التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 7, 2024

قضية خاشقجي تكشف الخداع الأمريكيّ.. هل طوت واشنطن صفحة الجريمة التاريخيّة 

بعد أن أفرجت الولايات المتحدة عن التقرير السريّ للاستخبارات الأمريكيّة قبل بضعة أشهر، والذي كشف أنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان (الحاكم الفعليّ في السعودية)، أجاز عملية اغتيال الصحافيّ السعوديّ المعارض، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاه بإسطنبول عام 2018، أفادت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً بأن 4 سعوديين مشاركين في تلك الجريمة البشعة، تلقوا تدريبات شبه عسكريّة في الولايات المتحدة قبل الحادثة بعام واحد، بموجب عقد أقرته وزارة الخارجية الأمريكيّة، ما أعاد القضية الدوليّة إلى الواجهة مجدداً، بعد أن شغلت معظم دول العالم وكشفت اللثام عن حقيقة النظام الحاكم في بلاد الحرمين.

مرة أخرى، يتأكّد أنّ ابن سلمان فشل ويزداد فشلاً في التنصل من جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ الشهير عبر فريق خاص ومدرب كالأفلام الهوليوديّة، حيث تحدثت الصحيفة الأمريكيّة أنّ التدريب قدمته شركة (تير 1 جروب) الأمنيّة ومقرها ولاية أركنسا، والتي تملكها شركة الأسهم الخاصة “سيريبروس كابيتال مانجمت”، كما أنّ التدريب حمل طبيعة دفاعيّة وصُمم لحماية الزعماء السعوديين.

وفي الوقت الذي رفضت فيه شركة “سيريبروس” الرد على وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، زعم المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في رد على تقرير صحيفة نيويورك تايمز، أنّه بموجب القانون الأمريكيّ لا يمكن للوزارة أن تعلق على أيّ نشاط دفاعيّ مُرخص يرد ذكره في تقارير إعلاميّة، مدعيّاً أن السياسة الأمريكية تجاه مملكة آل سعود ستضع في أولويتها ما أسماه “حكم القانون واحترام حقوق الإنسان”.

وبدا الموقف الأمريكيّ هزيلاً ومخجلاً، لأن واشنطن لم تقم بدورها في محاسبة ولي العهد السعودي، بسبب تورطه في جريمة قتل خاشقجي، رغم إدراكها الكامل أنّ ابن سلمان لديه سيطرة مطلقة على أجهزة الأمن والاستخبارات في البلاد منذ توليه عام 2017، ما يجعل من سابع المستحيلات أن يقوم مسؤولون سعوديون بتنفيذ عملية كهذه من دون ضوء أخضر من الشاب الذي استعمل العنف الشديد منهجاً لإسكات المعارضين في الخارج.

كذلك، لم توقف الولايات المتحدة بيع الأسلحة للسعودية، وهذا دليل كبير على أنّ واشنطن آخر من يلتزم باحترام سيادة القانون، وخاصة بعد رفضها القيام بدورها لتحقيق العدالة للصحافيّ المغدور، استناداً إلى تقرير مدير المخابرات الوطنية الأمريكيّة، وكأن إدارة جو بايدن، لا ترغب بتحميل محمد بن سلمان المسؤولية عن مقتل جمال خاشقجي، ولا ترغب أيضاً بفرض مجموعة من العقوبات عليه أو تجميد أصوله الماليّة، كما يمنع بايدن مكتب التحقيقات الفيدراليّ، من فتح تحقيق جنائيّ في الجريمة، باعتباره كان مقيماً في الولايات المتحدة، مثلما فعلوا مع أمريكيين آخرين تم قتلهم في الخارج، والسبب سياسيّ – اقتصاديّ بحت.

وفي هذا الخصوص، أشار تقرير نيويورك تايمز، إلى أن هذا التدريب استمر على الأقل حتى مطلع عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، مستشهداً بوثيقة قدمها إلى إدارة ترامب مسؤول كبير في صندوق “سيربيروس” الاستثماريّ الذي يمتلك هذه الشركة الأمنية الخاصة خلال مثوله أمام لجنة في الكونغرس بعد أن رشحه ترامب لتولي منصب في البنتاغون، كما أن التعليمات صدرت في الوقت الذي كانت فيه “الوحدة السريّة” المسؤولة عن مقتل خاشقجي قد بدأت حملة واسعة من الخطف والاحتجاز والتعذيب للمواطنين السعوديين.

ببناء على ذلك، فإنّ الرئيس الأمريكيّ لم يفِ بوعده بمحاسبة ولي العهد من خلال فرض نفس العقوبات المفروضة على المتورطين الآخرين التابعين له، وإنهاء عمليات نقل الأسلحة إلى الرياض بإمرة شخص غير منتخب وقاتل وحشيّ، في ظل أدلة مخفية كثيرة لدى الإدارة الأمريكيّة بشأن مقتل خاشقجي، بما في ذلك ما يتعلق بالمسؤولين الأمريكيين المقربين من ولي العهد السعودي، الذين ربما سهّلوا التستر على الجريمة، حيث إنّ إدارة بايدن حفاظاً على مصالحه مع السعودية لم ينشر جميع السجلات المتعلقة بجريمة القتل، بما في ذلك التقرير الأصليّ لوكالة المخابرات المركزية الأمريكيّة أو أي تقارير استخباراتية أو شرائط أخرى، إضافة إلى أي معلومات تتعلق بمعرفة إدارة الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، بالتهديد الذي كان يتعرض له خاشقجي قبل وقوع جريمة القتل، التي قد تتوافر لدى أي وكالة تنفيذيّة أمريكيّة، بحسب منظمات دوليّة.

ختاماً، أيّ عدالة وقوانين تلك التي تتحدث عنها أمريكا، وأيّ قاتل ذاك الذي ارتكب جريمته الشنيعة وما زال حتى الآن خارج القضبان يلهو بأهم بلد إسلاميّ على هواه ويقتل ويشرد ويدعم الإرهاب دون أي رادع أخلاقيّ أو إنسانيّ أو قانونيّ، والأهم من كل ذلك أن تحصل جو بايدن على المال الوفير نتيجة لابتزاز الرياض، تماماً كما كانت تفعل إدارة دونالد ترامب التي ابتزت السعوديّة إلى أبعد الحدود من خلال منع نشر تفاصيل جريمة تقطيع خاشقجي، وبذلك تطوى صفحة الجريمة التاريخيّة كأنّها لم تكن رغم حساسيّتها العالميّة، ويفلت المجرمون الحقيقيون من العقاب بعد أن اكتسبت “قضية خاشقجي” بعداً سياسيّاً – اقتصاديّاً أفقدها البعد الإنسانيّ.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق