دلالات سحب الباتريوت من بعض الدول العربية
ليس بالأمر الجديد أن تقرر واشنطن سحب بطاريات صواريخ باتريوت من دول المنطقة التي تنتشر فيها قواعد لها، ولكن هذا التحول في السياسة الأمريكية يستدعي منّا، أن نقف عنده، ونتساءل عن اسباب القيام بهذه الحركة في الوقت الذي لم تحقق فيه الولايات المتحدة الأمريكية أياً من مخططاتها التقسيمية في المنطقة، والواضح أ الادارة الامريكية لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الاضرار التي لحقت بها جراء عبثها بمستقبل الشرق الاوسط، ولا ننسلى الخذلان الذي تعرضت له هي وقواعدها الصاروخية التي لم تستطع الوقوف في وجه صواريخ اليمنيين التي تمكنت من تحقيق اهدافها في الداخل السعودي، الامر الذي شكل صفعة لواشنطن وقدراتها الصاروخية.
في التفاصيل، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين أن واشنطن قررت سحب 8 بطاريات صواريخ باتريوت من دول بينها السعودية والكويت والأردن والعراق.
وتطرح التساؤلات، في دلالات هذا القرار الأمريكي، وأسبابه، ومدى تأثيره على الدول الاربعة، فهل تركت الولايات المتحدة، الساحة لروسيا وحلفائها، أم أن لها أغراض أخرى من هذا القرار؟.
بالنسبة للاردن فإن الولايات المتحدة تريد معاقبة عمان بسبب مواقفها الأخيرة تجاه نقل السفارة الامريكية إلى القدس المحتلة، وقضية الأونروا واللاجئين الفلسطينيين.
وبالرغم من الضغط الأمريكي على الكويت، فإن لدولة الكويت، منظومتها التي تمتلك من تلك الصواريخ الدفاعية، وتغطي المناطق الحيوية.
في الحقيقة إن أمريكا تسعى لتخفيف مسؤولياتها في المنطقة، وتلقي المزيد من الأعباء على الدول الخليجية النفطية، وابتزازها، في سعي الرئيس الأمريكي لتحميل الدول الخليجية نفقات الحماية الأمريكية، والدفع أكثر، وتقديم المزيد من الامتيازات لواشنطن.
لكن سحب البطاريات يمثل صفعة كبيرة للسعودية على وجه التحديد، وسحبت الولايات المتحدة عددا من منظومات الدفاع الجوية المضادة للصواريخ التي تنشرها في المملكة تحت مبرر إعادة تنظيم كبيرة لبصمتها العسكرية هناك عدا عن تحسن العلاقات مع إيران.
وقال مسؤولون امريكييون لصحيفة ” وول ستريت جورنال”، إن الوزارة تسحب أيضاً نظام “ثاد” المضاد للصواريخ عالية الارتفاع، من السعودية، وتقلّص عدد أسراب الطائرات المقاتلة التي تغطي المنطقة هناك.
وتشمل إعادة الانتشار مئات الجنود في الوحدات التي تشغل أو تدعم تلك الأنظمة.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يخطط فيه الجيش الأمريكي لانسحاب كامل من أفغانستان، وبعد أن خفضت الولايات المتحدة عدد قواتها في العراق بمقدار النصف.
وأشار مسؤولون إلى أن معظم المعدات العسكرية التي يتم سحبها، كانت تنتشر في السعودية. وهذه الخطوة هي المرة الثانية، التي تزيل فيها الولايات المتحدة بطاريات “باتريوت” المضادة للصواريخ من الشرق الأوسط.
ففي ربيع العام الماضي، أزال الجيش الأمريكي ما لا يقل عن 3 بطاريات “باتريوت” من السعودية، وفكر في إخراج صاروخ “ثاد”.
وبدأ البنتاجون، في إرسال بطاريات “باتريوت” المضادة للصواريخ، ونظام “ثاد” إلى السعودية، بعد أن تعرضت منشأة نفطية سعودية لهجوم بطائرات مسيرة إيرانية، في سبتمبر/أيلول 2019.
ويعكس قرار إزالة بعض الأنظمة الدفاعية، وجهة نظر البنتاجون، بأن خطر تصعيد الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران، قد تضاءل، مع استمرار إدارة الرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن”، في المحادثات النووية مع طهران.
وأشارت إلى نيتها تخفيف العقوبات إذا تمت استعادة الاتفاق النووي لعام 2015.
قد يصعب رصد الخلفيات غير المعلومة لقرار سحب بطاريات لمنظومة “باتريوت” الأميركية (من المنطقة،، وتقليص التواجد الأميركي هناك، وكذلك في مياه الخليج الفارسي، على الرغم من تقليل المسؤولين الأميركيين من أهمية الخطوة. لكنه قد يقود حتماً، إلى جملة استنتاجات، قد تصل إلى حدّ الخلاف الأميركي مع دول في الخليج الفارسي حول السياسة المتبعة تجاه الصين في أزمة كورونا، وشبكة “الجيل الخامس”، ولكن هذه الاستنتاجات بدأت معالمها تظهر تباعاً، منذ الخلاف الأميركي السعودي المحتدم حول أسعار النفط، في شهر إبريل/نيسان الماضي، بعد انهيار أسعار النفط العالمية نتيجة حرب النفط بين الروس والسعوديين.
حينها، قيل إن الإدارة الأميركية، كانت قد “ساندت” المملكة لوقت قصير في خطوتها ضد الروس، قبل أن ترتد عليها بأسعار النفط الصخري، ما ضرب طموحات ترامب الاقتصادية بقوة، والتي كانت تواجه أسوأ أيامها في زمن كورونا. ورداً على ذلك، تسّرب في الإعلام، ومن تصريحات المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم ترامب، وكذلك في الكونغرس، الحديث عن غضب متنامٍ ضد المملكة في دوائر القرار في واشنطن، وأن ترامب يدرس كل الخيارات لتدفيع السعودية ثمن فعلتها، ومنها “خيارات نووية”، كفرض عقوبات وسحب الدعم العسكري، وذلك بتحريض متنامٍ من المنظومة الجمهورية، التي وجدت أن الرياض لا تباديها “الشكر” اللازم على عقودٍ من المصالح المشتركة، ويبدو اليوم أن الحال لم يختلف كثيرا مع وصول بايدن إلى السلطة، فما تزال واشنطن غاضبة من الرياض ومن سياستها في عدة ملفات، وييبدو أن رغبتها في معاقبة المملكة لا تزال قائمة حتى لو اختلفت الادارة.
علينا انتظار النتائج أكثر لنرى ما خلفية هذا القرار، لكن الواضح أن الولايات المتحدة الامريكية، تريد أن تتجه نحو الصين وروسيا، لأنهما يشكلان اولوية لها في هذه المرحلة، أكثر من تواجدها في الشرق الاوسط، خاصة وانها تلقت صفعات قوية في الشرق الاوسط من الحلفاء والاعداء، والواضح جدا أن لا أحد يرحب بالتواجد الامريكي في المنطقة إلا بعض الحكومات والانظمة العميلة، ولكن الشعوب برمتها لا تفضل وجود واشنطن على اراضيها.
المصدر/ الوقت