ما مستقبل القاعدة الدستوريّة للانتخابات في ليبيا
عقب سنوات طويلة من حرب المصالح المستعرة في الجمهورية الليبيّة، ما زال المسار السياسيّ في البلاد يدور في حلقة مفرغة، رغم احتضانه من غالبية القوى المؤثرة الإقليميّة والدوليّة، لأن خيار الحرب في ليبيا أوصل الأمور إلى طريق مسدود، وفي ظل الحديث مؤخراً عن مؤشرات هامة لاقتراب الحل السياسيّ المُتعثر منذ 7 سنوات، إنّ المقترحات الأربعة المطروحة حاليّاً تمثل بحسب الطرف الآخر فخاً أتقن الإخوان وحلفاؤهم نصبه حيث باعتبار أن 3 مقترحات منها تخدم مصالح الإسلام السياسيّ، فيما يعود “ملتقى الحوار السياسي ّالليبيّ” إلى الانعقاد يوم الأربعاء القادم لحسم موقفه من ملف القاعدة الدستوريّة للانتخابات المقررة في 24 كانون الأول المقبل، وذلك بالتصويت على أحد المقترحات تلك، والتي حددتها لجنة التوافقات في تقريرها النهائيّ بعد فشلها في الفصل فيها.
بعد فشل ملتقى الحوار السياسيّ الليبيّ الذي يتم برعاية الأمم المتحدة، في وضع حد لحالة الانقسام والصراعات السياسيّة الداخليّة والدوليّة وما يرتبط بها على الساحة العسكريّة، بيّنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنّها ستتولى تسيير اجتماع افتراضيّ للملتقى في 11 آب للنظر في النتائج التي خلصت إليها لجنة التوافقات والخطوات اللاحقة وذلك عقب اختتام اللجنة لمداولاتها التي جرت في السادس عشر والسابع والعشرين والثلاثين من تموز المنصرم والثاني من آب والتي أسفرت عن أربعة مقترحات للقاعدة الدستورية للانتخابات.
ومع ازدياد اللاعبين الدوليين غير الآبهين بمستقبل هذا البلد وشعبه، وازدياد حجم المأساة بسبب عدم الرغبة الدوليّة أولاً والداخليّة المرتبطة بالخارج ثانياً للتوصل إلى حل ينقذ البلاد من وحل الحرب، قال المبعوث الأمميّ، يان كوبيش، في رسالة أعضاء ملتقى الحوار السياسيّ الليبيّ: “عند النظر في أيّ من هذه المقترحات، من المهم إبداء الاحترام التام لشرط عدم إخلال أي منها بالالتزام الذي قطعتموه أمام الشعب الليبيّ بإجراء الانتخابات في الإطار الزمنيّ الذي حددته خارطة الطريق”.
وباعتبار أنّ السلطات الليبيّة الجديدة تسعى لاستثمار التأييد الدوليّ الذي حصلت عليه لترسيخ دورها في الإعداد للانتخابات العامة بعد عدة أشهر، وفرض التعاطي معها بوصفها “الممثل الشرعيّ” الوحيد لليبيين، سيكون التحدي كبيراً أمام ملتقى الحوار الليبيّ المنقسم على نفسه، والخاضع لتجاذبات سياسيّة وحزبيّة ومناطقية وأيديولوجيّة، إضافة إلى مصالح وحسابات سبق وأن أدت إلى فشله مراراً، ومنها اجتماعه الأخير بجنيف الذي انتهى في 12 تموز الماضي دون التوصل إلى تحديد القاعدة الدستوريّة، الشيء الذي مثل خيبة كبيرة للمجتمع الدوليّ.
وفي ظل وجود توافق دوليّ على أنّ “الانتخابات العامة” تُشكل حجر الزاوية في قضية الحل السلميّ في ليبيا، التي مزقتها الصراعات والحروب بالوكالة على مدى سنوات طويلة، أعلن منسق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ريزدون زنينيغا، قبل أيام، عن اختتام الاجتماع الافتراضيّ الرابع والأخير للجنة التوافقات المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسيّ الليبيّ، الذي اكتفى بتحديد 4 مقترحات للقاعدة الدستوريّة ليتم عرضها على ملتقى الحوار لاختيار أحدها، فيما تبقى الانتخابات المرجعية الدستوريّة التي لم يتحقق حولها التوافق المطلوب حتى اليوم.
وبالاستناد إلى المتغيرات السياسيّة على الساحة الليبيّة، كان الهدف من اجتماعات لجنة التوافقات التوصل إلى اتفاق بشأن مقترح توفيقيّ أو أكثر، بناء على مقترح اللجنة القانونيّة لقاعدة دستوريّة للانتخابات الوطنيّة المقبلة في كانون الأول المقبل، لكن أعضاء اللجنة أقرّوا بأن جميع إمكانيات التوصل إلى حل وسط بشأن مقترح واحد قد استنفدت، وطلبوا بالتالي من البعثة إحالة المقترحات الأربعة الأخيرة إلى الجلسة العامة لملتقى الحوار السياسيّ الليبيّ للنظر فيها واتخاذ قرار بشأنها.
وفي الوقت الذي تستمر فيه أجواء الحرب الأهليّة المدعومة من الخارج، وينفخ مجدداً في نار الصراعات الأيديولوجيّة والمناطقيّة، تقول بعثة الأمم المتحدة: “بدأ ملتقى الحوار السياسيّ بمقترح واحد قدمته اللجنة القانونيّة المنبثقة عنه في تموز المنصرم، ثم تدارس مقترحاً آخر قدمه أعضاء اللجنة الاستشاريّة المنبثقة عنه في مدينة جنيف في حزيران، إلا أنه انتهى به المطاف بثلاثة مقترحات حينها، والآن هناك أربعة مقترحات من لجنة التوافقات، كما سبق وأن تم تكليف 3 لجان لإعداد قاعدة دستوريّة للانتخابات وهي اللجنة المشتركة بين مجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاريّ، واللجنة القانونيّة واللجنة الاستشاريّة المنبثقتين عن الملتقى الحواريّ دون التوصل إلى أيّ نتائج حاسمة، وكانت لجنة التوافقات هي اللجنة الرابعة، غير أنها فشلت أيضاً بدورها في الوصول إلى نتيجة هامة.
علاوة على ذلك، تمثل المقترحات الأربعة المطروحة على الملتقى الحواريّ فخاً من الإخوان وحلفاؤهم بالنسبة للطرف الآخر، حيث إن ثلاثة منها تصب في خدمة تيار الإسلام السياسيّ وفق وجهة نظرهم، وتجد دعماً من الزعامات الجهويّة لاسيما في مدينة مصراتة، ومن أمراء الحرب، ومن قوى “17 فبراير”، فيما تمثل أداة لقطع الطريق أمام تيارين مهمين في المشهد الليبيّ وهما التيار الداعم للجيش بقيادة الضابط المتقاعد، خليفة حفتر، وتيار النظام السابق الذي يتصدره سيف الإسلام القذافي.
وحسب مواقع إخباريّة، فإنّ المقترح الأول يتمثل بين المقترحات الأربعة التي ستعرض على الملتقى في تنظيم انتخابات رئاسيّة وبرلمانية بشروط ميسرة ومفتوحة للترشح لكل الليبيين، لكن يواجه معارضة شديدة من جماعة الإخوان المسلمين، ومن بعض القيادات والزعامات ذات العلاقات الواضحة مع الحلف التركيّ – القطريّ، في ظل معارضة لهذا المقترح داخل الملتقى كنتيجة لاختلال التوازنات الواضح منذ الإعلان عن قائمة تم اختيارها من قبل مهندسة خارطة الطريق الدبلوماسيّة الأميركيّة، ستيفاني وليامز، التي أنهت مهمتها في أوائل شباط الماضي.
وفي هذا الشأن، ينص المقترح الثاني على انتخابات برلمانيّة تتزامن مع انتخابات رئاسيّة مقيدة بشروط من بينها ألا يكون المرشح حاصلاً على جنسية أخرى وألا يكون ملاحقاً من قبل القضاء في الداخل والخارج، وأن يستقيل من منصبه العسكريّ إذا كان عسكريّاً وهي شروط موجهة بالأساس لحرمان كل من حفتر وابن القذافي من الترشح، ما يجعل هذا المقترح مرفوضاً من قبل أنصار الجيش والنظام السابق وأغلب الفعاليات القبليّة، لكنه يحظى بالمقابل بدعم الإخوان والمتحالفين معهم.
من ناحية أخرى، يدعو المقترح الثالث إلى إجراء انتخابات برلمانيّة فقط وانتخاب الرئيس لاحقاً من قبل البرلمان، وهو مقترح إخوانيّ بالأساس هدفه غزو البرلمان بالقائمات المستقلة والسيطرة عليه بواسطة المال السياسيّ وشراء الذمم وتحويله إلى حاكم فعليّ في البلاد لتنبثق عنه السلطة التنفيذيّة ممثلة في الحكومة ورئيس للبلاد بصلاحيات ضيقة لا تشمل القيادة العليا للقوات المسلحة، وفقاً لجبهة الجيش وحلفائه.
أما المقترح الرابع والنهائيّ، يتمثل في إجراء انتخابات برلمانيّة فقط تمهد لانتخابات رئاسيّة لاحقاً عقب الاستفتاء على الدستور، وهو كذلك مقترح إخوانيّ يصر عليه مجلس الدولة الاستشاريّ الخاضع لهيمنة الإسلام السياسيّ بحسب الجبهة المعادية، وهدفه الأساس تمرير مسودة الدستور المثيرة للجدل، أو إبقاء الوضع على ما هو عليه في حالة رفضها الشعبيّ، وهذا لا يبشر بالتوصل لنتائج إيجابيّة على المدى القريب، بسبب كثرة الخلافات والتجاذبات في معركة “تكسير العظم” بين الأطراف كافة لفرض الشروط، بدءاً من قضيّة إخراج المرتزقة والقوات الأجنبيّة، وليس انتهاءاً عند تلبية طموحات المتدخلين على هذه الأرض العامرة بخيرات النفط، لتحقيق أطماعهم وغاياتهم القذرة.
المصدر/ الوقت