التقارب التركي الإماراتي؛ تحالف استراتيجي أم اجراء تكتيكي
اعتاد مراقبو التطورات الدولية على مدى العقدين الماضيين على التغيرات المفاجئة والسلوكيات العاصفة في السياسة الخارجية التركية. حيث وقع التغيير الأخير خلال الأسبوع الماضي وتمثل في تقارب الرئيس رجب طيب أردوغان مع الإمارات والاستقبال الحار للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن القومي الإماراتي في القصر الرئاسي .
ورغم أن هذه الزيارة قد سبقتها عدة أشهر من المحادثات الثنائية وإشارات من التفاعل الإيجابي بين أنقرة وأبو ظبي، لكن الشيخ طحنون، الذي يعتبر ثاني أقوى رجل في أبو ظبي و مسؤولا عن الملفات الأمنية والدولية لاقى استقبالا حاراً من اردوغان خلال زيارته الى تركيا، كما لو انه لم يكن هناك تنافس او صراع بين البلدين. وفي الأشهر الأخيرة ، ايضا عُقدت اجتماعات بين مسؤولي استخبارات البلدين في أبو ظبي.
كانت الإمارات قبل أشهر قليلة أحد خصوم تركيا في المنطقة، فبعد توقيع اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني، هدد أردوغان باستدعاء سفير الامارات في أنقرة. كما بذلت تركيا قصارى جهدها لكسر الحصار المفروض على قطر بعد التوترات التي شهدتها علاقات قطر مع الدول العربية الأربع قبل خمس سنوات.
وأعلن الرئيس التركي، خلال مؤتمره الصحفي عقب لقائه الشيخ طحنون بن زايد، عن استثمارات إماراتية قريبة في تركيا، وقال إنه ناقش الأمر مع الجانب الإماراتي. لم يتم الكشف عن أي تفاصيل حول حجم الاستثمار الإماراتي في تركيا ، لكن حماس أردوغان والاستثمار المالي الهائل للإمارات الذي يقدر بقيمة 800 مليار دولار يشير إلى أن الاقتصاد التركي مقبل على استثمارات أجنبية كبيرة. ففي الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا وفي الأيام التي تشهد فيها الإمارات خلافات واسعة مع السعودية، تحاول أنقرة جذب الامارات لاستثمارات كبيرة في مشاريعها الاقتصادية من خلال الوعد بالدعم السياسي والدولي ولمنع الليرة التركية من الانخفاض المفرط.
خريطة التفاعلات الإقليمية نتيجة التقارب بين تركيا والإمارات
بالنظر إلى أن القاسم المشترك للدبلوماسية التركية الإماراتية هو إعطاء الأولوية للعلاقات الاقتصادية على النهج الأيديولوجي أو التوجهات السياسية، فإن صدمة هذه الظاهرة الناشئة تتضاءل لدى خبراء ومحللي القضايا الدولية والإقليمية. ومع ذلك ، فإن تقارب تركيا مع الإمارات سيكون له تأثير مباشر على بعض العلاقات الإقليمية.
ومن أهم جوانب هذا التأثير يمكن الاشارة الى علاقات تركيا مع قطر التي انخفضت مؤشراتها في الأشهر الأخيرة نتيجة تراجع الاستثمارات القطرية في تركيا، عقب التحالف الشامل الذي شهدناه في أعقاب حصار الدول العربية لقطر. وهذا يدل على أهمية المؤشرات الاقتصادية على العلاقات الدولية لتركيا.
وتزيد التوترات بين الإمارات والسعودية والتي تزامنت مع هذه الظاهرة من الغموض في الموقف الدولي من هذا التقارب. حيث تظهر التفاعلات الدبلوماسية في المنطقة ، خاصة خلال الشهر الماضي ، رغبة الجانبين في احتواء المشهد.اذ زار طحنون بن زايد أردوغان، بينما كان ضيفا على عبد الفتاح السيسي في القاهرة قبل يومين ، وكان قد التقى في وقت سابق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وعليه، هناك سيناريوهان في مسار أفق التعاملات بين الإمارات والسعودية:
السيناريو الأول، خطة الإمارات لإنشاء تحالف دولي للقوى الإقليمية يمكن أن يملأ الفراغ الذي خلفه الدعم المطلق للإدارة الأمريكية السابقة لبعض الأنظمة العربية وإعطاء الإمارات نفوذاً أكبر في التعاملات الإقليمية.
السيناريو الثاني، يأتي بعد الهزيمة المحتملة للإمارات في تنفيذ الخطة الأولى، وهو تغيير اصطفاف التحالفات الإقليمية، ونتيجة لذلك من المرجح أن تتجه الإمارات إلى تركيا وتبتعد عن الرياض. حيث يعتقد المحللون إن السيناريو الثاني يبدو أكثر ترجيحا بالنظر إلى الاختلافات العميقة بين أنقرة والقاهرة والرياض وتحالف أردوغان الاستراتيجي في التعامل مع قضية الإخوان المسلمين الدولية.
هناك الكثير من الغموض فيما يتعلق بقضية جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها حركة أيديولوجية عابرة للحدود تتماشى مع سياسات أنقرة وتأثير العلاقات التركية الجديدة على هذه الحالة، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرا بتفاصيل الاتفاق بين تركيا والإمارات. ففي الوقت الراهن ينتظر الإخوان معرفة ما إذا كانت تركيا ستحافظ على العلاقات مع الإخوان في ضوء التقارب مع أبو ظبي أم لا؟.
لكن المحللين يعتقدون أن تحالف أنقرة العميق مع الإخوان المسلمين والمصالح الدولية الاستراتيجية لتركيا أعمق من ان يستبدل أردوغان الجماعة باستثمارات الإمارات بمليارات الدولارات.
التقارب التركي الإماراتي؛ تحالف استراتيجي أم اجراء تكتيكي؟
تعتمد التأثيرات المحتملة لتقارب تركيا والإمارات على ترتيب التفاعلات الإقليمية الجديدة على العمق والدوافع الجديدة للجانبين في إطار التحالف الجديد. ففي هذا السياق يطرح المراقبون سيناريوهين:
الأول، أظهرت تركيا والإمارات أن خريطة تحركاتهما التكتيكية في التفاعلات المرحلية القائمة على المصالح الاقتصادية والسياسية تختلف عن التوجهات الاستراتيجية لهذين البلدين. حيث يمكن أن تؤثر هذه الرؤية السياسية أيضا على التحالف بين أنقرة وأبو ظبي. أي أن التقارب بين الجانبين يقع في إطار المصالح التكتيكية والمرحلية لهذا التحالف، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يكون لهذا التحالف معنى كبير في سياق التقلبات الزمنية والسياسية في المنطقة وتأثير العناصر الدولية على الإرادة السياسية للحكام. بالإضافة إلى ذلك، في هذا السيناريو، يقتصر التقارب الثنائي على الملفات المتفق عليها، وسيتم اغفال الاختلافات الثنائية في التفاعلات الدولية والاستراتيجيات الكبرى.
الثاني، انتقال توجه التحالف بين أنقرة وأبو ظبي من الاجراء التكتيكي إلى الاستراتيجي، مما قد يكون له الآثار المذكورة على ترتيب التحالفات الإقليمية. ونظراً للأجواء السائدة في المنطقة، يبدو مستبعدا تطور المحادثات السياسية بين أنقرة وأبو ظبي إلى هذا المستوى من العلاقات.
وبالتالي إن إلقاء نظرة فاحصة على الخطوة التركية الإمارتية الجديدة وتأثيراتها على الاجواء الإقليمية للسياسات الكبرى في كيفية التفاعل مع هذا الإجراء يجب أن تكون نظرة ثاقبة وبعيدة عن المبالغة وتركز على هذه الظاهرة في موقعها وحجمها الحقيقي. حيث يمكن أن يرافق هذه القضية رد فعل مناسب من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة.
المصدر/ الوقت