حلقة جديدة من مسلسل التضييق على مسلمي فرنسا بعد إقرار قانون مكافحة ” الانفصالية”
في خطوة جديدة معادية للاسلام و المسلمين من قبل السلطات الفرنسية، وافقت الجمعية الوطنية في فرنسا بشكل نهائي على مشروع قانون لمحاربة ما تسمى “الانفصالية”، المثير للجدل و الذي يقدم رؤية ضيقة للعلمانية ويستهدف المسلمين وحرياتهم الدينية حيث جرى التعريف به أول مرة باسم “مكافحة الاسلام الانفصالي”، ما أثار موجة غضب وتنديد كبيرة في الداخل والخارج.
وينص القانون على فرض الرقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، يفرض كذلك قيودًا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل، في وقت يحظر فيه ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي. ويحظر القانون على المرضى اختيار الأطباء وفق جنسهم لاعتبارات دينية أو غيرها، كما يجعل التثقيف العلماني إلزاميًا لكل موظفي القطاع العام، وفي الـ2 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عرف الرئيس ماكرون مشروع القانون تحت اسم “مكافحة الإسلام الانفصالي”، وجرى تغيير اسمه لاحقًا إلى مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية نتيجة الاعتراضات.
حيث يرى معارضو مشروع القانون، أنه يستهدف المسلمين في فرنسا، ويكاد يفرض قيودًا على مناحي حياتهم كافة، ويسعى إلى إظهار بعض الأمور التي تقع بشكل نادر كأنها مشكلة مزمنة، ومن المنتظر أن يتم بموجبه تعزيز الرقابة على الجمعيات والمنظمات المدنية التابعة للمسلمين وتمويل الأنشطة الدينية. و كان مجلس الشيوخ الفرنسي قد صوّت في إبريل/ نيسان امن هذا العام، على تعديلات لتشديد الإجراءات الواردة في مشروع قانون “تعزيز احترام مبادئ الجمهورية” من توسيع منع الحجاب الإسلامي، منع المحجبات من مرافقة أبنائهن في الرحلات المدرسية أو المشاركة والتنافس في الألعاب الرياضية، حظر لبس البوركيني في المسابح، حظر رفع الرايات الأجنبية داخل البلديات خلال حفلات الزواج، منع الصلاة في الجامعات، حرمان الوالدين من الإعانات الأسرية في حالة التغيب. كما تمت إعادة تعريف القانون بإضافة جملة “.. ومكافحة النزعات الانفصالية”،
ما هو قانون “مكافحة الانفصالية”
عقب تصويب القانون قال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، في تغريدة له عبر حسابه على تويتر: “أقر البرلمان بشكل نهائي مشروع قانون مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية”. وأضاف: “نمنح أنفسنا الوسائل لمحاربة من يسيئون استخدام الدين لمهاجمة قيم الجمهورية”.
وقد تمت الموافقة على القانون بأغلبية 49 صوتا مقابل معارضة 19، حسب ما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.وبموجب القانون الجديد، تصل عقوبة من يدان بجريمة “الانفصالية” التي أنشأها إلى السجن 5 سنوات، وغرامات تصل إلى 75 ألف يورو (88 ألف دولار) لمن يهددون أو يعتدون على مسؤول منتخب أو موظف مدني لعدم رغبتهم في اتباع القواعد التي تحكم الخدمات العامة الفرنسية، مثل رفض الخضوع للفحص الطبي من قبل طبيبة، حسب المصدر ذاته.
وفي 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، وافقت لجنة خاصة في الجمعية الوطنية الفرنسية، على مشروع القانون. وقد واجه “قانون الانفصالية” الذي أعدته حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، انتقادات من قبيل أنه يستهدف المسلمين في البلاد، ويكاد يفرض قيودا على كل مناحي حياتهم، ويسعى لإظهار بعض الأمور التي تقع بشكل نادر وكأنها مشكلة مزمنة.كما ينص على فرض رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين. ويفرض قيودا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل، كما يحظر ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي. ومن الجدير بالذكر أن فرنسا تعد من أكبر الدول الأوروبية من حيث حجم الجالية المسلمة، حيث منتصف 2016 كان يعيش فيها نحو 5.7 ملايين مسلم، بما يشكّل 8.8 بالمئة من مجموع السكان.
وفي أولى ممارسات السلطات الفرنسية بعد إقراها للقانون أقالت وزارة الداخلية الفرنسية إمام مسجد في إقليم لوار وسط البلاد بدعوى تلاوته آيات قرآنية وحديثا خلال خطبة عيد الأضحى اعتبرتها “منافية لقيم الجمهورية”.
وجاء قرار إقالة مادي أحمدا، إمام مسجد سانت شاموند الكبير بناء على طلب وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، بذريعة تلاوته في خطبته حديثا نبويا وآيات من سورة الأحزاب تخاطب نساء النبي محمد (ص). وطلب وزير الداخلية الفرنسي إقالة إمام المسجد بعد قيام إيزابيل سربلي، عضو المجلس البلدي عن حزب الجمهوريون، مشاركة مقطع فيديو للخطبة عبر الإنترنت. وطلب دارمانان من مكتب حاكم لوار فصل الإمام والتأكد من عدم تجديد تصريح إقامته، لأنه “يجد هذه العبارات غير مقبولة “و” يعتبرها ضد المساواة بين الجنسين”.
وفي حديثه إلى موقع Le Progres، قال الإمام أحمدا إن بعض العبارات والآيات في الخطبة تم أخذها واستخدامها خارج سياقها. وأضاف: “فتياتنا ليس عليهن البقاء في المنزل، فهن يصبحن طبيبات أو مهندسات”.
وفي رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت إدارة المسجد عزل الإمام. وقالت سلطات إقليم لوار إنها تعمل على عدم تجديد إقامة الإمام. كذلك، بناء على طلب وزير الداخلية، تمت إقالة إمام آخر يدعى مهدي، بعد أن نقد طريقة ارتداء بعض النساء المسلمات لملابسهن في خطبة ألقاها في 4 يونيو / حزيران في مسجد جينيفيلييه، أحد مساجد إقليم أوت دو سين. كما طلب وزير الداخلية من سلطات الإقليم التدخل وتعليق أنشطة المسجد إذا تكررت خطبة مماثلة، باستخدام الأدوات الجديدة التي يسمح بها القانون “لتعزيز احترام مبادئ الجمهورية”، والتي تقول الجماعات الحقوقية إنها تنطوي على مخاطر التمييز.
هذا وإن تنامي الخطاب المعادي ضد المسلمين الذي تتبناه السلطة ووسائل الإعلام الفرنسية خلال الفترة الماضية، يؤكد تراجع حرية التعبير في فرنسا وعدم القبول بالآخر. وسبق أن نددت منظمة العفو الدولية بالمناخ العدائي والخطاب التمييزي تجاه المسلمين في فرنسا في تقرير أصدرته بعنوان “التمييز ضد المسلمين: يجب على الدولة أن تتصرف” سلطت فيه الضوء على خطاب لوزير الداخلية الفرنسي الذي سرد فيه أمورًا تعد من أساسيات الحريات الدينية، بما في ذلك الصلاة والصوم وإطلاق اللحية، معتبرًا إياها علامة على التطرف.
ختام القول إن التضييق على المسلمين في فرنسا ليس وليد اليوم، لكن الفرق بين الأمس واليوم هو التماهي وسن قوانين كابحة لحرياتهم، فمسلمو الأمس كانوا في مجملهم من الطبقات الكادحة الفقيرة من العمال الذين لا كفاءة لهم، وجيء بهم ليعملوا بسواعدهم على إعادة إعمار فرنسا ما بعد الحرب العالمية الثانية. كان كلُّ همهم كسب قوت يومهم، وإرسال بعض النقود إلى ذويهم في بلدانهم الأصل. كانوا وبحكم عدم إتقانهم اللغة وجنسيتهم الأجنبية وطبيعة عملهم يمشون ورؤوسهم مطأطأة تواضعا لا ينطقون ولا يتكلمون، لا يجاهرون ولا يطالبون، وقابلين وضعهم. أما مسلمو اليوم فهم يعتبرون أنفسهم أبناء البلد، يتعاملون بمنطق صاحب البيت لا بمنطق الضيف، كيف لا، وقد ولدوا وترعرعوا داخل البلد؟ هذا يمثل الجزء الكبير منهم. أما الجزء الثاني فهو من المهن والكفاءات العليا من الأطباء والمهندسين والأساتذة والباحثين والخبراء، هم زبدة الأدمغة المهاجرة الأجنبية التي يقوم عليها شق كبير من الاقتصاد الفرنسي.
المصدر / الوقت