السعودية؛ اعتقالات بالجملة تحت ذريعة الفساد و ما خفي أعظم
أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية “نزاهة”، أمس الاثنين، قيامها باعتقال 207 سعودي في قضايا إدارية وجنائية بينهم موظفون من 11 وزارة، والتحقيق مع 461 متهماً آخرين. وقالت “نزاهة” في بيان “لها باشرت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد خلال شهر ذي الحجة 1442هـ اختصاصاتها ومهامها من خلال التحقيق مع 461 متهماً في قضايا إدارية وجنائية، وإيقاف 207 مواطنين ومقيم منهم موظفون من وزارات (الدفاع، الداخلية، الحرس الوطني، الصحة، العدل، الشؤون البلدية والقروية والإسكان، البيئة والمياه والزراعة، التعليم، التجارة، الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، الإعلام).
وقالت إن الموقوفين متورطون بتهم الرشوة، واستغلال النفوذ الوظيفي وإساءة استخدام السلطة والتزوير، مشيرة إلى أنه جار استكمال الإجراءات النظامية تمهيدا لإحالتهم للقضاء. و تقوم السلطات السعودية كل فترة بحملة من الاعتقالات لكبار المسؤوليين في الدولة تحت ذريعة محاربة الفساد الأمر الذي يخبأ الكثير من الخفايا في طياته.
مع تكرار الإعلانات السعودية عن مكافحة الفساد من خلال تنفيذ حملات اعتقال؛ تارة بحق أمراء ومسؤولين، وتارة أخرى بحق موظفين وقادة كبار في أكثر من جهة وهيئة بذريعة تبديد الأموال ؛ يتساءل مراقبون عن جدية هذه الادعاءات بعد صدور تقارير غربية عن تبذير وبذخ غير مسبوق يقوم به ولي العهد محمد بن سلمان. غير أن كل أحاديث السلطات السعودية عن مكافحة الفساد والشفافية لا تجد طريقها إلى التصديق، في ظل ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن ولي العهد أنفق 50 مليون دولار على حفل خاص بمناسبة توليه ولاية العهد هذا وتعيش المملكة أوضاعا اقتصادية ومالية صعبة جراء انخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية، بالتزامن مع تداعيات أزمة جائحة كورونا، التي أدت إلى تباطؤ حاد في نمو الأعمال، ناهيك عن اضطرار الرياض لإلغاء زيارات العمرة وموسم الحج، وهو ما أفقد الميزانية إيرادات ضخمة؛ أجبرت البلاد على اللجوء إلى إصدار سندات من أجل تغطية النفقات وسد العجز الهائل.
مسلسل الاعتقالات السعودية
كانت وكالة الأنباء السعودية الرسمية قد أعلنت في 15 مارس/آذار 2020،عن مجموعة اعتقالات لمحاربة الفساد، مشيرة إلى أن “هيئة مراقبة الفساد” في الدولة السعودية حقّقت جنائيا بشأن 674 من موظفي الدولة وأمرت باحتجاز 298 منهم بتهم “فساد مالي وإداري تمثلت في جرائم الرشوة، واختلاس وتبديد المال العام، واستغلال النفوذ الوظيفي، وسوء الاستعمال الإداري”. من بين المعتقلين ضباط جيش على رأس عملهم ومتقاعدون، ومسؤولو صحة، وضباط أمن تابعون لوزارة الداخلية، وقضاة. قال البيان إن إجمالي المبالغ التي أقروا بها بلغ 379 مليون ريال (101 مليون دولار). هذه الاعتقالات لم تكن الأولى، ولا الأخيرة على ما يبدو؛ ففي عام 2017 شنت السلطات حملة اعتقالات طالت أمراء ورجال أعمال بارزين ووزراء سابقين، وقالت الرياض حينذاك إن هذه التوقيفات تأتي في إطار حملة لمحاربة الفساد وها هي اليوم تعيد كتابة فصل جديد من مسلسل الاعتقالات تحت ذريعة محاربة الفساد.
وكانت قد انتهكت السعودية بشدة حقوق رجال أعمال سعوديين بارزين وأفراد من العائلة المالكة ومسؤولين حكوميين احتجزوا في ريتز كارلتون بين نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وفبراير/شباط 2018 خلال جولة الاعتقالات التي أطلقتها السلطات السعوديةعام 2017 ضغطت السلطات حينهاعلى المعتقلين لتسليم أصولهم مقابل إطلاق سراحهم، وأفادت وسائل الإعلام بأن العديد من المعتقلين أبرموا صفقات مقابل إطلاق سراحهم. في مارس/آذار 2018، أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” أن السلطات السعودية استخدمت الاعتداء الجسدي لإجبار المعتقلين على تسليم الأصول، مشيرة إلى أن 17 محتجزا على الأقل احتاجوا إلى دخول المستشفى.
محاربة للفساد أم كم للأفواه
في كل حملة اعتقالات تقوم بها السلطات السعودية بحجج محاربة الفساد تبرز أسماء لكبار الشخصيات و الأمراء و المسؤولين السعوديين ففي حين كانت حملات الاعتقال السابقة تضم أسماء مثل الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني، نجل العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي أقيل في وقت سابق لتوقيفه ويواجه تهما بالفساد في صفقات السلاح، وأخيه الأمير تركي بن عبد الله، أمير الرياض السابق وذلك بتهمة الفساد في مشروع “قطار الرياض”. والملياردير السعودي المعروف، الوليد بن طلال والأمير فهد بن عبد الله بن محمد نائب قائد القوات الجوية الأسبق والمفاوض الرئيسي في صفقة اليمامة العسكرية مع بريطانيا. و ر ئيس مجموعة (MBC) التلفزيونية رجل الأعمال وليد الإبراهيم وغيرهم الكثيرون وها هي اعتقالات الأمس أيضاُ تضم مسؤوليين في وزارات الدفاع، الداخلية، الحرس الوطني، الصحة، العدل، الشؤون البلدية والقروية والإسكان، البيئة والمياه والزراعة، التعليم، التجارة، الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، الإعلام. حيث يعتبر محللون أن هذه الخطوة تأتي في مجال اخلاء الساحة لحكم ولي العهد السعودي والتخلص من معارضيه زكل من يقف في وجهه.
فساد الأمير المراهق
في الوقت الذي تشن السلطات السعودية سلسلة اعتقالات بحجج محاربة الفساد يبذر فرعون الفساد محمد بن سلمان أموال الشعب السعودي على ملذاته الدنيوية. لاتعتبر الحفلة الخاصة التي أقامها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سوى غيض من فيض من البذخ في أموال الشعب السعودي والتي كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن تكلفتها المقدرة ب50 مليون دولار فقد تحدثت الصحيفة أيضاً عن الواقعة التي شهدها منتجع “فيلا برايفت أيلاند” الفاخر في المالديف، مشيرة إلى رسو قوارب تقل 150 امرأة من البرازيل وروسيا ودول أخرى، حيث نُقلت كل واحدة منهن إلى عيادة لفحص الأمراض المنقولة جنسيا، قبل أن تستقر كل واحدة منهن في فيلا خاصة بها. وذكرت الصحيفة في تقرير أنه كان من المقرر أن تقضي النساء الجزء الأكبر من الشهر مع مضيفيهن، وهم العشرات من أصدقاء الأمير الشاب، ومُنع الموظفون من إحضار أجهزة نقالة مزودة بكاميرات، وقدم مغني الراب الأميركي بيتبول والنجم الكوري الجنوبي ساي عرضا هناك. وفي وقت سابق، كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن أن محمد بن سلمان اشترى عام 2015 -أي حينما تولي والده سلمان العرش- أغلى منزل في العالم، وهو عبارة عن قصر الملك لويس الرابع عشر، الواقع في لوفسيان قرب باريس، بقيمة 300 مليون دولار. وذكرت الصحيفة أن مساحة القصر تبلغ أكثر من 23 ألف هكتار، وتحيط به طبيعة خلابة، وتتوسطه نافورة مطلية بالذهب. ولم يقتصر بذخ ولي العهد على الحفلات الماجنة والمنازل الفارهة، حيث كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن أن محمد بن سلمان اشترى لوحة “المخلّص” للفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي مقابل 450 مليون دولار أواخر 2017. وكشفت الصحافة الغربية أيضا عن أن بن سلمان اشترى يختا بقيمة 550 مليون دولار عام 2016 خلال إجازة قصيرة في جنوب فرنسا، حيث يصل طول اليخت إلى 440 قدما، ويضم أحواض سباحة و12 غرفة فاخرة ومنصتين لهبوط طائرات مروحية. وبذلك يكون بن سلمان قد اشترى منزلا ويختا ولوحة بقيمة 1.3 مليار دولار، بينما تنتهج بلاده سياسة تقشفية قادتها إلى مضاعفة ضريبة القيمة من 5 إلى 15% دفعة واحدة، في ظل أزمات اقتصادية بفعل حروب النفط الخاسرة التي يخوضها ولي العهد السعودي.
المصدر/ الوقت