نار “مناهضة التطبيع” تشتعل مجدداً في المغرب.. هل تنجو الرباط من لُغم الخيانة
أثارت كلمة رئيس حركة “التوحيد والإصلاح” المغربيّة، عبد الرحيم شيخي، ضجة كبيرة في الأوساط المغربيّة والعربيّة، حيث دعا بلاده إلى التراجع عن التطبيع مع الكيان الصهيونيّ وطرد السفير الإسرائيليّ من العاصمة الرباط، وسحب السفير المغربيّ من تل أبيب، وذلك خلال المهرجان الوطنيّ الشبابي الذي نظمته الحركة التي تعد بمثابة الجناح الدعويّة لحزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكوميّ، شعار “القدس تجمعنا وتوحدنا”، عقب التوصل إلى “اتفاق تاريخيّ” في 10 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، لاستئناف العلاقات بين العدو الصهيونيّ والمغرب التي طبعت بشكل غير رسميّ عام 1986، عندما زار رئيس وزراء العدو حينها، المجرم شمعون بيريز، المغرب والتقى بالملك الحسن الثانيّ، لتعلن الرباط قبل أشهر وبكل وقاحة اعترافها الرسميّ بكيان الاحتلال الغاصب للأراضي العربيّة، مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، في ظل رفض شعبيّ ودينيّ وحزبيّ عارم.
منذ أن أعلن الكيان الصهيونيّ والمغرب، استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد توقفها عام 2000، عبر الشارع المغربيّ بكل قوة عن رفضه العارم لإقامة علاقات مع الكيان المجرم، فيما أعربت عشرات الأحزاب والجمعيات من تيارات مختلفة عن رفضها لزيارة وفود العدو إلى بلادهم، وأكّدت جمعية مناهضة التطبيع مع العدو، أن أيّ تطبيع مع الكيان الصهيونيّ هو اعتداء على مشاعر الشعب المغربيّ، وإهانة لا يمكن تغطيتها بأيّ حديث عن المصلحة الوطنيّة.
لذلك، شدّد عبد الرحيم شيخي على ضرورة الضغط على الجهات الرسميّة في المغرب من أجل التراجع عن اتفاق التطبيع الذي أبرم مع عدو العرب والمسلمين الأول، والذي جعل المغرب رابع دولة تدخل حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع الصهاينة، بعد الإمارات و البحرين والسودان، في فترة تسارعت فيها وتيرة التطبيع من بعض الدول والأنظمة تنفيذاً للإملاءات الامريكية، رغم أنّ الشعب المغربيّ يرفض بشكل مطلق خيانة فلسطين والقدس ولا تغريه أراضي الغير ولا الاعترافات غير الشرعيّة بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة التي تحتل جزءاً كبيراً منها.
وفي تأكيد جديد على أنّ الأكاذيب الأمريكيّة والصهيونيّة لن تنطلي على الشعوب في البلدان التي طبعت أنظمتها العميلة، بل وستكون المسمار الأخير في نعشها بسبب اتساع الفجوة بين الحكومات العميلة وشعوبها المقاومة، وهنا يشير رئيس حركة “التوحيد والإصلاح” المغربيّة، إلى أنّ “الوقوف مع فلسطين ضد الاحتلال الصهيونيّ ليس من أجل الدفاع عن فلسطين فقط، بل من أجل الدفاع عن أنفسنا من الاختراق التطبيعيّ”، الذي يسعى العدو من خلاله إلى التسلل للمنظومة الإعلاميّة والتعليميّة في بعض الدول العربيّة لتزييف الوعيّ وجعل الرواية الصهيونيّة المخادعة هي السائدة، ومحاولة دفن القضية الفلسطينية وإرغام الشعوب والأجيال على القبول بهذا الظلم التاريخيّ الكبير.
ويدرك الشعب المغربيّ جيداً حجم التكالب على فلسطين وداعميها من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير “صفعة القرن” التي تهدف إلى تصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة، وإنّ الموقف الشعبيّ المغربيّ مناصر بشدة للقضية الفلسطينية كما الفلسطينيين أنفسهم، وجميعهم يكررون الجملة التي قالها شيخي: “الاحتلال الإسرائيليّ سيبقى عدواً مهما تلبس بلبوس السلام”.
وفي الوقت الذي يؤكّد فيه مناهضو التطبيع أنّ تلك الخيانة تتناقض مع النزاع الحقوقيّ والديني والروحيّ والأخلاقيّ، كما أنها تتم مع عدو يدنس مقدسات المغاربة ويحتل أولى قبلتهم ومسرى رسولهم يوميّاً، أردف رئيس حركة التوحيد: “لا زال على أمتنا وعلينا في المغرب إضافة إلى مناهضة التطبيع أن نسعى لتقديم الدعم اللازم للقضية الفلسطينية، وأن نكون سنداً للمقاومة في فلسطين متى قررت مواجهة العدو الصهيونيّ”، في ظل المساعي الصهيونيّة لإقامة الهيكل المزعوم، ومصادرة ممتلكات وأوقاف الفلسطينيين وهدم حارة المغاربة في القدس.
وبالتزامن مع تنازل حكومة المغرب عن أهم قضيّة عربيّة وإسلاميّة باعتراف جميع الأطراف الصهيونيّة والأمريكيّة والمغربيّة، بيّن عبد الرحيم شيخي أنّ المقاومة الفلسطينيّة أربكت حسابات التطبيع وأصحابه وأعادت الحياة للقضية عند الشعوب العربيّة، وتأتي تصريحات رئيس حركة “التوحيد والإصلاح” المغربيّة، في ظل مساعي الملك المغربيّ، محمد السادس، للسيطرة على أراضي الإقليم الصحراويّ التابع لجبهة “البوليساريو”، ولكن بشراسة أكبر بعد أن أقدمت واشنطن على ارتكاب “الذنب التاريخيّ” بحق فلسطين والصحراء الغربيّة، لإرضاء الكيان الصهيونيّ القاتل في عهد الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب.
وفي الإطار، اعتبر رئيس الاتحاد العام لعلماء المسلمين، المغربيّ أحمد الريسوني، أنّ الحل الوحيد للقضية الفلسطينيّة هو إنهاء الاحتلال وزواله، وعودة اليهود إلى البلدان التي جاؤوا منها، منوهاً إلى زوال الاحتلال مرهون بمقاومة شريفة بكل أشكالها لتناهضه، ودعا الدول والشعوب العربيّة والإسلاميّة، إلى ضرورة دعم المقاومة في فلسطين بكافة أشكالها، متسائلاً: “هل يعقل أن نترك الشعب الفلسطينيّ وحيداً دون دعم، ويواجه الكيان الأكثر تسلحاً في الشرق الأوسط والمدعوم من كثير من دول العالم ؟”.
وفي منتصف نيسان المنصرم، تفجرت الأوضاع في فلسطين جراء الاعتداءات الوحشيّة الإسرائيليّة بمدينة القدس المحتلة، وامتد التصعيد إلى الضفة الغربيّة والمناطق العربيّة داخل الأراضي العربيّة المحتلة، ثم تحول إلى مواجهة عسكريّة وعدوان همجيّ على غزة، انتهى بوقف لإطلاق النار يوم 21 أيار الفائت، وأسفر العدوان الصهيونيّ الغاشم عن مئات الشهداء (نصفهم من الأطفال والنساء) وآلاف الجرحى مع دمار هائل في البنية التحتيّة.
في الختام، يوماً بعد آخر فيما يؤكّد المغاربة وبالأخص النخبة المثقفة على وجوب أن تتفادى بلادهم لغم التطبيع الذي ألقت به الولايات المتحدة بمعية الكيان الصهيونيّ في المغرب، أولاً لخلق الشرعيّة لهذا الكيان اللقيط، ثانياً للتوسع في معركة التقسيم والتفتيت والنفوذ ونهب الثروات، ثالثاً لضرب الوحدة الداخليّة أكثر بين بعض الحكومات والشعوب العربيّة، وغيرها الكثير من المصالح التي سيكون المطبعون آخر المستفيدين منها وأول الخاسرين فيها.
المصدر/ الوقت