هل ستغير روسيا استراتيجيتها إزاء هجمات الكيان الصهيوني على سوريا
استخدم الكيان الصهيوني، طيلة الأعوام التي تلت عام 2011، الأزمة السورية كذريعة للتدخل في شؤون المنطقة ولتحقيق أهدافه الخبيثة بزعزعة استقرار منطقة غرب آسيا. فقد استهدف هذا الكيان طيلة السنوات الماضية قوات الجيش السوري بطائراته المقاتلة وضرباته الصاروخية.
واللافت هنا أن روسيا التي هي إحدى القوى الرئيسة في المعادلات الميدانية السورية، لم تبد أي رد فعل يذكر على هذه الهجمات؛ بمعنى آخر، كان الروس يمتنعون حتى وقت قريب عن اتخاذ خطوات جادة لوقف الهجمات الصهيونية والتصدي لها. لكن المعادلات الميدانية الجديدة تظهر أن الروس قد غيروا استراتيجيتهم ووضعوا الرد على تلك الهجمات على جدول الأعمال.
ولعل إحدى بوادر هذا التغيير يمكن ملاحظتها في موقف الأدميرال فاديم كوليت، نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا، الذي أعلن مؤخراً أن أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية أسقطت سبعة من ثمانية صواريخ إسرائيلية أطلقت على قواعد قرب حلب.
وبعد أيام، قال هذا الأدميرال إن إسرائيل أطلقت أربعة صواريخ أخرى على محيط حمص، وتم اعتراضها جميعها. لكن السؤال المطروق الآن ماهي أهداف فلاديمير بوتين من تغيير استراتيجيته في مواجهة هجمات الكيان الصهيوني – من موقف الصمت والقبول إلى الرد؟. بمعنى آخر، لماذا وضع الروس الآن سياسة مواجهة الكيان الصهيوني على جدول الأعمال؟
لماذا تعترض روسيا الصواريخ والهجمات الصهيونية
عند تحليل ومناقشة سبب تغيير موسكو لاستراتيجيتها في مواجهة هجمات الكيان الصهيوني على الساحة السورية، يمكن النظر في ثلاثة محاور مهمة.
الأول: موسكو نحو تثبيت موقعها في غرب آسيا: ففي إطار الهدف الاستراتيجي لروسيا، يعتبر الوصول إلى مياه الخليج الفارسي وبحر عمان والبحر الأبيض المتوسط أحد التطلعات السياسية للروس. فخلال الحرب الباردة، ضاعف الاتحاد السوفيتي جهوده للنفوذ في المنطقة ، لكن الفرصة لم تتح لهم ابدا للنفوذ وتثبيت الموقع في غرب آسيا، كما الحال في السنوات التي تلت عام 2011.
وفي الوضع الجديد، يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لمواجهة أي عمل تخريبي يهدف إلى زعزعة التوازن السياسي والاستقرار في سوريا من أجل تثبيت موقعه في منطقة غرب آسيا. والحقيقة أن الروس يدركون أهمية سوريا في الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط ومكانتها الخاصة في العالم العربي.
لذلك، فإن استراتيجية موسكو في مواجهة هجمات الكيان الصهيوني الجوية والصاروخية هي تعبير واضح لحقيقة مفادها بأن الروس يسعون إلى تثبيت موقعهم وقوتهم في المنطقة في خطوات لإنهاء الأزمة السورية.
الثاني: أهمية سوريا في إعادة بناء العلاقات مع العالم العربي: في السنوات التي تلت عام 2014، دخل الروس رسمياً على خط الأزمة السورية، حيث أدى دعم موسكو للرئيس بشار الأسد إلى اتباع بعض القادة العرب سياسة البُعد عن روسيا، كما هو حال ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان .
وتتوضح رؤية هذه القضية من خلال علاقات روسيا مع دول أخرى مثل البحرين والأردن والسودان، إلخ. فيبدو أن الاستراتيجيين الروس قد أدركوا بوضوح الحاجة إلى عودة الاستقرار في سوريا وحل توترات دمشق مع الدول العربية الأخرى، مما قد يمهد الطريق لتعزيز علاقات موسكو مع العالم العربي. لذلك الآن، ومن أجل منع الكيان الصهيوني من خلق أزمة في سوريا، واضح أن الروس غيروا تكتيكاتهم في مواجهة هجمات هذا الكيان العدوانية.
الثالث: الروس يدركون الحقائق الميدانية في التحالف الاستراتيجي مع قوى المقاومة: يمكن دراسة سبب آخر للجوء موسكو الى نهج مواجهة هجمات الكيان الصهيوني العدوانية في الارتباط بمعادلات الميدانية للأزمة السورية.
دأب الإعلام والمسؤولون الروس خلال السنوات الماضية على وصف إيران وفصائل المقاومة الأخرى في الأزمة السورية على أنهم حلفاء، لكن من الناحية العملية، لم ترد روسيا أبداً على هجمات الكيان الصهيوني، بل اكتفت بإدانتها فقط. حقيقة الأمر هي أن العلاقات الجيدة بين موسكو وتل أبيب كانت دائماً أحد الأسباب الرئيسية لتماهي الروس في السنوات الأخيرة، لكن استمرار هذه التماهي سيكون له حتماً تأثير سلبي على موقف السياسيين السوريين والمقاومة الإسلامية في المنطقة.
ومن المهم أيضاً أن يشكك الروس في وعود الولايات المتحدة الأمريكية حول أنها لن تمضي في خطة تقسيم سوريا بعد انسحاب قوات المقاومة منها، وإعادة جميع المناطق إلى الحكومة المركزية.
في الحقيقة، يتوقع أن يميز فلاديمير بوتين، بصفته سياسياً مخضرما، بين مؤامرات واشنطن و الحقائق على الأرض. لأن سوريا تعتبر الآن اختبارا للثقة في التحالف مع روسيا، في وقت ضعفت فيه التحالفات بين أمريكا وحلفائها الإقليميين خلال عهد ترامب والانسحاب غير المسؤول من أفغانستان في عهد بايدن.
المصدر/ الوقت