التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

عروض إسرائيليّة لطرد كابوس الوحدة الفلسطينيّة 

عقب المزاعم التي صدرت عن حركة “فتح” التي يترأسها الرئيس الفلسطينيّ، محمود عباس، والتي اتهمت حركة “حماس” بالإصرار على “الانفصال” بعد تعديل لجنتها الحكومية في قطاع غزة، وفي ظل معارضة الكيان الصهيونيّ الشرسة، لأيّ اتفاقات ترفع من احتماليّة حدوث المصالحة الفلسطينيّة، أو حدوث أيّ تعاون وتقاسم للحكم بين حماس والسلطة الفلسطينيّة، دعا رئيس الشعبة الفلسطينيّة بجهاز الاستخبارات العسكريّة (أمان)، ومستشار الشؤون الفلسطينية بوزارة الحرب الإسرائيليّة، ميخال ميليشتاين، بمقال على القناة الـ12 العبريّة، إلى التنسيق مع السلطة الفلسطينيّة لمواجهة صعود حماس من خلال تعزيز الإجراءات الدراماتيكيّة التي من شأنها تحسين الواقع المدنيّ في الضفة الغربيّة، من خلال تشجيع الاستثمار الأجنبيّ، وتطوير البنية التحتيّة، وتوسيع تصاريح العمال والتجار، والاستمرار فيما أسماه ضمان عدم قيام حماس “برفع رأسها” في جميع المجالات، وإحكام التنسيق مع السلطة الفلسطينيّة على جميع المستويات.

وبالتزامن مع الرفض الأمريكيّ والصهيونيّ لوجود أيّ تحالف بين حركة فتح وحركة المقاومة الإسلاميّة، ادعى ميليشتاين أنّ حرب غزة الأخيرة أدت إلى تقويض العديد من الافتراضات الأساسيّة لكل من الكيان وحماس، لأن الحركة تنظر إلى الاستقرار الأمنيّ النسبيّ في الضفة الغربيّة باعتباره أحد تحدياتها الاستراتيجيّة، وخاصة أنها على مدى عقد ونصف العقد سعت بقوة ولكن دون نجاح كبير، لإشعال النار في منطقة الضفة الغربيّة من أجل إحداث “انتفاضة ثالثة”، وتشجيع موجة من العمليات الشبيهة بالانتفاضة الثانية بحسب وجهة نظره، متناسيّاً الخطط الإسرائيليّة الرامية لقضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربيّة المحتلة و وضعها تحت سيادة الكيان القاتل.

ويزعم الضابط الصهيونيّ أنّ الضفة الغربية لا تزال مستقرة نسبيّاً على الصعيد الأمنيّ، رغم الأزمات الحادة التي نشأت بين العدو والفلسطينيين، بما في ذلك 4 حروب قويّة في قطاع غزة، ونقل السفارة الأمريكيّة للعاصمة الفلسطينيّة القدس، وإعلان “صفقة القرن” (مشروع لتصفيّة القضيّة الفلسطينيّة) التي أثارت خلافاً بين تل أبيب ورام الله، متحدثاً أنّ الفلسطينيين في الضفة الغربيّة يعيشون في مرحلة ما بعد “الانتفاضة الثانية”، وخاصة على صعيد التجنب المبدئيّ للسلطة الفلسطينية لاستخدام العنف، وفرض قيودها المستمرة على حركة حماس، لأن ذلك يشكل خطراً على وجود السلطة، في حين ينتهج الكيان سلوكاً سياسيّاً وأمنيّاً يحافظ على ما وصفه بـ “نسيج الحياة المدنيّة” في الضفة الغربية، في ظل تسارع المخططات الاستيطانيّة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس خلال العام 2020 من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال الغاشم وقتل أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967 من جهة أخرى، ناهيك عن قيام جنود العدو باستهداف الشبان الفلسطينيين وإعدامهم بدم بارد وبحجج واهية.

وفي هذا الشأن، أشار رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز “موشيه دايان” بجامعة تل أبيب، إلى أنّ حرب غزة الأخيرة شكلت نوعاً من الاختبار لإثبات صحة الافتراضات الصهيونيّة الأساسيّة حول الفلسطينيين، حيث قوضت بعض الافتراضات في ما يتعلق بقطاع غزة وحماس، وعلى رأسها المزاعم التي تنص على أن حماس غير مهتمة بالتصعيد، وتعطي الأولوية لاعتبارات الإدارة المعيشيّة على الاعتبارات الأيديولوجيّة الخاصة بالصراع الحازم ضد كيان الاحتلال، وذلك عقب الحرب العدوانيّة الأخيرة التي شنّها العدو على غزة ولقّنته دروساً على مختلف المستويات رغم الدماء والخراب الذي تركته آلته العسكريّة الاستعماريّة.

وفي محاولة فاشلة لشق الصف الفلسطينيّ لمنع تشكيل جبهة وطنيّة لمواجهة الكيان الصهيونيّ الغاصب، ذكر الباحث الأول في معهد السياسة والاستراتيجية في IDC هرتسيليا، أن “الوضع في الضفة الغربية، يقوم على جملة افتراضات صهيونيّة أساسية متعلقة بمصالح السلطة الفلسطينيّة والجمهور الفلسطينيّ، لكن الواقع على الأرض أثبت أنها غير صالحة، فرغم الحرب الصعبة التي فرضها الكيان على قطاع غزة، لكن لم تنشأ جبهة مسلحة أخرى ضد العدو انطلاقا من الضفة الغربية، رغم ظهور عدد من التوترات في جميع أنحائها، شارك فيها بضعة آلاف من الفلسطينيين”، رغم أنّ الحرب الأخيرة على القطاع أثبتت بكل المقاييس الوحدة الوطنيّة الكبيرة للفلسطينيين في الداخل والخارج والدلائل لا حصر لها.

وفي دليل جديد على أنّ السلطة الفلسطينيّة خذلت الشعب الفلسطينيّ وأعادت غرز خنجر الحقد الصهيونيّ والخيانة العربيّة في ظهر قضيّتهم، كتب مستشار الشؤون الفلسطينية بوزارة الحرب الإسرائيليّة: “كان لافتاً أنّه في أكثر الأيام توتراً في الضفة الغربيّة، يوم 15 مايو/ أيار المنصرم، حين قتلنا 10 فلسطينيين -الأرقام أكثر بكثير- ، فإن هذا لم يؤد إلى خلاف بين حكومتنا والسلطة الفلسطينية”، معتبراً أنّ ذلك لا يجب أن يمنح “إسرائيل” شعوراً بالراحة، وهذا الكلام يناقض تماماً ما تحدث به ميليشتاين حول أنّ أهالي الضفة الغربيّة يعيشون في مرحلة ما بعد “الانتفاضة الثانية”.

وفي تناقض آخر لفت رئيس الشعبة الفلسطينيّة بجهاز الاستخبارات العسكريّة (أمان)، إلى أنّ الواقع الأمنيّ في الضفة الغربية المحتلة “كان ولا يزال هشاً، وعرضة للتدهور”، لسببين رئيسيين: الأول تدهور الوضع الاقتصاديّ للفلسطينيين، وهي قضية تقع في قلب الأولويات العامة، والآخر إمكانية إلحاق ضرر صارخ بالأماكن المقدسة، وخاصة المسجد الأقصى المبارك.

“الاستقرار النسبيّ في الضفة الغربيّة ليس بديهيّاً”، يقول ميخال ميليشتاين الذي شدّد على ضرورة أن يعمل الكيان بقوة لتقويته، وخاصة بعد حرب غزة، التي برزت فيها حركة حماس كزعيم وطنيّ جريء، مقابل أبي مازن الذي ظهر مقيداً بـ”التنسيق الأمنيّ المقدس”، وغير قادر على النهوض بالمقاومة البطوليّة، ففي الوقت الذي أجمعت فيه الفصائل الفلسطينيّة على اختيار طريق المقاومة أصرت السلطة على استخدام منهج خنوعها الذي لم يجلب لها سوى الخيبة والهزيمة أمام العدو الصهيونيّ، وأسقطها من قلوب الفلسطينيين وجعلها أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته.

ولوضع العصي في عجلة الوحدة والشراكة بين الفلسطينيين، وعرقلة وصولهم إلى اتفاق على استراتيجيّة وطنيّة يعيدون فيها بناء مؤسساتهم، وبالتالي تأجيل إطلاق يد المقاومة لمواجهة الاحتلال الصهيونيّ وقطع يده الإجراميّة، أكّد ميليشتاين أنّ “تل أبيب مطالبة بالفعل بتعزيز الإجراءات الدراماتيكيّة التي من شأنها تحسين الواقع المدنيّ في الضفة الغربيّة، من خلال تشجيع الاستثمار الأجنبيّ، وتطوير البنية التحتيّة، وتوسيع تصاريح العمال والتجار، والاستمرار في ضمان عدم قيام حماس برفع رأسها في جميع المجالات، وإحكام التنسيق مع السلطة الفلسطينية على جميع المستويات”.

ومن الجدير بالذكر أنّ حركتيّ فتح وحماس، تريدان لفلسطين أن تنعتق من الكيان الصهيونيّ الغاشم، مع اختلاف كبير في اختيار وسائل هذا التحرير، ولم يتوقف الأمر عند حد الاختلاف في الرؤى والتوجهات وتقييم الواقع وطرق التعامل معه، وإنما تحول الخلاف والاختلاف في السابق إلى اقتتال سالت على إثره دماء كان من المفترض أن تسيل من أجل مقدسات وطن وأرض وشعب طالت معاناته، ومنذ العام 2007 يسود الانقسام بين حركتيّ حماس وفتح، ودائماً تُصر حماس أنّها تمتلك شرعية المقاومة والتضحية، وأنّها تمثل رأس الحربة في مقاومة الاحتلال الصهيونيّ منذ أكثر من 20 عاماً، كما أنها تمتلك شرعية انتخابيّة كبيرة، وتؤكّد استعدادها الدائم للحوار مع الكل الوطني الفلسطينيّ، وتقديم التنازلات في كل القضايا الحزبيّة، مع تأكيدها على رفض تقديم أيّ تنازلات في ثوابتها وموقفها الأصليّ من المقاومة، وحق العودة، ورفض التعاون مع العدو الغاشم.

ويوماً بعد آخر، ترتفع الشعبيّة الكبيرة التي تتمتع بها الحركة، وخاصة أنّها استطاعت الانتصار على الكيان الإرهابيّ في عدة حروب وبالأخص حرب الأحد عشر يوماً الأخيرة، وقد انتصرت غزة بشعبها العظيم ومقاومتها التي تشكل حماس رأس حربتها، وأذلت ناصية العدو الصهيونيّ المعتدي الذي أثقب مسامعنا بأنّه “لا يقهر”، وبالرغم من الحصار الذي يفرضه الكيان الوحشيّ على قطاع غزة، لم يتمكن من إرضاخ القطاع ولا المقاومين داخله.

ولا يخفى على أحد أنّ حركة حماس الإسلاميّة تعتبر علاقات السلطة مع الاحتلال أساساً في إفشال جهود المصالحة، لأنّه بتوازن العلاقات الفلسطينية كلها، وليس فقط العلاقة بين حماس وفتح، مع تأكّيدها أنّ فشل تحقيق المصالحة لا يمنع استمرار الجهود لإنجازها، وترغب في إعادة ترتيب وإحياء منظمة التحرير الفلسطينيّة التي تعتبرها الحركة أم السلطة الفلسطينية وإطارها الأكبر، وترغب في المشاركة فيها وتفعيلها، لتطوير العمل الفلسطينيّ، لمواجهة منهج الإجرام الصهيونيّ وقضم أراضي الفلسطينيين وتهجيرهم.

وفي الوقت الذي يعتبر فيه الإسرائيليون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين، استمرت فتح بالارتهان للعدو الغاصب، الشيء الذي دفعه لمواصلة إجرام واستخفافه بأرواح الفلسطينيين لهذا الحد، ويؤكّد الفلسطينيون أنّ فتح ترتكب “خطيئة تاريخيّة” لا تغتفر من خلال اعتقادها بأنّ وجود علاقة مع الكيان الغاصب ربما تصب في مصلحة الفلسطينيين، في الوقت الذي يثبت فيه التاريخ والواقع أنّ الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن يوقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة.

نتيجة لكل ما ذُكر، لا يوفر الكيان الصهيونيّ الفاشي جهداً، لاستغلال الخلافات بين حركتي فتح وحماس، ويتماشى اقتراح الكيان بتعزيز العلاقات مع فتح والاستثمار في الضفة الغربيّة وتحسين الوضع الاقتصاديّ فيها مع محاولة الفصل بين الفلسطينيين، لتقوية الانقسام في أذهان هذا الشعب وإيهامه بأن التسويات مع العدو ستجلب الراحة والازدهار، وأنّ المقاومة وعدم التوافق مع الكيان المعتدي سيؤديان إلى مزيد من العقوبات وتفاقم أوضاع أهالي قطاع غزة، حيث يهدف العدو إلى خلق وتقوية الخلافات بين الفصائل الفلسطينية ليتمكن بسهولة أكبر من مواصلة خططه التوسعيّة في ابتلاع الأراضي الفلسطينيّة والقدس المحتلة، ومنع كابوس توحيد الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربيّة، لأنّه باختصار يهدد وجود دولة العدو المزعومة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق