التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, أكتوبر 8, 2024

لمحة عامة عن مؤتمر بغداد، المشاركون والأهداف 

انعقد اجتماع بغداد في 28 آب في العراق بمشاركة جهات فاعلة مختلفة. وانعقد في العاصمة العراقية اجتماع مدته يوم واحد بعنوان “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”، ودُعي إلى جانب دول المنطقة خمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن للحضور. إيمانويل ماكرون هو رئيس الدولة الوحيد من خارج الشرق الأوسط الذي يحضر القمة. كما حضر الاجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني، إضافة الى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ممثلا عن السعودية.

تأتي قمة بغداد في وقت تصاعدت فيه التوترات بين الفاعلين والقوى المختلفة في المنطقة بشكل حاد في السنوات منذ 2011، عندما اجتاحت موجة الثورات الشعبية العالم العربي، ونشهد الآن تهدئة نسبية للأزمات. أثيرت قضية خفض التصعيد بين مختلف الجهات، خاصة إيران والسعودية، على مستوى جدي. كما أثار انسحاب الناتو والولايات المتحدة من أفغانستان وتفجيرات مطار كابول مخاوف جدية بشأن تصاعد وانتشار التطرف في المنطقة بين مختلف الجهات الفاعلة. ومع ذلك، يبدو أن اجتماع بغداد، الذي يحضره ممثلو الدول الإقليمية وعبر الإقليمية، هو نافذة لمعالجة قضايا النظام والأمن الإقليميين.

ضيوف المؤتمر

على المستوى الحضوري، يعتبر ترتيب ومستوى المندوبين الحاضرين في اجتماع بغداد أكثر أهمية من أي موضوع آخر. فيما يتعلق بهذه القضية، يمكن ذكر عدة نقاط مهمة:

غياب سوريا: من أهم القضايا المتعلقة بترتيب الممثلين الحاضرين في اجتماع بغداد هو عدم حضور الممثلين والوفد السوريين. جاء ذلك في وقت التقى فيه فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، ببشار الأسد خلال زيارته الأخيرة لدمشق ودعاه لحضور قمة بغداد، لكن الأدلة تشير الآن إلى أن “إيمانويل ماكرون” وكان الرئيس الفرنسي قد منع دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة بغداد. حقيقة الأمر أن غياب الوفد السياسي بدمشق يبدو أنه كان نتيجة ضغط خارجي وليس نتيجة إرادة الحكومة العراقية. في السنوات الأخيرة، اتخذت بغداد ودمشق خطوات لتطوير وتحسين التعاون الأمني ​​والعسكري والسياسي والاقتصادي. في ظل الوضع الراهن، تغلبت دمشق على الأزمة السياسية الأولية وتغلبت على كل المؤامرات الخارجية والداخلية. في مثل هذه الحالة، يمكن قراءة ضغوط فرنسا والغرب لغياب الوفد السياسي للحكومة الشرعية في سوريا على شكل محاولة فاشلة لمنع استعادة الموقف السياسي لحكومة بشار الأسد في المنطقة.

حضور ماكرون الكبير في اجتماع بغداد، الأهداف والأسباب: رئيس الجمهورية الفرنسية هو رئيس الدولة الوحيد أو المسؤول السياسي الرفيع المستوى من بين القوى فوق الإقليمية الحاضرة في قمة بغداد. وفيما يتعلق بعمل فرنسا، يمكن القول إن باريس تسعى إلى إحياء دورها التقليدي ومكانتها في غرب آسيا وشمال إفريقيا. في الواقع، انخرطت فرنسا في السنوات الأخيرة بسرعة في حروب عسكرية في إفريقيا – مثل ليبيا ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى – لكنها أصبحت مؤخرًا قوة دبلوماسية في الشرق الأوسط. على الرغم من أن فرنسا نجحت في تأمين مصالحها الاقتصادية في غرب آسيا، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها بشكل كامل سياسيًا ببعض السياسات المتسرعة، على سبيل المثال ضد سوريا وإيران. وهكذا، في عصور فرانسوا هولاند وأوائل إيمانويل ماكرون، حاولت باريس وضع سياسات جديدة على جدول الأعمال في أجزاء مختلفة من آسيا حسب الاقتضاء. يكمن جوهر سياسات ماكرون في استعادة المجد الذي تصوره شارل ديغول سابقًا، لكن هناك بالتأكيد اختلافات في بعض تكتيكات واستراتيجيات ماكرون. يفحص ماكرون بعض السياسات الفاشلة في فرنسا خلال العقد الماضي ويحاول تعويضها من خلال تبني التعددية كسياسة عامة وناجحة في شكل تحالف مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أجزاء مختلفة من العالم، خاصة في غرب آسيا. في الواقع، يسعى ماكرون لملء الوجود الأمريكي المحتمل في بعض أجزاء آسيا، بالنظر إلى سياسة التطلع إلى الشرق التي تم الإعلان عنها صراحة منذ أوباما وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. من خلال هذه الاستراتيجية، يتم إحياء عظمة الماضي الفرنسي بطريقة جديدة، سواء في إطار اتحاد الدول الغربية أو مع السياسات الفردية. قد يكون تواجد ماكرون الأخير في بغداد استمرارًا لنهج باريس نفسه، والذي بموجبه سيكون العراق وسوريا، المعبران الفرنسيان الرئيسيان، في طريقهما لمحاولة استعادة موقعهما.

تأكيد إيران على متابعة قضية اغتيال الشهيد سليماني وانتقاد عدم دعوة سوريا: نقطة أخرى يجب مراعاتها في قمة بغداد هي حضور وزير الخارجية الإيراني الجديد، حسين أمير عبد اللهيان. عند وصوله إلى بغداد، انتقد خليفة ظريف عدم دعوة سوريا لحضور المؤتمر، ووعد بأن تكون الملاحقة القانونية والدولية لاغتيال قاسم سليماني من أولويات وزارة الخارجية الإيرانية خلال فترة عمله. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن قضية وقف التصعيد في العلاقات بين إيران والسعودية قضية مهمة أخرى في قمة بغداد. في الأشهر الأخيرة، أفاد العراق بعقد اجتماع بين وفدي طهران والرياض السياسيين في بغداد، لذا فإن وجود وزارتي الخارجية الإيرانية والسعودية الآن قد يكون فرصة جديدة للمسؤولين من كلا البلدين.

أهداف ورؤية الكاظمي لقمة بغداد

بالإضافة إلى أهمية دور الفاعلين الحاضرين في اجتماع بغداد، هناك موضوع مهم آخر وهو الأهداف المحددة للحكومة العراقية في عقد هذا الاجتماع والآثار المحتملة للمعادلات والتحديات الإقليمية. فيما يتعلق بأهداف بغداد، يمكن القول إنه على المستوى الاول، مصطفى الكاظمي ومسؤولون سياسيون عراقيون آخرون في حقبة ما بعد داعش، يحاولون تهدئة التصعيد ولعب دور الوسيط بين دول الجوار، وقد وضعوا سياستهم الخارجية في المقدمة. في هذا الصدد، مجرد اجتماع القوى الإقليمية في بغداد هو في الأساس خطوة إيجابية نحو حل الخلافات الإقليمية. على صعيد آخر، تحاول السلطات السياسية في البلاد استعادة المكانة التقليدية للبلاد وهيبتها من خلال عقد اجتماعات مثل الاجتماع الاخير في بغداد، وكذلك في العراق في السنوات التي تلت عام 2003، وخاصة بعد صعود داعش في العراق، حيث أصبح البلد بؤرة رئيسية للأزمات وانعدام الأمن في منطقة غرب آسيا. في غضون ذلك، فإن معظم الفاعلين الإقليميين لم يلعبوا دورًا إيجابيًا في مساعدة واستعادة الاستقرار في العراق في محاربة داعش، بل كانوا هم أنفسهم أحد الأطراف الرئيسية في الأزمة في هذا البلد، وقد جعلوا من هذا البلد ساحة للتنافس الاقليمي بينهم. وكانت النتيجة بلا شك انعدام الأمن وزيادة عدم الاستقرار في العراق. لذلك، يمكن الآن تقييم جهود حكومة مصطفى الكاظمي لعقد اجتماع في بغداد على شكل إعادة بناء أمن هذا البلد من خلال إرساء الاستقرار على المستوى الإقليمي. وهذا يعني أنه كلما قل التوتر بين الأطراف المختلفة في المنطقة، كان الوضع الأمني ​​في العراق أفضل. كما يبدو أن مصطفى الكاظمي يتابع احتمال استمرار فترة ولايته في السلطة بعد انتخابات 10 أكتوبر 2021 منذ اجتماع بغداد. بل إنه يحاول الحصول على مكانة خاصة من خلال عقد مثل هذه اللقاءات، داخليًا وخارجيًا، وبالتالي إقناع الفصائل السياسية العراقية بالموافقة على استمرار رئاسته في مجلس الوزراء. الإرهاب، القضايا البيئية التي تتمحور حول أزمة المياه، التوترات الحدودية، القضية الفلسطينية، العلاقات بين إيران والدول العربية، إعادة إعمار سوريا، الحرب في اليمن، الأزمة في أفغانستان، المحادثات الإقليمية، إلخ. يمكن تناولها خلال قمة بغداد لمناقشتها من قبل الفاعلين الحاضرين. والسؤال الآن إلى أي مدى يمكن لقمة بغداد أن تمهد الطريق لحل هذه القضايا؟ لا شك في أن الإجابة على هذا السؤال لا بد من الالتفات إلى أن اجتماع بغداد هو في بداية مسيرته وأنه يمكن أن يكون له تأثيرات عميقة على المعادلات الإقليمية لا يبدو معقولاً على الإطلاق. ولكن على الأقل، يمكن للاجتماع أن يلعب دورًا إيجابيًا للغاية في الحوار الإقليمي بين الأطراف المتصارعة. يمكن أن يكون الجمع بين ممثلي البلدان ذات الخلافات السياسية العميقة أمرًا مفيدًا للغاية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق