط الرباط المتعلقة بالتفوق العسكريّ الإقليميّ من خلال وسائل الإعلام الإسبانيّة، ويضع المغرب ضمن أهدافه كسر النفوذ الجزائريّ في المنطقة اقتصاديّاً وعسكريّاً بالاستناد إلى دعم الولايات المتحدة والسعودية، وقد تطور الجيش المغربيّ عسكريّاً في السنوات الأخيرة بعد حصوله على موارد ماديّة مكنته من تنويع مصادر التزود بالأسلحة، إضافة إلى زيادة كبيرة في ترسانته الحربيّة، في ظل تحذيرات داخل إسبانيا من سباق التسلح المغربيّ، لأنّه يولد “عدم استقرار استراتيجيّ” على المديين القصير والمتوسط في شمال إفريقيا، كما أنّ إحكام السيطرة على الصحراء الغربيّة يمكن أن يمثل على المدى الطويل، تحدياً لوحدة أراضي إسبانيا، ما يعني بالفعل أن العلاقات بين البلدين تتجه بشكل كبير نحو الهاوية.

أزمة دوليّة

“لن نكف عن مساعينا الحثيثة لمنعكم من السيطرة على كامل الإقليم الصحراويّ بعد التطبيع مع كيان الاحتلال والحصول على الضوء الأخضر الأمريكيّ”، رسالة إسبانيّة واضحة للمغرب التي تسعى للسيطرة على كامل الإقليم الصحراويّ الذي يشهد نزاعاً مع جبهة البوليساريو منذ العام 1975، وذلك بعد انتهاء فترة وجود الاحتلال الإسبانيّ في المنطقة، ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991 واستمرت لمدة 16 عاماً، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، وتطالب الجبهة باستفتاء عادل يقرر مصيرهم وتعتبره السيناريو الأمثل لحل الأزمة التاريخيّة، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات آلاف اللاجئين من منطقة الصحراء الغربيّة.

وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين إسبانيا والمغرب تأزماً غير مسبوق، استعانت مدريد بالبرلمان الأوروبيّ الذي انتقد القرارات الأخيرة للمغرب، ورفض استخدام قضية هجرة القاصرين في الضغط السياسيّ، وزعم أنّ سبتة المحتلة هي من حدود الاتحاد الأوروبيّ، مؤكّداً موقفه الداعم للأمم المتحدة في نزاع الصحراء (وهو ما تؤيده إسبانيا)، ليأتي الرد من البرلمان العربيّ الذي أصدر بياناً في اجتماع طارئ، انتقد فيه تدخل البرلمان الأوروبيّ في الملف الثنائيّ بين المغرب وإسبانيا، وانضم البرلمان الإفريقيّ لاحقاً إلى رفض القرار الأوروبيّ، منبهاً إلى ضرورة التزام بالحياد في النزاع الثنائيّ، فيما أصدرت كذلك الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلاميّ بياناً تطالب فيه الاتحاد الأوروبيّ بدور إيجابيّ غير منحاز.

ومن النادر حصور مثل تلك المواجهات السياسيّة بشكل مباشر وصريح، فمن ناحية تستند إسبانيا بقوة على البرلمان الأوروبيّ، ومن ناحية أخرى يحصل المغرب على الدعم من طرف البرلمان الإفريقيّ والبرلمان العربي ومنظمة التعاون الإسلاميّ، ولم تحصل مثل هذه المواجهة منذ فترة طويلة، لأنّ الأزمة بين البلدين أصبحت تتفاقم بشكل سريع وتأخذ أبعاداً كبيرة بسبب المصالح السياسيّة والاقتصاديّة الدوليّة، وبذلك باتت المواجهة الإسبانيّة – المغربيّة توصف بأنها نسخة جديدة من مسلسل المواجهة بين الشرق والغرب، بسبب تدخل أطراف متعددة نتيجة العناصر الدينيّة والثقافية المكونة لكل طرف، إضافة إلى عناصر تاريخيّة مثل تصفية الاستعمار في سبتة ومليلية.

في المحصلة، من الصعب جداً أن نشهد تقارباً بين المغرب وإسبانيا على المستوى القريب، في ظل الصراع المُستميت على النفوذ، بل من المحتمل أن تشهد الأيام القادمة توترات جديدة بين البلدين، وأن تتفاقم العلاقات الدبلوماسيّة بينها بشكل أكبر، والتي وصلت مؤخراً إلى حد القطيعة، وقد تكون الأزمات الأخيرة مجرد فاتحة للأزمات المعقدة للغاية، وربما تتحول الأزمة الثنائية إلى أزمة حضاريّة وثقافيّة شاملة ذات مضمون سياسيّ واقتصاديّ بحت.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق