تداعيات الخلاف الجزائري -الفرنسي على خلفية النووي الفرنسي
منذ أيام قليلة احتفلت الجزائر بعيد استقلالها الـ 59، بعد ثورة تحرير أجبرت الاحتلال الفرنسي على الاعتراف بحق الشعب في تقرير مصيره ونيل استقلاله في الخامس من تموز 1962. لكن هذا الاستقلال، وإن حقق خروجاً للاستعمار، إلا أن جملة من الملفات والقضايا ما زالت عالقة بين الجزائر وفرنسا، ولم تُسوَّ على الرغم من مرور نحو ستة عقود، وما زالت المفاوضات بشأنها تسير بشكل بطيء، وسط مماطلة فرنسية مستمرة، وضعف في الضغط الجزائري نتيجة إكراهات سياسية واقتصادية داخلية.
ورغم انتهاء الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1962، ما زال البلد العربي يعاني حتى اليوم من جرائم باريس الاستعمارية التي “لا تسقط بالتقادم”، وأخطرها نتائج الانفجارات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.
الجزائر طالبت فرنسا في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون بتطهير أراضيها من تلك النفايات، إلا أن باريس لم تقدم من الناحية الفنية أي مبادرة لتطهير المواقع، كما لم تقم بأي عمل إنساني لتعويض الضحايا.
هناك ايضاً ملف “الألغام” التي لا تزال تحصد أرواح الجزائريين، فالألغام التي زرعها الاحتلال الفرنسي قبل رحيله، لا تزال تنفجر ليسقط على إثرها آلاف القتلى وأصحاب الإعاقات الجسدية عبر عقود، فيما تسارع السلطات المحلية الزمن لنزعها في عملية انطلقت قبل نصف قرن ومازالت متواصلة.
وأزال الجيش الجزائري قرابة 80 بالمائة من مجموع الألغام التي زرعتها السلطات الاستعمارية، على مرحلتين الأولى بدأت في عام 1963 وتواصلت 25 عاما والثانية بدأت في عام 2004 ومستمرة إلى اليوم، فيما تعلن وزارة الدفاع بشكل دوري في بيانات عن تدمير مئات الألغام التي زرعها الجيش الفرنسي أثناء حرب التحرير (1954-1962).
ويفوق عدد الألغام الذي أزالتها وحدات الجيش الجزائري المتخصصة على المرحلتين 8.8 ملايين لغم أرضي، ما يعني أنه تمكن من تطهير أغلب المواقع التي كنت حقول ألغام في السابق، بحسب بيانات رسمية.
وهناك آلاف الرجال الجزائريين الذين يتعدى سنهم 50 سنة من أمثال شمس الدين يعيشون بإعاقات دائمة بسبب ألغام الاستعمار الفرنسي.
التجارب النووية
ما زالت آثار التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء مستعمرتها السابقة، الجزائر، تلوث ملف العلاقات بين البلدين بعد مرور أكثر من 60 عاما على هذه التجارب. وترى الجزائر أن التفجيرات النووية في الصحراء تعد من الأدلة الدامغة على الجرائم المقترفة، إذ لا تزال إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة، وما زال المئات من المواليد الجدد في المنطقة يولدون بتشوهات خلقية، إضافة إلى تصاعد أعداد مرضى السرطان. وبرأي الحكومة الجزائرية فإن باريس ضمنت، في قانون يعرف باسم مورغان” صدر في يوليو 2010 ويتعلق بتعويض ضحايا التفجيرات النووية، شروطاً تعجيزية تستهدف منع الجزائريين المتضررين من الحصول على أي تعويض، على الرغم من أن التجارب النووية ما زالت تسبب أمراضاً سرطانية وتشوهات جسدية.
ومؤخراً قال وزير المجاهدين الجزائري، الطيب زيتوني، إن فرنسا ترفض تسليم بلاده خرائط تفجيرات نووية أجرتها في صحرائها، خلال ستينيات القرن الماضي.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية مع الوزير، بمناسبة الذكرى الـ59 لاستقلال البلاد عن فرنسا، في الـ 5 من تموز 1962.
وأجرت السلطات الاستعمارية الفرنسية، سلسلة من التجارب النووية بالصحراء الجزائرية (4 فوق الأرض و13 تحت الأرض)، في الفترة ما بين 1960- 1966، وفق مؤرخين.
وأفاد زيتوني، بأن “الطرف الفرنسي يرفض تسليم الخرائط الطبوغرافية التي قد تسمح بتحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيماوية غير المكتشفة لغاية اليوم”.
وأضاف: “كما أن فرنسا لم تقم بأي مبادرة لتطهير المواقع الملوثة من الناحية التقنية أو بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين”.
واستدرك: “التفجيرات النووية الاستعمارية تعد من الأدلة الدامغة على الجرائم المقترفة التي لا تزال إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط”.
وظل ملف التفجيرات النووية الفرنسية، موضوع مطالب جزائرية رسمية وأخرى من منظمات أهلية، من أجل الكشف عن أماكن النفايات النووية، وتعويض ضحاياها والمتضررين منها جراء الإشعاعات.
وبينما تقول الجزائر إن ما جرى هو “تفجيرات نووية”، تعتبر فرنسا أنها “مجرد تجارب نووية”.
فيما قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مقابلة مع صحيفة “لوبوان” الفرنسية، مطلع حزيران الماضي: “نطلب من فرنسا تنظيف مواقع التجارب النووية، ونأمل منها معالجة ملف ضحاياها”.
التاريخ يتحدث عن الإرهاب الفرنسي وإجرامه
في صبيحة الثالث عشر من شباط عام 1960، وبعد 45 دقيقة فقط من تفجير الجيش الفرنسي لقنبلة نووية خلال تجربة في الصحراء الجزائرية، أرسل الرئيس الفرنسي شارل ديغول رسالة إلى وزير دفاعه قال فيها:
“تحية ابتهاج (هورا) لفرنسا. هذا الصباح هي قوية وفخورة. أشكركم من أعماق قلبي، أنتم وأولئك الذين حققوا هذا النجاح العظيم”.
وعرفت تجربة تفجير قنبلة ممتلئة بالبلوتونيوم باسم “الجربوع الأزرق”. ونُظر إلى تفجيرات الأسلحة النووية الـ 16 التي أعقبتها في الصحراء الجزائرية بوصفها استعراضا لقوة فرنسا وتطورها التكنولوجي.
في ذلك الوقت، كان الجزائر مستعمرة فرنسية. وحتى الآن، ظل الوضع على الأرض، حيث اشترك في العمل على هذا المشروع 6500 من المهندسين الفرنسيين والجنود والباحثين إلى جانب 3500 من العمال اليدويين الجزائريين، لا يحظى بالترحيب.
وقد برر الجنرال شارل أيوغيه، الذي كان مسؤولا عن العملية، تفجير مثل هذا السلاح القوي في الجنوب الغربي الجزائري بقوله “كان الغياب التام لأي مظهر من مظاهر الحياة أساسيا في اختيار الموقع”.
بيد أن السكان القاطنين في بلدة رقان الواقعة على بعد عشرات الكيلومترات من موقع الانفجار لهم رأي مخالف لذلك.
وفي أعقاب تفجير “الجربوع الأزرق” مباشرة، وكانت هناك مظاهرات في عموم المنطقة حيث أن سِقْط الغبار الملوث بالإشعاع النووي المتخلف من الانفجار يمكن اكتشافه ضمن مسافات واسعة تصل إلى السنغال وساحل العاج وبوركينا فاسو والسودان.
وبعد أن وقعت فرنسا على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، قال تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي في عام 1998: “كانت الانفجارات الجوية الفرنسية موضع انتقادات متزايدة من الدول الأفريقية المحاذية للصحراء”.
وأوضح التقرير “إنهم لا يفهمون لماذا سنواصل استخدام تقنية ملوثة بوضوح، على الرغم من كل الاحتياطات المتخذة لتقليل الغبار النووي الناجم عنها”، بيد أن التقرير لم يحدد ما هي هذه الاحتياطات.
وبعد أربع تجارب أجريت فوق الأرض في منطقة رقان، قررت السلطات الفرنسية في عام 1961، أن تجري تجارب تحت الأرض في منطقة عين إيكر الواقعة على في بعد نحو 700 كيلومترا داخل جبال الهقار المعروفة بمناظرها الخلابة.
ولكن حتى هذه التجارب التي أجريت تحت الأرض تسببت بوقوع تلوث.
فخلال تفجير القنبلة التي عرفت باسم بيريل، على سبيل المثال لا الحصر، قذفت مادة إشعاعية إلى الغلاف الجوي في المنطقة جراء وجود فتحة تحت الأرض لم تغلق بشكل صحيح.
وهز الانفجار عموم المنطقة المحيطة بالجبل، وحض المراقبون للتجربة العاملين على الابتعاد من المنطقة المحيطة لأن انفجار القنبلة فتح شقا في الجبل تسربت منه نفايات نووية إلى الهواء.
وقد تضرر تسعة جنود بشدة جراء التلوث الإشعاعي الذي تسببت به التجربة، بينما كان عدد كبير من المسؤولين الحكوميين مدعويين لحضور مشاهدة الانفجار في التجربة.
وبعد أكثر من عشر تجارب أجريت تحت الأرض في منطقة عين إيكر، نقل الجيش الفرنسي تجاربه إلى جزر بولينزيا الفرنسية في المحيط الهادئ.
وحتى اليوم، ما زال الغبار النووي الناجم عن التجارب النووية الفرنسية في الصحراء يلوث العلاقات الجزائرية الفرنسية.
ويقدر باحثون محليون أن آلاف الجزائريين قد عانوا من آثار الإشعاعات النووية في عموم الصحراء الجزائرية، وما زال العديد من المواقع حتى الآن في عداد الأماكن التي ستجري إزالة التلوث منها.
واكتسبت القضية أهمية مضافة عشية قرار البلدين بتشكيل لجنة تهدف إلى اقتراح اجراءات لتذليل العقبات التي تكتنف هذه العلاقات، والتي ما زالت مثقلة بإرث 123 عاما من الاستعمار.
وفي تقرير أعد لحساب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تناول المؤرخ بنيامين ستورا القضية النووية، قائلا إن فرنسا والجزائر يجب أن يعملان معا على تنظيف مواقع التجارب.
بيد أنه لم يتحدث كثيرا عن التعويضات. وكانت مقترحاته مبهمة جدا بالنسبة للجزائريين الذين يقولون إنهم سيستمرون في المعاناة من آثار التجارب الفرنسية.
المصدر / الوقت