“محمد أشرف غني” الرئيس الهارب… لماذا انتهى مصير رئيس أفغانستان هکذا
شهدت صفحة ويكيبيديا الخاصة بأشرف غني تغيرًا طفيفًا منذ يوم الأحد 15 أغسطس 2021: أينما كتب “رئيس أفغانستان”، أصبح “رئيس أفغانستان السابق”؛ لكن لا يوجد مكان يتحدث عن انتخابات أو حتى انقلاب في أفغانستان.
وتقول وسائل إعلام مختلفة إن الرئيس الأفغاني أشرف غني قد “فر” من بلاده. واختار أشرف غني الإمارات وجهةً للهروب.
فيتنام بايدن؛ خروج أمريكا الكارثي من حرب كارثية
في صباح اليوم التالي، نشرت وسائل إعلام مختلفة عنوان “سقوط كابول”. لكن أشرف غني لم يكن الرجل الثري الوحيد الذي فر من بلده. والأمريكيون، الذين وعد رئيسهم مؤخرًا بإنهاء أطول حرب في تاريخهم المعاصر، استخدموا عبارة “الهروب”، في خطوة جسدت مزيجًا من الحقائق التاريخية وأفلام هوليوود.
واحدة من أكثر الصور انتشارًا على نطاق واسع حول هذا الهروب هذه الأيام، ترتبط بمقارنة إجلاء الأمريكيين من سفارتهم في سايغون(المعروفة الآن باسم مدينة “هو تشي منه”)، عاصمة فيتنام الجنوبية، بمغادرة آخر الدبلوماسيين والقوات الأمريكية من سفارة واشنطن في كابول.
حتى أن بعض وسائل الإعلام وصفت سقوط كابول بأنه “سقوط سايغون بايدن”، واعتبرته أسوأ لحظة في رئاسة بايدن حتى الآن.
وقد أصبحت هذه المقارنة شائعةً لدرجة أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين اضطر للرد على هذه الصور. وعلى الرغم من أن بلينكين ذکر صراحةً أن كابول “ليست سايغون”، إلا أن الأمريكيين أنفسهم يعرفون أن العالم يرى أوجه تشابه بين الاثنتين، حتى لو تجاهلت إدارة بايدن ذلك.
ومن المثير للاهتمام أيضًا أن نلاحظ أنه منذ حوالي شهر، عندما سأل أحد المراسلين بايدن عما إذا كان يرى أي تشابه بين الانسحاب الأمريكي من فيتنام وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، أجاب بايدن:
“لا تشابه، بأي حال من الأحوال. صفر. (في فيتنام) کان هناك لواء تلو اللواء يهاجمون سفارتنا. إذا لم أكن مخطئاً، ستة ألوية. طالبان ليست جيش فيتنام الجنوبية … وفيتنام الشمالية. أبدًا. ولا يمكن مقارنتهما حتى من حيث القدرة (والقوة العسكرية). لن ترون تحت أي ظرف من الظروف أشخاصًا يتم إبعادهم عن سطح سفارة الولايات المتحدة في أفغانستان. فلا يمكن مقارنتهما على الإطلاق.”
لكن هناك صور أخرى أيضًا أصبحت متاحةً هذه الأيام، والتي تذكرنا أكثر بأفلام هوليود. غالبًا ما رأى عشاق الأفلام المروعة في هوليوود، المرتبطة بأحداث آخرالزمان، كيف أن “منقذي العالم الأمريكيين” وبينما ينقذون بعض الناس من أيدي الزومبي، يهتفون “ليس لدينا مكان”، وأحيانًا حتى رغماً عنهم، يضطرون إلى إطلاق النار على الأشخاص الذين يحاولون ركوب مركبة الإنقاذ(سواء كانت سيارةً أو قاربًا أو طائرةً أو أي مركبة أخرى). لکن حدث هذا قبل ساعات قليلة في أفغانستان.
لقد أطلقت القوات الأمريكية النار وجرحت أفراداً كانوا يحاولون الصعود على متن آخر الطائرات الأمريكية بأي ثمن، والفرار من أفغانستان. وتُظهر الصور الإخبارية أفغاناً مستلقين على الأرض في مطار حامد كرزاي الدولي في كابول؛ وکان هناك ما لا يقل عن 7 أشخاص.
وإذا لم تكونوا قد رأيتم صور وأفلام الهوليوود بعد، فقد نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤول أمريكي قوله، إن ثلاثةً على الأقل من هؤلاء الأشخاص الذين تعلقوا بإحدى طائرات سلاح الجو الأمريکي قد تم سحقهم تحت نفس الطائرة. وتقول إدارة بايدن الآن إنها سترسل 6000 جندي جديد إلى أفغانستان، للمساعدة في إجلاء الأمريكيين وغيرهم من أفغانستان.
أشرف غني؛ فترات عاشها رئيس هارب
مع ذلك، فإن كتاب أفغانستان لم ينته بفصل مأساوي للأمريكيين فقط. كما ذكرنا، غادر الرئيس الأفغاني السابق محمد أشرف غني أحمدزاي كابول بطريقة تعرضت لانتقادات واسعة.
حيث نقلت مروحيات أمريكية مساء الأحد الماضي أشرف غني إلى المطار، وغادر بلده من هناك قبل ساعات من وصول قوات طالبان إلى القصر الرئاسي المعروف باسم القلعة.
فيما يلي نقدم لكم نبذةً عن أشرف غني ونستعرض بإيجاز حياته منذ ولادته في أفغانستان، والفترة التي قضاها في الولايات المتحدة، ثم عودته إلى بلاده ومصيره النهائي.
ولد أشرف غني في 19 مايو 1949 في مقاطعة لوغار بأفغانستان، ولكن منذ ذلك الحين ارتبطت حياته بحياة الولايات المتحدة والأمريكيين.
إلتحق غني بالمدرسة الثانوية كجزء من “برنامج التبادل الثقافي” في مدرسة ليك أسويغو الثانوية الحكومية في المدينة التي تحمل الاسم نفسه في ولاية أوريغون. ثم ذهب إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الأنثروبولوجيا الثقافية.
وبعد حصوله على درجة البكالوريوس، التحق بجامعة كولومبيا الخاصة في نيويورك بالولايات المتحدة، حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه. حتى أنه تزوج من زوجته اللبنانية رولا في عام 1975(العام الذي فر فيه الأمريكيون من سفارتهم في سايغون).
بقي الرئيس الأفغاني السابق في الولايات المتحدة بعد تخرجه. وعمل استاذاً في جامعات كاليفورنيا وبيركلي، ولاحقاً في جامعة جونز هوبكنز. وفي الوقت نفسه، شارك في برامج “التدريب على القيادة” الأمريكية الدولية المشتركة في جامعة هارفارد إنسايد والبنك الدولي – ستانفورد، وشملت اهتماماته البحثية هناك “بناء الدولة” و”التحول الاجتماعي”.
كما أمضى عامًا کباحث وأجری تحقيقات ميدانية حول المدارس الدينية الباكستانية، في برنامج “فولبرايت” الأمريكي للتبادل الثقافي. والتحق بالبنك الدولي في عام 1991، وعمل في مشاريع في شرق وجنوب آسيا في منتصف التسعينيات.
عاد غني، صدفةً أو غير ذلك، إلى وطنه في ديسمبر 2001(ثلاثة أشهر بعد 11 سبتمبر)، بعد غياب دام 24 عامًا عن أفغانستان، وبعد شهرين تم تعيينه کبير المستشارين للرئيس آنذاك حامد كرزاي. وطوال هذا الوقت، استمرت علاقة “غني” مع الأمريكيين بشكل أو بآخر.
وفي عام 2005، تحدث في مناسبات مختلفة، بما في ذلك مراسم “نقابة المحامين الأمريكية” واجتماع معهد “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” الأمريكي. كما نشر مقالات في صحف عالمية، بما في ذلك واشنطن بوست، وول ستريت جورنال، نيويورك تايمز، ولوس أنجلوس تايمز.
وفي أواخر عام 2006، تم ترشيحه حتى كبديل للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان. وبالطبع، لم يتم تعيينه في هذا المنصب قط.
“بائع الوطن”؛ لماذا انتهى الحال بأشرف غني هكذا؟
تكثف وجود غني في السياسة في بلاده منذ يونيو 2002. حيث شغل منصب وزير مالية حكومة كرزاي، وظل في منصبه حتى أواخر عام 2004.
کما ترشح للانتخابات الرئاسية لأفغانستان في عام 2009، حتى أنه عين جيمس كارفيل، المستشار السياسي الأمريكي البارز الذي اشتهر بمساعدة بيل كلينتون بفوزه في انتخابات 1992 الرئاسية، ولكن في نهاية المطاف، فاز بنسبة أقل من 3٪. من التصويت الشعبي في جولة الإعادة. وفي العام التالي، حضر مؤتمر أفغانستان الدولي في لندن ووعد بدعم جهود إعادة بناء بلاده.
أخيرًا، فاز “غني” برئاسة أفغانستان عام 2014. وعلى الرغم من وصول الانتخابات في ذلك العام إلى الجولة الثانية وکونها مثيرةً للجدل، ولكن بفضل تدخل الأمم المتحدة ودعم الولايات المتحدة، ترأس غني الحكومة في أفغانستان.
في سن الخامسة والستين، أصبح أشرف غني أكبر من يرأس الحكومة في أفغانستان وقت تنصيبه من عام 1747 حتى ذلك الحين؛ كما فاز بالانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2019، وبذلك أصبح في السبعين من عمره أكبر رئيس في تاريخ بلاده.
لم يکن أشرف غني بشكل عام سياسياً فاشلاً في أفغانستان، لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو، لماذا انتهى مصير غني بما يصفه الآن بعض الأفغان بأنه “بائع الوطن”.
يؤمن الرئيس الأفغاني السابق، المعروف أيضًا باسم “بابا” في وطنه، بالوحدة الأفغانية، والمصالحة بين مختلف الفصائل والجماعات، وحتى السلام مع طالبان، ولكن يبدو أن أكبر عيوبه كان اعتماده المفرط على الولايات المتحدة الأمريكية.
ولعل ما جعل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يوصل الأمور إلى الوضع الكارثي الحالي، هو أن الحكومة الأفغانية لم تطرد الأمريكيين أبدًا، بل الأمريكيين هم من قرروا مغادرة أفغانستان.
ونتيجةً لذلك، أدت الوعود العديدة التي قدمها الرؤساء الأمريكيون في نهاية المطاف إلى القرار الصحيح ولكن المتسرع للرئيس الحالي جو بايدن، بالانسحاب من أفغانستان وإنهاء الحرب الأمريكية واحتلال هذا البلد “بمناسبة” الذكرى العشرين لغزو أفغانستان.
حكومات أفغانستان، ومؤخراً حكومة أشرف غني، خلال كل هذه السنوات لم تستعد أبدًا لانسحاب الأمريكيين، لكنها اعتادت بطريقة ما على احتلال بلدهم على أنه “الوضع الراهن”.
مما لا شك فيه أن جزءًا من اللوم في الاضطرابات الحالية في أفغانستان يقع على عاتق الأمريكيين، الذين لم يقووا الحكومة الأفغانية بعد عشرين عامًا من احتلال أفغانستان، ولم يمهدوا الطريق لانتقال السلطة في البلاد إلى أصحابها الأصليين، أي الأفغان؛ لكن ما الذي يمكن توقعه أيضًا من الأمريكيين؟
يجب اعتبار المسؤول الرئيسي الأخير هو أشرف غني، الذي لا يبدو أنه کان يعتبر الأمريكيين قوةً محتلةً فحسب، بل کان يلتقي أيضًا مع آخر ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة وسط أجواء ودية، وكانت علاقاته بهم جيدةً.
کما هنأ غني جو بايدن بفوزه بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر من العام الماضي، وأكد: “تتطلع أفغانستان إلى تعميق شراكتها الاستراتيجية المتعددة الأطراف مع شريكنا الأساسي، الولايات المتحدة، بما في ذلك في الحرب ضد الإرهاب وفي إحلال السلام في البلاد”.
ومثل هذه التصريحات، التي يبدو أنها موجهة إلى “صديق خير” أكثر من “قوة احتلال”، أدت في النهاية إلى الوضع الذي تعيشه أفغانستان اليوم. وربما لو كان رئيس أفغانستان آنذاك قد ركز أكثر على التوصل إلى اتفاق مع طالبان خلال هذه السنوات، لكان الوضع في أفغانستان اليوم مختلفًا.
ما هو واضح الآن هو أن الحرب في أفغانستان أصبحت معركةً خاسرةً للولايات المتحدة والحكومة الأفغانية لصالح طالبان؛ وقد أثبتت أفغانستان مرةً أخرى أنها “مقبرة الإمبراطوريات”.
لا أحد يعرف ما حدث لأشرف غني في مطار كابول في الساعات الأخيرة، لكن ربما توصل أخيرًا إلى نفس النتيجة … وربما لا.
مهما يکن، بالتزامن مع نشر الصور المروعة للجهود اليائسة لبعض الأفغان للهروب عبر مطار كابول، حتى لو کان الثمن التعلق بالطائرة ثم السقوط من السماء، ونشر أنباء حول رفض طاجيكستان استضافة أشرف غني، تفيد آخر الأخبار أن غني(الذي فر، بحسب السفارة الروسية، من أفغانستان في أربع سيارات وطائرة هليكوبتر مليئة بالمال)، غادر الآن إلى الإمارات، وربما ينتقل إلى أمريكا من هناك؛ نفس البلد الذي تسبب في الكارثة في بلاده منذ اليوم الأول.
المصدر/ الوقت