السعودية تسعى لاختراق العراق
مع طرد داعش من العراق، ازداد التنافس بين القوى الإقليمية لتوسيع النفوذ السياسي والأمني والاقتصادي والثقافي في العراق.
تسببت هشاشة الحكومة وتأثر الهيكل السياسي العراقي بسیاسات الدول المحيطة في قيام جهات فاعلة مختلفة بتنافسها في هذا البلد. المملكة العربية السعودية هي إحدى الجهات الفاعلة التي تحاول لعب دور أكبر في عراق ما بعد داعش وتعويض إخفاقاتها السابقة. منذ بداية عام 2016، بعد إعادة فتح السفارة في بغداد، كثف السعوديون الاستثمار الاقتصادي في العراق، بالإضافة إلى التخطيط المكثف للتأثير السياسي والثقافي فی البلد. تم التحقيق في سبب وكيفية الدور الاقتصادي للمملكة العربية السعودية في العراق وتقييم أهدافه وتداعياته في مقابلة بحثية مع الدكتور “محمود نوراني” الباحث في مجال الجغرافيا السياسية والأستاذ بجامعة الإمام الحسين (ع).
العلاقات السعودية العراقية، تباعد أم تقارب؟!
مع انتقال السلطة إلى عائلة فهد في المملكة العربية السعودية، فإن الطريقة التي تتفاعل بها المملکة في المنطقة تستند إلى التهديدات الأمنية. في هذا الصدد، أدى تشكيل حكومة جديدة في العراق منذ عام 2005، وبسبب التغيرات الجيوسياسية وتوازن القوى في المنطقة، إلى تكثيف الجهود الأمنية فی سياسة الرياض الخارجية. قبل سقوط النظام البعثي، كانت المملكة العربية السعودية والعراق فی حالة تنافس، وكانت علاقتهما ذات طبيعة عدائية. في الواقع ، كان أحد أهداف مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 مواجهة الحكومة البعثية في العراق. بعد غزو العراق للكويت في عام 1990، قطعت المملكة العربية السعودية العلاقات الدبلوماسية مع بغداد. وبعد غزو العراق عام 2003، كانت المملكة العربية السعودية أحد الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة، ولکنها كانت غير راضية عن الطريقة التي تصرفت بها واشنطن في الغزو العسكري للعراق والإطاحة بصدام. وعليه، لم تستأنف العلاقات الدبلوماسية مع العراق. منذ بداية عام 2016، ومع إعادة فتح السفارة السعودية في العراق، بدأت حقبة جديدة من العلاقات بين البلدين. لا شك أن أهم عامل في التقارب بين السعودية والعراق هو “الهوية العربية” للحكام السياسيين في بغداد. بالإضافة إلی قضية أخرى هي إعادة بناء أنقاض الحرب مع داعش. تشير التقديرات إلى أن العراق يحتاج إلى إنفاق حوالي 100 مليار دولار إلى 150 مليار دولار للعودة إلى حالة ما قبل داعش. يمكن للدعم المالي السعودي والمساعدات أن تكون فعالة في توثیق العلاقات بين البلدين، وقد يحاول السعوديون إقناع بغداد بعدم الاقتراب من طهران بمساعدات کبیرة. من ناحية أخرى، فإن العراق، وإدراكًا منه للنفوذ السعودي بين العشائر السنية وبعض المجموعات السياسية، يعتزم استخدام التقارب مع الرياض لكسب هذه المجموعات.
على الرغم من وجود اساس للتقارب بين المملكة العربية السعودية والعراق بشکل نسبي، فإن مجالات الاختلاف بين البلدين أكثر جدية وأهمية. يمكن اعتبار أهم مجالات الاختلاف في العلاقات بين البلدين هو دور الرياض السابق في تأجيج الطائفية وانعدام الأمن في العراق. يدرك المسؤولون العراقيون جيدًا أن السعوديين لم يدعموا بغداد ضد داعش، وهناك الكثير من الأدلة على أنهم دعموا تحركات داعش في العراق. قضية أخرى مهمة هي الصراع الأيديولوجي والديني بين البلدين. كما أن عدم تکامل اقتصاديات البلدين يعد عاملاً في اتجاه التباعد، حیث البلدان منتجان ومصدران للنفط والمواد الخام ومستقلان اقتصاديًا إلى حد كبير عن بعضهما البعض. يمكن أيضًا اعتبار الاختلاف في النظام السياسي جزءًا من الصراعات السياسية الأيديولوجية بين البلدين، فبینما یقوم النظام السياسي العراقي على أساس الدستور والانتخابات وفصل السلطات والمؤسسات الديمقراطية، فإن المملكة العربية السعودية لديها ملكية مطلقة لا نصيب لمواطنيها في تحديد الحكام والقوانين التنفيذية للمجتمع. على صعيد آخر، لا يريد السعوديون وجود عراق قوي في المنطقة. لكن إحدى العقبات الرئيسية أمام التقارب بين البلدين تتعلق بأهداف السعوديين أنفسهم. في الواقع ، الهدف الرئيسي للمملكة العربية السعودية في توسيع تعاونها مع العراق ليس المساعدة في تطوير المصالح المشتركة والقضاء على التهديدات المشتركة، ولكن زيادة نفوذها في العراق یأتي للتأثير على وضعه الداخلي من أجل الحد من نفوذ إيران. وسيؤدي هذا النهج التدخلي على المدى المتوسط والطويل إلى زيادة التوترات في العلاقات بين البلدين.
أهداف السعودية من الاستثمار في العراق
تحاول المملكة العربية السعودية الاستفادة من حاجة بغداد لإعادة الإعمار بعد عقود من الاستبداد والإرهاب. تشير الإحصاءات إلى أن حجم الدمار في البلاد قد ازداد بعد سيطرة داعش على أجزاء كبيرة من العراق. وبحسب منظمات دولية، فإن محافظات الأنبار وصلاح الدين وكركوك ونينوى وديالى وبابل بحاجة إلى إعادة إعمار واسعة النطاق. كما يوضح تقرير البنك الدولي أن إعادة إعمار وتشييد قطاع الإسكان العراقي يتطلب استثمارات تزيد على 17 مليار دولار. مع ضرر 20٪، فإن هذا القطاع لديه أعلى معدل احتياج للاستثمار. في القطاع الصناعي يصل هذا الرقم إلى 12 مليار ونصف المليار دولار. تتطلب القطاعات المختلفة، بما في ذلك الزراعة والنفط والغاز والصحة والتعليم ، نفقات ضخمة لإعادة الإعمار. بالإضافة إلى الاستثمار في محطات الطاقة الشمسية في العراق، قالت السعودية إنها تستطيع تصدير الكهرباء إلى العراق بربع سعر إيران. من المشاريع التي أعطتها الرياض الأولوية للاستثمار، هو مليون هكتار من الأراضي الزراعية في محافظة الأنبار. كما ستجعلها السعودية أكبر معبر تجاري بين البلدين خلال الأشهر المقبلة، مع تنفيذ خطة لتوسيع معبر عرعر في محافظة الأنبار. باستخدام هذا المعبر، يمكن للنشطاء الاقتصاديين ورجال الأعمال العراقيين استخدام الموانئ السعودية للتجارة مع الدول الأفريقية وحتى الأوروبية. ويمكن استخدام هذا المعبر، بالطبع، لمرور الحجاج العراقيين وغيرهم إلى المملكة العربية السعودية. الهدف الرئيسي لآل سعود في تطوير العلاقات الاقتصادية مع العراق هو التسلل إلى البلاد. لا ترى السعودية في مصلحتها تشكيل حكومة قوية في العراق تدعم جماعات المقاومة وتعارض الوجود الأمريكي في منطقة غرب آسيا. الحقيقة أن السعودية تسعى لتوسيع نفوذها في العراق من خلال الاستثمار الاقتصادي. على الرغم من أن السعوديين يقولون إنهم يسعون إلى تحسين الاقتصاد العراقي في مرحلة ما بعد داعش، تشير البيانات الميدانية إلى أن الرياض تحاول تقويض هيكل الاقتصاد العراقي. لطالما رأى السعوديون أنفسهم في تنافس سياسي واقتصادي مع جميع الدول العربية، والعراق ليس استثناءً من موقف الرياض هذا. في الواقع ، تأتي محاولة المملكة العربية السعودية لتوسيع نفوذها في العراق والسيطرة على اقتصاده بعد فشل خیارها العسكري عن طریق داعش. ولهذا اختاروا الآن القناة الاقتصادية للتأثير على العراق حتى يتمكنوا من تنفيذ أهدافهم السياسية والاقتصادية. إن قادة الرياض، بالطبع، يدركون جيدًا أن أمامهم طريقًا طويلًا وصعبًا ليقطعوه في مجال التآثیر علی العلاقات السياسية والاقتصادية بين طهران وبغداد، واحتمال عدم نجاحهم كما في الماضي هو عالي جدا.
يسعى السعوديون إلى توسیع النفوذ الثقافي و السياسي و الاقتصادي في العراق. إن إطلاق السعودية شبكة MBC خاصة بالعراق، وحضورها القوي في مجال نشر الكتب في هذا البلد، وجهودها لإضعاف الجماعات القريبة من إیران، بما في ذلك الحشد الشعبي، يعتبر جزءاً من جهود السعوديين لاكتساب نفوذ ثقافي في العراق. كان النفوذ السعودي في تشكيل الحكومة العراقية، والذي كان أبرز مظاهره في الانتخابات البرلمانية 2018، جزءًا من محاولة السعوديين لإيجاد دور لهم في الساحة السياسية العراقية.
ملخص الكلام
بالنظر إلى التأثير السياسي لإيران على التطورات في السياسة الداخلية للعراق والعلاقات الجيدة بين البلدين، يبدو أن السعوديين يبذلون قصارى جهدهم لتوسيع العلاقات التجارية مع العراق. تُظهر خطط الرياض وإجراءاتها ومقترحاتها لبغداد لتعزيز التعاون الاقتصادي أن المملكة العربية السعودية ترى العلاقات التجارية مع العراق من خلال عدسة المنافسة مع إيران. ويُظهر تشكيل مجلس التنسيق الاقتصادي بين العراق والمملكة العربية السعودية والزيادة بمقدار الضعفين والنصف في التجارة بين البلدين منذ عام 2017، جهود المملكة العربية السعودية للعب دور فعال في الاقتصاد العراقي. على الرغم من ترحيب العراقيين بالاستثمارات الاقتصادية، إلا أن مسؤولين وجماعات وأعداد كبيرة من العراقيين والأكاديميين يشككون في نیة الاستثمار السعودي في العراق وتطویر العلاقات مع الرياض. وتعتقد المعارضة أن هذه العلاقات لیس فقط لا تخدم مصالح العراق، بل تشكل أيضًا تهديدًا خطيرًا للبلاد، هناك عدة أسباب لذلك:
أولاً، لعب المملكة العربية السعودية دورًا في انعدام الأمن في العراق على مدى العقدين الماضيين، حیث من أكثر من 15 ألف إرهابي انتحاري دخلو العراق في السنوات الأخيرة، قيل إن 5000 إرهابي منهم سعوديو الجنسیة، متورطون بقتل وجرح آلاف المدنيين بسيارات مفخخة أو أحزمة ناسفة، وذلك فقًا لمصادر أمنية عراقية. ولم تكتف السعودية بعدم الاعتذار عن هذه الجريمة وعدم دفع تعويضات للضحايا، بل إنها لا تزال مرتبطة ببعض التيارات المنحرفة في العراق، والتي من خلالها تتابع إعادة إنتاج العنف في العراق.
ثانيًا، الجغرافيا التي تسعى المملكة العربية السعودية للاستثمار فيها مهمة جدًا. تشترك السعودية والعراق في أكثر من 800 كيلومتر من الحدود. تحد محافظتا الأنبار والمثنى ، حيث يستثمر السعوديون، المملكة العربية السعودية. يزيد اختيار هذه المحافظات من عدم ثقة العراقيين في السعودية ويظهر أن السعودية تسعى لتحقيق أهدافها السياسية والأمنية في العراق من خلال الوسائل الاقتصادية، وأنه من الممكن حتى إعادة خلق تهديد داعش أو تهديدات أمنية في العراق.
المصدر / الوقت