التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, ديسمبر 25, 2024

“السجن السري 1391”.. أكثر الأماكن سرية لدى الكيان الصهيوني 

انتهجت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة تعسفية بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، فكانت السجون ومراكز التوقيف والتحقيق والاعتقال مكاناً للقتل الروحي والنفسي للفلسطينيين. فقد غصت بعشرات آلاف الفلسطينيين دون تمييز بين طفل ومسن أو رجل وامرأة.

تحولت السجون التي ورث الكيان الصهيوني معظمها عن الانتداب البريطاني إلى مراكز لتصفية الإنسان جسدياً ومعنوياً بشكل تدريجي. فقد برز السجن في الكيان الصهيوني كمؤسسة توافرت لها كل الشروط المناسبة، وتجهّزت بكامل المقومات الضرورية لأجل تحقيق هذا الهدف القذر بحق الفلسطينيين.

كثيرة هي السجون الإسرائيلية الموزعة من شمال فلسطين حتى جنوبها، قلاع مليئة بالأسرار وأسماء لا يعرفها إلا من أمضى زهرة شبابه وسني عمره داخلها، أسماؤها مألوفة على الأسرى بداخلها، أسوار عالية وأسلاك شائكة وزنازين معتمة، ومساحات ضيقة وهواء قليل وشمس محجوبة.

وهذه السجون موزعة جغرافياً وغالبيتها العظمى تقع في المناطق المحتلة عام 1948، مثل نفحة، بئر السبع، عسقلان، سجن الرملة، نفي ترستا، تلموند، أنصار 3، وكفاريونا، وسجن شطة، وعتليت والدامون، والجلمة، إضافة إلى بيتح تكفا، مجدو، هشارون، بيت إيل، قدوميم، والمسكوبية في مدينة القدس.

وهناك سجون ومعتقلات تقع في مناطق الضفة الغربية كالظاهرية، وعوفر، بينما لا توجد معتقلات في قطاع غزة سوى معتقل إيرز والذي يقع في منطقة معبر بيت حانون (إيرز)، والذي يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي.

لكن الاحتلال الإسرائيلي متهم أنه يدير زنازين وسجوناً بعيدًا عن عيون العالم، وعن عيون مجتمعه نفسه، ليضع فيها أشخاصا لا يرغب أن يعرف عنهم أحد، ولهم علاقة بقضايا كبرى تمس أمن الكيان من وجهة نظره.

السجن السري 1391 والذي يعرف باسم غوانتنامو الاسرائيلي

يمتلك الكيان الصهيوني العديد من السجون السرية التي يتم احتجاز مئات الأسرى والمفقودين بداخلها، ولا يستطيع أي شخص أو منظمة حقوقية أو دولية التنبؤ بعددها إلا بقدر ما تسمح به سلطات الاحتلال، حيث تم الكشف عن سجن سرى واحد فقط يحمل رقم 1391.

“غوانتانامو إسرائيل” هو الاسم الأفضل ليطلق على هذا السجن، على الرغم أنه لم يحظ بأي شهرة مقارنة بمعسكر غوانتانامو، لكنه ينتهك القوانين الدولية والإنسانية بشكلٍ أفظع. وعلى عكس معسكر الاعتقال الأمريكي، لا يعرف أحد بدقة مكان السجن الإسرائيلي. فهو ليس بمكان معرّف على الخرائط، كما محي عن الصور الجوية، وأزيلت لافتة الطرق المرقمة الخاصة به. وليس هناك صور فوتوغرافية قريبة أو حتى بعيدة المدى للمحتجزين فيه، كالتي أخذت للمحتجزين في معسكر غوانتانامو. كما أزالت الرقابة العسكرية جميع ما ذكر حول موقع السجن من الإعلام الإسرائيلي، وذلك بداعي التكتّم والسريّة الضروريين.

الصحفيون الأجانب الذين أفشوا سر المعلومات حول هذا السجن مهددين بالإبعاد خارج فلسطين المحتلة. لكن، وعلى الرغم من محاولات الحكومة لفرض تعتيم إعلامي، تم تسريب معلومات حول أحداث مرعبة جرت في هذا السجن. فقد استخدم هذا السجن بشكلٍ مكثف لاحتجاز المعتقلين العرب والأجانب، إلا أنه ليس من المعروف عدد الذين احتجزوا فيه.

كما استخدم الكيان الصهيوني هذا السجن للاحتجاز والتحقيق مع بعض الأسرى الفلسطينيين، وخاصة من تعتبرهم قادة للعمل المسلح ضدها، ولم يكن بإمكانها بطبيعة الحال إخفاء خبر اعتقالهم وبما أنهم لم يدخلوا السجون المعروفة، ولم يُسمح للمحامين بزيارتهم، فقد كان ذلك مؤشراً قوياً على وجود سجون سرية، وعندما خرجوا من التحقيق إلى السجون كثرت الشهادات وتواترت.

الإعلان الأول عن وجود السجن كان مع الاجتياح الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية عام 2002، عن طريق صحفي أجنبي استطاع جمع معلومات عنه، خصوصاً بعد عدم تمكن عدد كبير من المحامين من زيارة موكليهم، إضافة إلى القصة الشهيرة لتعذيب الأسير اللبناني مصطفى الديراني داخل السجن مع عدد كبير من المعتقلين اللبنانيين. وإذا كان الفلسطينيون الذين مرّوا على هذا السجن السرّي بقوا تحت سيطرة جهاز “الشاباك”، المسؤول عن عمليات التحقيق في جميع مراكز التوقيف الإسرائيلية، فإن أصحاب الجنسيات الأخرى تقع مسؤولية التحقيق معهم على عاتق الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.

عاد الرقم “1391” إلى التردد من جديد خلال عام 2009 في وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية بعد تقرير لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، والتي طالبت الكيان الصهيوني بالكشف عن سجونها السرية التي طالما أنكرت وجودها، وأخفتها عن جهات الرقابة الدولية، مثل منظمة الصليب الأحمر وغيرها.

وفي هذا السياق قال الباحث نشأت الوحيدي، مسؤول الإعلام في لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية والمكلف بإعلام الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين الفلسطينيين في قطاع غزة، أن المعلومات الفلسطينية التي توافرت لديه، وحسب متابعته لهذا الملف، وحسب مصادر إعلامية وأبحاث تعود لناشطين فلسطينيين من الرعيل الأول، أفادت بأن السجن السري 1391، يقع في منطقة مجاورة للضفة الغربية، بدأ الاحتلال الإسرائيلي يستخدمه في إخفاء جرائمه منذ أوائل العام 1967.

سجن 1391، بناية مبنية من الإسمنت في وسط فلسطين المحتلة، يتوسط قرية استيطانية بالكاد ترى في أعلى التلة لأنها محاطة بالأشجار الحرجية والجدران المرتفعة. ويبدو السجن من الخارج كأي مركز شرطة بناه البريطانيون أبان انتدابهم لفلسطين، له برجان مراقبة توفر الحراسة العسكرية والمراقبة المكثفة لمحيط المنطقة. والشهادات التي أدلى بها عدد من المعتقلين السابقين في ذلك السجن تفترض بأن السجن مزدحم بالمعتقلين.

وفي المقابل، ذكر الأسير المحرر سامر المصري أنه يعتقد أن السجن في مكان قريب من الساحل، لأنه كان يسمع أصوات بعض الطيور البحرية كطائر النورس بالقرب من المكان المذكور، وكذلك نظراً لقصر المسافة نسبياً عندما تم نقله من التحقيق داخل هذا المعتقل إلى محكمة التمديد في سجن الجلمة بشمال فلسطين.

ووصف الأسير المحرر طبيعة هذا المعتقل، بأنه بناء قديم، وجدرانه مهترئة ولونها قاتم، والإضاءة في الغرف ضعيفة جداً، وكل هذه العناصر تؤثر على نفسية المعتقل، خاصة – حسب المصري – أن الغرف في هذا السجن موجودة تحت الأرض، وذلك لشعور الأسير بأنه ينزل بالسيارة منحدراً قوياً قبل الوصول إلى المكان المنشود لبدء جولات التحقيق القاسي معه.

أي شخص يدخل هذا السجن يختفي، ومن المحتمل للأبد

بدورها تقول المحامية الإسرائيلية “ليئـا تسيمل”، المتخصصة في الدفاع عن الفلسطينيين: “أي شخص يدخل هذا السجن يختفي، ومن المحتمل للأبد”. وتضيف: “لا فرق بينه وبين سجن يديره الديكتاتوريون العنصريون من جنوب أفريقيا”.

أما في التحقيق الصحفي الذي كتبه أفيف لافي في صحيفة “هآرتس” العبرية، فقد فضح فيه ممارسات شعبة الاستخبارات العسكرية داخل المعتقل، ووصفه أنه نسخة جديدة لغوانتنامو. وجاء في هذه التفاصيل: يتذكر الجندي (م) المرة الأولى التي أرسل فيها لتنفيذ مهام حراسة في معسكر 1391. فقبل أن يصعد إلى برج الحراسة، تلقى أمرا صريحاً من الضابط المسؤول: “عندما تكون فوق البرج، لا تنظر إلا إلى الأمام. إلى خارج القاعدة، وإلى الأطراف. أما ما يحدث خلفك فهو ليس من اختصاصك. إياك أن تدير رأسك إلى الوراء.

لكن جندي الاحتياط في سلاح الاستخبارات، لم يكن قادراً على ضبط نفسه، إذ راح يسترق النظر بين حين وآخر، إلى الوراء. شاهد من فوق نقطة حراسته الجدران الشائكة المزدوجة المحيطة بالمعسكر، وكلاباً هجومية مدربة تجول في الشريط الواقع بين الجدارين، وسيارة جيب عسكرية تقوم بأعمال الدورية في الجانب الداخلي للسياج، والمركبات التي يستخدمها أفراد الوحدة التي تتولى إدارة القاعدة، والمبنى الإسمنتي الضخم، القديم، الذي استخدمته الشرطة البريطانية في عهد الانتداب والذي تحيط باسمه الآن هالة من الغموض: معسكر الاعتقال السري في دولة إسرائيل.

سجن 1391، حسبما هو معروف، هو السجن الوحيد الذي لا يعرف المعتقلون فيه مكان احتجازهم، فعندما حاول أحد منهم الاستيضاح، رد عليهم الحراس بأنهم محتجزون “في المريخ” أو في “الفضاء الخارجي” أو “خارج حدود إسرائيل”. وهذا هو السجن الوحيد الذي رفضت السماح لممثلي الصليب الأحمر بزيارته. كما أن أعضاء الكنيست لم يقوموا بزيارته مطلقاً، حتى أن السياسيين الإسرائيليين، وبضمنهم مسؤولون سابقون في الحكومة، أبدوا جهلاً تاماً بشأن وجوده عندما سئلوا عنه.

ولعل أحد أسباب هالة السرية المحيطة بالمكان يرجع إلى حقيقة كونه وسط قاعدة عسكرية تتبع إحدى الوحدات السرية في سلاح الاستخبارات – الوحدة 504 – التي تتولى جمع معلومات استخبارية عن طريق العنصر البشري، وبشكل أساسي بواسطة استخدام عملاء ومخبرين خارج فلسطين المحتلة. ويتولى بعض ضباط الوحدة مهمة تشغيل العملاء والاتصال بهم، فيما يعمل ضباط آخرون في التحقيق.

يقول بعض سكان المنطقة التي يقع فيها معسكر 1391، إنهم يتذكرون أنه كانت هناك لغاية السبعينيات لافتة قرب المعسكر تشير إلى أن البناية الإسمنتية القديمة التي تتوسطه استخدمت في عهد الانتداب كمخفر للشرطة البريطانية، ثم اختفت اليافطة، وكذلك اليافطة التي وضعت لاحقاً قرب مدخل القاعدة والتي كتب عليها اسم المعسكر 1391، أزيلت قبل عدة سنوات.

في الصور الجوية الرسمية، وكما هو متبع إزاء المنشآت الأمنية الأخرى، لا وجود للمعسكر، حيث تظهر مكانه حقول وتلال جيء بصورها من مكان آخر لتوضع بطريقة تخفي كل أثر للمعسكر في الصور الجوية. كذلك، فإن معظم الخرائط لا تحتوي على أثر للمعسكر.

يتعين على القادمين للمعسكر اجتياز بوابتين أحيطتا بأسلاك شائكة. بعد اجتياز البوابة الأولى يتم إقفالها آلياً، وبعد ذلك فقط تفتح البوابة الثانية. قسم الاعتقال والتحقيق يقع على مقربة من غرفة الطعام. زنازين الاعتقال القائمة على دهليز طويل، تلتصق إحداها بالأخرى، تفصل بينها جدران إسمنتية سميكة.

ولا يستطيع المعتقلون الاتصال فيما بينهم سوى عن طريق القرع على الجدران أو الصراخ على بعضهم، كما يقول أحد الضباط الذين خدموا في المعسكر، مضيفاً: إن هذه ممنوعات، لكننا لم نكن نملك القدرة دوماً على ملاحقة مثل هذه الأمور. وحتى لا يتمكن المعتقلون من معرفة مكان وجودهم، يتم إحضارهم لمعسكر الاعتقال بعيون معصوبة. وفي مرحلة استيعابهم داخل السجن، تصادر منهم حاجاتهم الشخصية، وتنزع عنهم ملابسهم ليرتدوا بدلاً منها بنطالاً وقميصاً بلون أزرق.

زنازين الاعتقال متشابهة جداً، وهناك حجرتان فقط واسعتان نسبياً (2.5) متر مربع، أما غرف الزنازين فتعتبر سيئة للغاية، إذ لا تزيد مساحتها عن 1.25 متر مربع. كما أن الظلمة فيها شديدة، حيث طليت جدرانها باللون الأسود أو الأحمر. أبواب الزنازين صنعت من فولاذ سميك، ولا يوجد في الزنزانة أي نافذة أو تهوية ما عدا كوة صغيرة في الباب لا تفتح إلا من الخارج.

داخل كل زنزانة توجد مسطبة من الباطون ملاصقة لأحد الجدران تستخدم كسرير وضعت عليه فرشة وبطانية. وفي الجدار المقابل للمسطبة، هناك فتحة، أشبه بماسورة يضخ الماء عبرها، لكن الحنفية تخضع لسيطرة وتحكم الجنود خارج الحجرة. وهناك تحت مصب الماء ثقب في أرضية الحجرة أو الزنزانة، يستخدم كمرحاض لقضاء الحاجة.

وفي عدد من الزنازين، المخصصة كما يبدو للمعتقلين قيد التحقيق، لا توجد أية خدمات أو مرافق على الإطلاق، حيث يضطر المعتقلون لقضاء حاجتهم في دلو كبير مصنوع من البلاستيك يتم إفراغ محتوياته مرة واحدة كل عدة أيام.

ولا يستطيع المعتقلون التمييز بين النهار والليل، لأن المصباح الكهربائي الموجود في كل زنزانة يبقى مضاءً على مدار 24 ساعة في اليوم، وبضوء خافت. وتخضع جميع غرف الاعتقال لمراقبة دائمة بواسطة كاميرات تعمل بدائرة مغلقة، علماً أن غالبية المعتقلين محتجزون بشكل انفرادي.

يتلقى المعتقلون وجبات الطعام ثلاث مرات في اليوم، وعندما يأتي السجانون بالطعام يقومون بقرع باب الزنزانة، وعندئذ يتعين على المعتقل، حسب الإجراءات المتبعة، أن يغطي رأسه بكيس أسود وأن يستدير بوجهه إلى الحائط، مرفوع اليدين. ولا يسمح إلا للمعتقلين الذين انتهى التحقيق معهم، بالخروج مرة واحدة في اليوم فورة لمدة ساعة في باحة داخلية ضيقة أرضيتها مكسوة بالرمال.

سجون سرية بنتها إسرائيل لتحافظ على وجودها التي انتزعتها من المنطقة، تنتهك فيها حقوق هذا الإنسان بقتله أسيرا أو تعذيبه داخل تلك المعتقلات دون أن تجد من يمنعها، وما دامت تلك السجون سرية، فإن دائرة الاتهام بممارسة ألوان العذاب ستبقى تلاحق الكيان الصهيوني عند التحدث عن سجونهم السرية.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق