التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, ديسمبر 25, 2024

بعد مرور عام على تفجير بيروت.. من الذي يخاف من التحقيقات 

بعد مرور عام على القصف المروع الذي وقع في ميناء بيروت، لا يزال الوضع في لبنان غير مستقر. وبينما توقع المواطنون اللبنانيون تقديم الجناة إلى العدالة في ذكرى تفجير ميناء بيروت، لم يتم الإعلان عن جوانب كثيرة من تفاصيل هذه القصة بعد عام على وقوعها. ولقد لقى ما لا يقل عن 200 شخص مصرعهم وأصيب أكثر من 6000 في انفجار كبير وقع في الـ 5 أغسطس من العام الماضى. ومنذ ذلك الحين، تم توجيه أصابع الاتهام إلى الكيان الصهيوني وعملائه في لبنان، وألقى العديد من المحللين والخبراء في القضايا الإقليمية باللائمة على الكيان الصهيوني وعملائه في المنطقة. ولقد خلّف الانفجار الذي وقع في مستودع يحوي 2750 طنا من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت دمارا كاملا على العديد من المباني حول المرفأ، فيما أعلن محافظ بيروت خسائر بأكثر من 10 مليارات دولار.

وفي ذكرى مرور عام على انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، خرج اللبنانيون الأربعاء الماضي إلى الشوارع لتكريم ضحايا هذا الحادث المأساوي الذي تسبب في مقتل أكثر من 200 شخص وجرح الآلاف ولمطالبة سلطات البلاد بالكشف عن حقيقة ما جرى. ولقد كانت الوقفات الاحتجاجية في ثلاثة مواقع في بيروت. الوقفة الأولى نُظمت أمام مركز فوج إطفاء بيروت بحي “الكارنتينا” وهذا الفوج الذي فقد تسعة رجال إطفاء وامرأة عندما كانوا يحاولون مكافحة النيران التي اندلعت في سماء بيروت بسبب انفجار أكثر من 200 كيلوغرام من نيترات الأمونيوم. ولقد حضرت عائلات الضحايا في هذه الوقفة إلى جانب مواطنين بيروتيين. أما المظاهرة الثانية فقد نُظمت بساحة “ساسين” في حي الأشرفية لتنطلق بعد ذلك مسيرة كبيرة تجوب بعض أحياء بيروت التي تضررت من الانفجار إلى غاية رمز “المغترب” المقابل للمرفأ حيث سيتم الوقوف دقيقة صمت في عين المكان عند حدود السادسة وثماني دقائق مساء، (وهو وقت الانفجار)، تكريما لأرواح الضحايا. ومن هذا المكان، توجه المتظاهرون نحو مبنى البرلمان ونظموا وقفة للمطالبة برفع الحصانة عن المسؤولين المحتملين عن الانفجار.

لفتة الأمريكيين المتعاطفة

تزامنا مع ذكرى تفجير ميناء بيروت، توجه وزير الخارجية الأمريكية إلى حسابه على “تويتر” للتعبير عن تعاطفه مع الشعب اللبناني وعبّر عن تعازيه لحدوث هذه المأساة، وأكد “أنطوني بلينكين” التزام بلاده بدعم الشعب اللبناني، قائلاً: “إن الولايات المتحدة تواصل دعم الشعب اللبناني في سعيه نحو المستقبل المشرق الذي يستحقه”. وحسب صحفيين لبنانيين، وصل 11 جنديًا أمريكيًا إلى بيروت في رحلة عسكرية العام الماضي قبل أيام قليلة من الانفجار الذي وقع في الـ 5 آب 2020. ولقد جاؤوا في إطار مهمة تدريبية للقوات الخاصة في الجيش اللبناني، ولأسباب غير معروفة نفى الجيش اللبناني وجودهم.

الجدير بالذكر أنه في العام الماضي أيضًا، بعد الانفجار الهائل الذي وقع في ميناء بيروت، تم نشر صور رادار لعملية استطلاع غير عادية قامت بها أربع طائرات تجسس تابعة للبحرية الأمريكية على الساحل اللبناني السوري. وتكمن أهمية هذه النقطة ونشر هذه الصور في أن مصادر المخابرات الأمريكية كانت على علم بوجود 50 طناً من النترات كانت مخزنة في هذا الميناء منذ حوالي تسع سنوات، لكنها لم تعلن عن أي إجراء أو تحذير بشأنها ولقد زاد من وجود بعض عملائهم قبل الانفجار في بيروت شكوك بعض الخبراء اللبنانيين في أن الأمريكيين ربما تعمدوا السكوت عن الخطر الكبير الذي يمثله مستودع النترات في مرفأ بيروت.

الوعود التي بقيت على الأرض

كانت فرنسا من الدول الغربية الأخرى التي رأت في الوقت نفسه الذي حدث فيه تفجير بيروت، أن المجال مواتٍ لمتابعة تدخلاتها التاريخية في التطورات في لبنان. وحسب التعهد الفرنسي في قمة باريس، كان من المفترض أن تدفع فرنسا 4 مليارات دولار للبنان بعد تشكيل الحكومة، لكن بما أن الغرب ربما لا يملك المال بسبب كورونا والوضع الاقتصادي الصعب في العالم، فقد أوجدت فرنسا حتى الآن عدة عقبات أمام تشكيل الحكومة في لبنان حتى لا تضطر باريس إلى الوفاء بوعدها بالدفع. ومن ناحية أخرى، عندما لا يقدم الغرب مساعدات اقتصادية للبنان، فإن وضع الناس في هذا البلد سيصبح أكثر صعوبة، وبالتالي يأمل الغرب أن يهز هذا الأمر مكانة “حزب الله” في هذا البلد بهذه الضغوط الاقتصادية، لأنه بشكل أساسي أثارت الحرب التي استمرت 33 يوما بين “حزب الله” اللبناني والصهاينة عام 2006 قدراً كبيراً من الاستياء من هذا الحزب اللبناني ولهذا يسعى الصهاينة وإلى جانبهم الغرب للانتقام منهم.

من يخشى التحقيق في تفجير بيروت؟

بسبب موقع بيروت في منطقة الشرق الأوسط المتوترة والرحلات اليومية للطائرات العسكرية وطائرات التجسس الإسرائيلية إلى مختلف المدن اللبنانية، فضلاً عن إمكانية استخدام عبوات ناسفة يمكن لعملاء العدو نقلها إلى مستودع النترات أو احتمال توجيه ضربة صاروخية وعشرات الاحتمالات الأخرى تتطلب الاستعانة بالتحقيقات الدولية. ومن ناحية أخرى، يدرك قادة إسرائيل وأمريكا جيداً أنه إذا تم إجراء تحقيق دولي في الانفجار وثبت تورط الكيان الصهيوني، فستكون هناك عواقب وخيمة، وستتمكن الحكومة اللبنانية وشعبها الرد بحزم وفق المعايير الدولية، وإعطاء هذا العدوان السافر الصهيوني درسا قاسيا، وبالتالي لن تسمح واشنطن وتل أبيب بإجراء تحقيقات دولية. ودليل آخر يمكن أن يجعل الكيان الصهيوني متورطًا في التفجير هو ترحيب “موشيه فيجلين”، زعيم حزب “الهوية” اليميني المتطرف والنائب السابق لرئيس البرلمان الإسرائيلي، بالتفجير المروع الذي وقع في بيروت. حيث كتب “فيجلين” في رسالة نشرها على حسابه على “تويتر”: “لقد رأينا عرضًا مذهلاً للألعاب النارية في ميناء بيروت للاحتفال بعيد الحب في الـ 5 أغسطس حسب التقويم العبري”. وقال “فيجلين” مستخدما العبارة المثيرة للجدل “عيد الشكر”: “شكراً أيضاً للأبطال الحقيقيين الذين نظموا مثل هذا الاحتفال الرائع بعيد الحب”.

ومن ناحية أخرى، يجب النظر في العقبات الداخلية في لبنان من أجل إجراء تحقيق شفاف في تفجير بيروت. فبعد عام واحد من الانفجار الكبير، لم تؤد التحقيقات المحلية في الحادث بعد إلى اعتقالات كبيرة أو حتى تحديد الجاني، وتم إلقاء اللوم على السياسيين إلى حد كبير في حالة الجمود في القضية. ولم تحدد التحقيقات الداخلية حتى الآن سبب الانفجار، ومن أين جاءت المواد الكيميائية أو سبب تركها دون رقابة لمدة ست سنوات. ولقد تجنب المسؤولون في الحكومة والبرلمان وكبار الأجهزة الأمنية حتى الآن طرح الأسئلة، مستشهدين بما تسمى بنود “الحصانة” في الدستور. وفي هذا السياق، قال “يوسف لحود”، محامي مئات ضحايا الانفجار: “إنهم يحاولون ببساطة الهروب من العدالة”. ومع ذلك، يأمل الكثير من اللبنانيين أن يكون التحقيق في تفجير بيروت قادراً على تحديد الجناة ومعاقبتهم دون أي عمل سياسي. وفي الختام يمكن القول إنه مهما اختلفت أعمار اللبنانيين ودياناتهم والطبقات الاجتماعية التي ينتمون إليها، لا تختلف شهادات اللبنانيين بخصوص انفجار مرفأ بيروت والوضع الاقتصادي الذي آلت إليه البلاد. فهم ينظرون إلى الحكومة بنوع من الكراهية لعجزها عن تلبية أبسط المطالب مثل توفير المياه والكهرباء والدواء، ناهيك عن محاربة البطالة التي تفشت بنسبة كبيرة في السنوات الثلاث الأخيرة وتحديد هوية المسؤولين الذي تورطوا في انفجار مرفأ بيروت. وليس أمامهم سوى حلان، إما الرحيل إلى الخارج بحثا عن شمس مشرقة وإما التأقلم مع الواقع المر.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق