التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, ديسمبر 27, 2024

الكيان الصهيوني؛ سرقة ممنهجة للتراث الفلسطيني 

عمدت الصهيونية منذ الأزل، وسلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية احتلالها للأراضي الفلسطينية إلى استخدام كافة السبل والسياسات التي تستهدف السيطرة على كافة المقدرات التي حباها الله لفلسطين، بأرضها وبحرها وجوها وحجرها وبشرها وشجرها ومائها، ولم تستثن تراثاً فلسطينياً دون العمل لفرض ساديتها عليه، متدرعة بالقوة ومساندة القوى والدول التي تؤيد قهر الشعوب واستغلالها دون رادع من ضمير أو أخلاق أو قانون، متجاوزة كل محظور، وغير آبهة لأية ردود. وقد طالت هذه السياسة تاريخ هذه الأرض، واستهدفت شواهدها التاريخية الضاربة جذورها في عمق التاريخ لنزع الشرعية التاريخية التي سطرتها أيدي أجداد الفلسطينيين القدماء عبر فترات الزمن الغابر، والتي تثبت أن أرض فلسطين هي عربية فلسطينية بلا منازع؛ فاستهدفت المواقع الأثرية التاريخية التي تنتشر في كل أنحاء فلسطين من أقصاه إلى أدناه؛ وعمدت إلى تزوير الحقائق، واجتهدت في البحث عن آثار توراتية لفقتها أكف قاداتها الدينية لإثبات أي صلة تربط اليهود بهذه الأرض؛ فسخرت حكوماتها المتعاقبة موازنات ضخمة لتنفيذ مخططات تزور وجه الأرض؛ فأخفت الآثار التي تتناقض مع الروايات والأساطير الصهيونية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن سياسة استهداف الآثار الفلسطينية ليست جديدة العهد بل بدأت منذ أوائل القرن الماضي عندما تم تأسيس “جمعية أبحاث أرض إسرائيل” عام 1913 لهذا الغرض.و كان جل اهتمام هذه الجمعية يتمثل في البحث عن الآثار في فلسطين. وتفيد التقارير بأن إسرائيل سيطرت على المتحف الوطني بُعيد احتلالها للقدس 1967، ودمرت أو غيرت هوية معظم المتاحف والمكتبات الفلسطينية القديمة. كما تم تهريب نحو مليون قطعة أثرية منذ 1967، بينما تتباهى إسرائيل بعرض قطع أثرية فلسطينية في متاحفها. لم يمر على التاريخ أي قوة استعمارية عملت ما قامت به الحركة الصهيونية من استلاب و طمس للتراث و التاريخ الفلسطيني فهي حركة ليس لها تاريخ أو جغرافيا فتسعى للتعويض عن ذلك بسرقة الأرض و العقول و استلاب التاريخ و الهوية الفلسطينية.

ويؤكد الخالدي في كتابه ” حرب المئة عام على فلسطين” بأن الحرب على فلسطين لم و لا تزال غير محصورة بالبعد العسكري بل تشمل اجتثاث الفلسطينيين من أرضهم و شطب تاريخهم و إعادة كتابة تاريخ لفلسطين مزور و منقطع عن أهلها الذين توارثوها على مدى 4 ألفيات، ويضيف “نرى يوميا الجهد الصهيوني الهائل والمدعوم من جهات أميركية نافذة والذي يستهدف نفي الوجود الفلسطيني ليس سياسيا وحسب، بل وهوياتيا وثقافيا”.

متى بدأت إسرائيل تسرق التراث والأدب الفلسطيني؟

جاء حديثنا متأخرا مئة عام عن الفعل اليهودي تجاه التراث الفلسطيني، لكن هناك حركة واعية ظهرت بعد عام 1967 عندما لاحظ الفلسطينيون والعرب أن الإسرائيليين قد سرقوا كل شيئ تقريبا من التراث وسجلوه في المنظمة الدولية للتراث الإنساني (اليونيسكو) باسم إسرائيل كتراث إسرائيلي، وقد بدأ اليهود تحركهم في نهاية القرن التاسع عشر وذلك بإرسال أساتذة وباحثين أوروبيين إلى فلسطين لدراسة هذا التراث تمهيدا لسرقته، حيث أن الدراسات التي قام بها المستشرقون في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت مدعومة صهيونيا في أغلبها، وقد كانت النتيجة الحتمية لهذه الدراسات هي أن ما يقال في فلسطين وعادات وتقاليد أهالي فلسطين نابعة من التوراة، فهم يريدون أن يربطوا هذه العادات والتقاليد بالوجود اليهودي في فلسطين.

أساليب تهويد القدس

منذ أن احتلت إسرائيل مدينة القدس عام 1967م، لم تدخر جهدا للسيطرة عليها وتغيير معالمها العربية الفلسطينية، بهدف تهويدها، وقد استخدمت لأجل ذلك الكثير من الوسائل والأساليب، وقامت بالعديد من الإجراءات ضد المدينة وسكانها، حيث كان الاستيطان أهم الوسائل لتحقيق هدف إسرائيل الأساسي تجاه مدينة القدس المحتلة، نذكر بعضاً من هذه الأساليب:

زرع قبور وهمية؛ حيث قامت جمعيات استيطانية بزرع قبور وهمية، بحيث تنتشر هذه القبور بالتزامن مع عمليات هدم المنازل والمباني الفلسطينية، وتهجير أصحابها الأصليين، وزرع البؤر الاستيطانية، وشق الأنفاق لتهويد المدينة المقدسة.

سحب هويات المقدسيين؛ فقد عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تنفيذ توصية اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون القدس لعام 1973م، برئاسة غولدا مائير، والتي تقضي بألا يتجاوز عدد السكان الفلسطينيين في القدس 22% من المجموع العام للسكان، وذلك لإحداث خلخلة في الميزان الديمغرافي في المدينة، لذلك فقد لجأت سلطات الاحتلال إلى استخدام أسلوب سحب الهويات من السكان العرب في القدس.

تهويد أسماء المواقع الفلسطينية؛ تحاول سلطات الاحتلال طمس أسماء القرى والمدن الفلسطينية، ومنذ النكبة الفلسطينية إلى الآن تم تحويل حوالي 7000 اسم لمواقع فلسطينية على الأقل إلى أسماء “عبرية”، فضلاً عن تغيير الأسماء التاريخية والمواقع الجغرافية واستبدال أسماء مناطق عربية بأسماء إسرائيلية، ولتأكيد ذلك قامت بإضافة الأسماء العبرية الجديدة في المناهج التعليمية، لترسيخها في الأذهان.

الاستيلاء على الأملاك؛ دأب المستوطنون بتوجيه من قوات الاحتلال، على ادعاء استرجاع أملاك كانت لهم في سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وتساعدهم الحكومة الإسرائيلية في ذلك بمنحهم أوراقا مزورة بحرفية عالية تثبت صحة ادعائهم، ولقد أقام المستوطنون العديد من الدعاوى القضائية اعتمادا على وثائق مزورة، ومايحصل اليوم في حي الشيخ جراح خير مثال على ذلك.

بالإضافة إلى جميع هذه المحاولات یحاول الصهاينة أن يختلقوا تاريخ قديم لأنفسهم و يحاولون عنوة إلصاق أنفسهم بتاريخ المنطقة حيث شكلت سرقت التراث الفلسطيني نهجاً استراتيجياً قديماً، حتى أن النباتات الفلسطينية والعربية، لم تسلم من القرصنة الصهيونية، حيث اختارالكيان الإسرائيلي زهوراً برية ونباتات فلسطينية لتمثيلها في حديقة النباتات والورود، التي أقامتها الصين بمناسبة استضافتها للألعاب الأولمبية عام 2008. وعلى سبيل المثال وليس الحصر فإن زهرتي قرن الغزال و شقائق النعمان وشجرة الزيتون، ثبّتت باسم الكيان الصهيوني في الحديقة الصينية. أما عن سرقة المأكولات الفلسطينية فحدث ولا حرج عن اللصوصية الإسرائيلية، التي وصلت إلى حد المشاركة في المهرجان السنوي «للمفتول» الذي انعقد في مدينة سان فيتو لوكار الإيطالية عام 2000، لتفوز بالجائزة الأولى لأحسن طبق مفتول، وكذلك المشاركة في مسابقات عالمية أخرى للطهو بالأطباق الفلسطينية. وكل يوم يقوم الإسرائيليون بسرقة التراث الفلسطيني، وحتى الأولياء الصالحين المدفونين في فلسطين قام اليهود بتغيير لوحات قبورهم وكتابة أسماء يهودية إسرائيلية باللغات العبرية والإنجليزية.

نعم، إن حربا صامتة يشنها الاحتلال في محاولاته الفاشلة لسرقة التراث الفلسطيني و تسويقه حول العالم على أنه تراث اسرائيلي في محاولة لجعل الاحتلال أكثر رسوخاُ و لإعطاء الكيان الاسرائيلي صبغة الأصالة في المكان والإدعاء بأن القادمين من شتات العالم هم أصحاب الأرض و شطب الهوية الفلسطينية، وإحلال الهوية اليهودية الإسرائيلية مكانها، بالموازاة مع ما يجري على الأرض من تهويد واستيطان وتغيير لمعالمها و كما يقول المستشرق فيليب حتي«اليهود شعب همجي بلا حضارة، وكلما احتلوا منطقة سرقوا تراث أهلها ونسبوه إليهم»

ألم يحين الوقت للشعوب الاسلامية الحرة للمساءلة و المراجعة للواقع المعقد الذي آلت إليه القضية الفلسطينية في مختلف أبعاده و جوانبه بعد قرن من الحرب على الفلسطينيين انتهت باعتراف الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي؟!
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق