خطة بايدن بشأن القضية الفلسطينية… إعادة صياغة صفقة القرن بأدبيات جديدة
مع خروج ترامب من البيت الأبيض ومجيء بايدن، الذي كان ينتقد بشدة السياسة الخارجية للإدارة السابقة في حملته الانتخابية، تتجه الأنظار الآن إلی الإدارة الجديدة ليتضح نهج بايدن تجاه القضايا الدولية المهمة.
من بين القضايا الدولية المهمة التي لم يتخذ البيت الأبيض حتى الآن مقاربةً رسميةً ومتماسكةً تجاهها، هي الأزمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو ما يسميه الغرب السلام بين فلسطين وإسرائيل.
لکن الآن، وبعد عدة أشهر من تولي إدارة بايدن السلطة، كشفت صحيفة “العربي الجديد”، نقلاً عن بعض الدبلوماسيين العرب والغربيين، عن تفاصيل خطة يقال إنها خطة البيت الأبيض الجديدة للقضية الفلسطينية.
من خلال دراسة تفاصيل هذه الخطة، يتضح أن بايدن يسعى لتحقيق نفس أهداف وأساليب صفقة القرن التي طرحها ترامب، دون النظر إلى أي امتياز خاص للحقوق الدنيا للفلسطينيين (الواردة في خطة السلام العربية لعام 2002)، مع فارق أن نهج إدارة ترامب في تنفيذ صفقة القرن كان أحادي الجانب، لكن الإدارة الأمريكية الجديدة سعت إلى الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول العربية المعارضة في الخطة أيضًا.
وفقًا لأوامر دونالد ترامب للأنظمة العربية التابعة في مؤتمر الرياض، كان على هذه الحكومات التوقف عن تقديم الدعم المالي لفلسطين، وأي ارتباط بحركات المقاومة في المنطقة ضد الکيان الصهيوني.
وتماشياً مع ذلك، اعتبرت السعودية الإخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية كمنظمتين إرهابيتين بعد مؤتمر الرياض، ثم أقدمت علی إجراءات مثل اعتقال الفلسطينيين الذين يعيشون في السعودية، وكذلك دعمت توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات بين الکيان الصهيوني وحكومتي الإمارات والبحرين.
کذلك، بموجب هذه الخطة، اعترفت الولايات المتحدة أيضًا باحتلال الکيان للمستوطنات غير الشرعية في السنوات السابقة والسيادة الصهيونية الكاملة علی القدس، وبإغلاق مكتب السلطة الفلسطينية التي ولدت بموجب اتفاقيات أوسلو، أزالت هذه المجموعة عمليًا من المعادلة السياسية. كما تجاهلت خطة ترامب قضية اللاجئين أيضًا.
الخطة الجديدة، المسماة “السلام طويل الأمد مع الفلسطينيين”، تظهر فقط بعض التغييرات الطفيفة في صفقة القرن ترامب.
في الخطة الجديدة، وبدلاً من حذف الجانب الفلسطيني من المعادلة، الأمر الذي أدى إلى معارضة السلطة الفلسطينية لصفقة القرن وإذلال كبير لتيار التسوية في فلسطين والمنطقة، يحاول البيت الأبيض من خلال الإعلان عن ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية الجديدة في أسرع وقت ممكن، وکذلك دفع بعض المساعدات التي قطعت خلال عهد ترامب، الحصول على موافقة حركة فتح على الجلوس إلى طاولة المفاوضات من جهة، ومنع المزيد من الانهيار لأسس شرعية السلطة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية من جهة أخری.
والجزء الآخر من التغييرات، هو إدخال مصالح الدول العربية المناهضة لصفقة القرن في الخطة. في الخطة الجديدة، ومن أجل جذب موافقة الدول العربية المهتمة بالتطورات في فلسطين، وخاصةً الأردن ومصر، سيُترك التنسيق والسيطرة على الفلسطينيين لهذه الدول.
ستكون مصر مسؤولةً عن التنسيق الأمني في غزة، وستوفر عمليًا الأمن للکيان الصهيوني في مواجهة تهديدات وإجراءات المقاومة. کما ستقع مسؤولية الضفة الغربية على عاتق الحكومة الأردنية.
كما يتضح، لا توجد إشارة إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين ووضع الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة.
بطريقة ما، ووفقًا لخطة ترامب، سيوافق الکيان الصهيوني على إقامة دولة فلسطينية مستقلة بضم مستوطنات غير شرعية إلى أراضيه؛ لكنه لن يقبل بالقدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية، ولا بعودة ملايين النازحين.
من جهة أخرى، فإن الدولة التي يريدونها للفلسطينيين، کما ورد في خطة ترامب، ستكون وعداً ديماغوجياً فقط لحمل الفلسطينيين على قبول الخطة.
وبالتالي، بينما نقض الصهاينة كل الوعود السابقة بالسماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، فمن المؤکد أن الوعد بتشکيل دولة فلسطينية على أساس الخطة الأمريكية لن يكون أكثر من سراب.
خطة بايدن أخطر من صفقة القرن
بشكل عام، تسعى خطة بايدن بشأن القضية الفلسطينية إلى تحقيق الأهداف الرئيسية نفسها تقريبًا لصفقة القرن، وهي تحويل ميزان القوى في المنطقة لصالح الکيان الصهيوني، من خلال التطبيع السريع للعلاقات بين تل أبيب والعالم العربي.
في الواقع، مع تقليص تركيز الولايات المتحدة على الشرق الأوسط لاحتواء الصين وروسيا، يجب ملء الفراغ الناتج عن طريق بناء تحالف يتمحور حول الحفاظ على أمن الکيان الصهيوني.
ويتماشى مع ذلك توقيع “اتفاقية أبراهام” ودخول كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى المنطقة، وشرائها من قبل بعض الأنظمة التابعة للولايات المتحدة مثل السعودية وقطر والإمارات وتركيا.
ولذلك، لا بد من القول إن خطة جو بايدن، بعنوان “السلام طويل الأمد مع الفلسطينيين”، لا تسعى إلى السلام ولكنها تسعى إلى تغيير ميزان القوى في المنطقة لصالح الکيان الإسرائيلي، مع عدم الأخذ بعين الاعتبار حقوق الفلسطينيين.
وما يجعل نهج بايدن أكثر خطورةً من نهج ترامب، هو أنه من خلال إشراك الجهات الفاعلة الإقليمية، تنتقل تحديات الکيان الإسرائيلي إلى الدول الأخرى عمليًا.
ستركز هذه الخطة على وقف إطلاق النار طويل الأمد في الأراضي المحتلة، وتعزيز التنسيق الأمني مع القاهرة بشأن غزة؛ كما سيكون هناك تعاون مع الأردن بشأن الوضع في الضفة الغربية المحتلة وخلق بيئة مناسبة لدعم السلطة الفلسطينية، لتقوم مصر في مهمة موازية بتأمين الأراضي الفلسطينية والاتفاق على نوع إدارة السلطة الفلسطينية.
وسيسمح ذلك لتل أبيب بتمكين نفسها لاتخاذ خطوات كبيرة نحو التطبيع العملي للعلاقات مع الدول العربية، دون أي تغيير خاص في عملية الاحتلال والقمع للفلسطينيين.
في غضون ذلك، فإن ما تم تجاهله في تخطيط الإدارة الأمريكية الجديدة، هو أهم عنصر في تعطيل صفقة القرن وإفشالها، أي المقاومة الإسلامية في فلسطين والمنطقة.
إن المقاومة ومن خلال ما قامت به من إجراءات، وخاصةً في حرب الـ 11 يومًا، لم ترمِ صفقة القرن وعملية التطبيع في مزبلة التاريخ فحسب، بل دقت أجراس زوال الکيان الصهيوني الزائف وبدء العد التنازلي لتدميره، من خلال تمهيد الطريق لطرد القوات الأمريكية من المنطقة، لتصبح المقاومة هي العامل الحاسم في المعادلات الفلسطينية، وليس تيار التسوية والتفاوض.
المصدر/ الوقت