إضراب عام في أراضي 48.. خيار منتظر لمواجهة استفحال الجريمة
أكدت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية داخل مناطق الـ48، إنّ موضوع الإضراب العّام يبقى مطروحًا بقوّةٍ على جدول أعمال لجنة المتابعة في الأسابيع المقبلة.
وحملت لجنة المتابعة العليا داخل أراضي 48 كامل المسؤولية عن تفاقم جرائم القتل وتفشي مختلف صنوف الجريمة للمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة واتهمتها بالتواطؤ معها في محاولة لضرب فلسطينيي الداخل ومناعتهم الأهلية من الداخل.
جاء ذلك على خلفية وقوع خمس جرائم قتل داخل أراضي 48 في الأسبوع الأخير فيما تواصل الشرطة الإسرائيلية بالاكتفاء بالحديث عن نيتها وقرارها مكافحة الجريمة ولكن على الأرض هي مستمرة وحتى الآن حصدت منذ بداية العام الجاري نحو 70 ضحية معظمها بالرصاص وبقيت الجرائم ألغازا دون ضبط الجناة.
وتؤكد “المتابعة العليا” مجددا في اجتماعها الطارئ الثلاثاء في الناصرة، على تحميل المؤسسة الحاكمة بكامل أذرعها المسؤولية عن استفحال الجريمة في المجتمع العربي، وترفض بشدة محاولة تحميل القيادات العربية مسؤولية عما يجري. وتدعو “المتابعة العليا” الجماهير العربية الواسعة للقيام بنشاطات تصاعدية، لإثارة الرأي العام، والضغط على الحكومة الإسرائيلية للقيام بواجبها، أقربها تظاهرات في نهاية الأسبوع الحالي قبالة جميع مراكز الشرطة داخل البلدات العربية، وتبني مظاهرة في مدينة اللد يوم الأحد القادم ومسيرة سيارات احتجاجية في الأسبوع المقبل.
وقال رئيس المتابعة، محمد بركة إنه منذ مطلع العام الجاري سقطت 70 ضحية في جرائم العصابات، منها 5 ضحايا في الأيام الأخيرة، منوها أن هذا مؤشر إلى أن العام الجاري سيسجل ذروة غير مسبوقة من حيث عدد الضحايا. وقال إن استئصال الجريمة من المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل لا يحتاج لخطة، بل لقرار حكومي واضح يوجه للشرطة التي لديها كل الوسائل والقدرات للقيام بواجبها، كما فعلت هذا في المجتمع اليهودي حيث كافحت عصابات الإجرام داخله قبل سنوات طويلة، فحينها لم تبحث عن قيادات يهودية.
الردع المفقود
وقال بركة أيضا إن محاولة إلقاء المسؤولية على القيادات العربية، هي محاولة لتجريم الضحية بما يجري وتابع “نحن نقوم بواجبنا من خلال مخاطبة شعبنا سياسيا وتوعويا، ولجنة المتابعة العليا أعدت خطة عمل شاملة شارك في إعدادها 154 مختصا وعدداً كبيراً من السلطات المحلية العربية، يطبقون جوانب في هذا البرنامج، الذي يحتاج تطبيقه على نطاق أوسع، ولكن هذا وحده لا يكفي، لأن الأساس في هذه الظاهرة هو عامل الردع، والردع موجود في يد الشرطة وأجهزة تطبيق القانون، ولكنهم ليسوا معنيين”.
وحذر بركة من استغلال الحكومة الإسرائيلية الحالية، كسابقتها، ظاهرة الجريمة لجذب الشبان العرب إلى دوائر التجنيد في الشرطة والجيش، والأجهزة الأمنية محذرا من أن “هذه مآرب سياسية تدجينية، ليس الغرض منها محاربة الجريمة”. ودعا بركة أيضا إلى سلسلة خطوات نضالية شعبية وقال إن فلسطينيي الداخل يخوضون نضالا سياسيا ولديهم أدوات لا يحق لاحد الاستخفاف بها، وإنجازاتنا تراكمية”.
وفيما يخص إحياء الذكرى ال21 لهبة القدس والأقصى في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، قال بركة، إن المقترح أن يكون إحياء الذكرى يوم 2 تشرين الأول الذي يحل يوم السبت، “على أن يكون العنوان المركزي فيه قضية الجريمة، التي استفحلت بالذات بعد تلك الهبة، وبقرار الجهاز الحاكم، لضرب جماهيرنا العربية”.
تواطؤ مع المجرمين
ويتفق عدد كبير من القيادات الفلسطينية في الداخل مع محمد بركة بأن إسرائيل شرعت في تواطؤها مع الجريمة والمجرمين لضرب فلسطينيي الداخل منذ أن انضموا للانتفاضة الثانية ضمن هبة القدس والأقصى منحازين لشعبهم وقضيتهم الوطنية. يشار إلى أن القناة الإسرائيلية 12 نقلت في الشهر المنصرم عن قائد كبير في الشرطة قوله إن “الشاباك” يحول دون ملاحقتها للمجرمين العرب لكونهم متعاونين معها (المخابرات).
في المقابل يعرب عدد من المراقبين عن تحفظهم من “اجترار” المتابعة العليا الأدوات والوسائل الاحتجاجية التقليدية التي استخدمت في الأسبق ضد تفشي الجريمة والتواطؤ الإسرائيلي مع المجرمين ولم تحقق أي تقدم. ويوضح مدير مركز “أمان” المحامي رضا جبارة أن القيادات الفلسطينية في الداخل تدور في دائرة توصيف الحالة دون التقدم بأي محاولة اختراق في هذا المضمار.
وتابع “هناك لحظات يجب أن ننتقل فيها من مرحلة إلى مرحلة. في موضوع تفشي الجريمة يبدو أننا نستسهل البقاء في فترة الحديث عن الجريمة بدل الانخراط بشكل فعلي بالحلول. بينما تتقدم الحكومة بخطط ناقصة وجزئية. هناك نافذة فرص مفتوحة الآن في موضوع الجريمة مهم أن نستغله ونكف عن التحليل. الآن نقدم البرامج وننفذها. بهدوء ودون ضجيج وبمهنية. كما علينا الكف عن استخدام لغة التوسل في مخاطبة السلطات الإسرائيلية المعنية للتدخل والقيام بواجباتها الدستورية لحفظ النظام والأمان في الشوارع”.
إضراب عام.. خيار قائم
وترفض المتابعة العليا أي محاولة لتحميل القيادات الشعبية المسؤولية عما يجري، وكأنها مطالبة بتقديم العون للشرطة، وهذا قول خبيث لتحميل جماهيرنا العربية مسؤولية ما يجري داعية كل الأحزاب السياسية واللجان الشعبية والحراكات الشبابية، للقيام بتظاهرات قبالة مراكز الشرطة في جميع البلدات العربية. وقال بركة إنه يرفض النقد الموجه لطريقة عمل لجنة المتابعة العليا معتبرا أنها محاولة خبيثة لتسخيف عملها والنيل من هيبتها منوهاً بكون مكافحة تفشي الجريمة والمجرمين من الواجبات الأساسية لكل دولة بينما يتحمل المجتمع نفسه مسؤولية تفشي العنف وضرورة تكريس ثقافة السلم الأهلي والحوار.
كما أشار بركة إلى إبقاء موضوع الإضراب العام مطروحا بقوة على جدول أعمال لجنة المتابعة العليا بعد ذكرى هبة القدس والأقصى على أن يجري التحضير الجدي له لضمان شموليته.
بدوره قال عضو لجنة المتابعة العليا توفيق محمد إن لجنة المتابعة اتخذت مجموعة من القرارات السياسية والجماهيرية في جلستها الطارئة التي عقدتها الثلاثاء لمحاربة الجريمة في أراضي48، والتي كان أبرزها الإعلان والدعوة لسلسلة تظاهرات ضد استفحال الجريمة.
وعقب محمد على تصريحات أطراف حكومية إسرائيلية خلال الأيام الأخيرة حول تدخل الشاباك وقوات حرس الحدود لردع المجرمين قائلًا: “الشاباك موجود في الصورة بطبيعة الحال ولكن ليس لردع العصابات بل لحمايتها.. وتدخل حرس الحدود هو وجه من وجوه الحكم العسكري.. لأن الشرطة تملك الأدوات الكافية لمكافحة الإجرام”.
وكانت شرطة الاحتلال الإسرائيلي أعلنت عن تشكيل وحدة “مستعربين” جديدة تابعة لقوات ما يسمى حرس الحدود، تنشط بدءًا من الليلة في البلدات الفلسطينية بالداخل الفلسطيني المحتل حصراً، بحجة مكافحة الجريمة والعنف.
لكن بعض الشخصيات في الداخل المحتل قالت إن شرطة الاحتلال شكّلت الوحدة تحسبًا لوقوع مواجهات خلال فترة الأعياد اليهودية في أيلول/ سبتمبر المقبل، على غرار تلك التي اندلعت خلال الهبة الشعبية في القدس المحتلة ومناطق الـ48 أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، في أيار/مايو الماضي.
وأشار محمد إلى أن الجريمة بدأت بالانتشار وتحولت لظاهرة مجتمعية منذ عام 2000، حيث راح أكثر من 1700 فلسطيني ضحية لانتشار الجريمة، وتابع، “نحن بحاجة لقرار من المؤسسة الرسمية لمكافحة الجريمة.. وفي حال اتخذ هذا القرار فإن الشرطة ستقوم بدورها في الحال ضد الجريمة لأن الشرطة ليست بحاجة لمعدات وقدرات استثنائية لذلك”.
باتت الجريمة في الداخل الفلسطينيّ تُشكِّل تهديدًا استراتيجياً على النسيج الاجتماعيّ لأكثر من مليون ونصف المليون فلسطينيّ، الذين يعيشون في وطنهم، داخل ما يُطلق عليه الخط الأخضر، وارتفع عدد ضحايا العنف العرب في أراضي الـ48 إلى 80 ضحيةً، قضوا منذ بداية العام الجاري 2021، وذلك في ظلّ تواطؤ شرطة الاحتلال مع عصابات الإجرام في العالم السفلي وعدم فكّ رموز الجرائم، التي أصبحت أكثر من عاديةٍ.
ووسط المشهد الدموي الذي تعيشه البلدات العربية، تواصل الشرطة الإسرائيلية التحريض على الفلسطينيين بالداخل. وللتهرب من المسؤولية تحمل الضحية مسؤولية ما تزعمه من أن ارتفاع معدلات العنف والجريمة يعود أيضا لعدم استعداد المجتمع العربي للتعاون مع الشرطة في فك رموز الجرائم.
ويصف محللون ما يعيشه الداخل الفلسطيني من دوامة العنف والجريمة وسفك الدماء بـ”النكبة الثانية” لأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي شجعت الفتنة والاقتتال الداخلي واستباحة الدم العربي الفلسطيني بأيدي أبناء الشعب الواحد عبر آليات وأدوات إسرائيلية ضمن مشروع كامل ومتكامل لتفكيك المجتمع الفلسطيني بالداخل. حيث ان مشهد الاغتيال يتركز عبر الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للثقافة الفلسطينية والإعلام والتعليم والتربية والنسيج المجتمعي، مع محاولة مسخ وتشويه الهوية الوطنية والقومية والدينية لفلسطينيي 48.
وحذّر مراقبون من الخطة الإسرائيلية للاغتيال الجماعي للفلسطينيين، وهي الخطة التي أفرزت أشخاصا اختطفتهم إسرائيل بعد أن نجحت بتشويه هويتهم وسلخهم عن انتمائهم وشعبهم، أضيف إليهم عنصر آخر وهو سهولة الوصول للسلاح، علما أنه بموجب الإحصائيات الرسمية وإقرار وزارة الأمن الداخلي فإن مصدر 70% من الأسلحة بالبلدات العربية بالداخل، هو مخازن مقرات الشرطة ومستودعات الجيش الإسرائيلي.
كما يعتقدون أن إسرائيل أرادت بعد الانتفاضة الثانية عام 2000 معاقبة أهل الداخل الفلسطيني على دورهم بالانتفاضة ومساندتهم لقضايا شعبهم الفلسطيني والدفاع عن القدس والأقصى، بالترويج للفتنة والتشرذم والاقتتال والفوضى الخلاقة بالداخل الفلسطيني، وتكدس جثث قتلى رصاص الفتنة، والعصبية القبلية والطائفية وعصابات الجريمة المنظمة، وذلك على غرار خطة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس في الشرق الأوسط.
حالة من الغضب الشعبي تعيشها البلدات العربية بالداخل الفلسطيني، ولسان حالهم يؤكد أن التحدي الأكبر في هذه المرحلة يبقى هو كيفية تحويل هذا الغضب إلى فعل نضالي وجماهيري متواصل يفرض على الشرطة الإسرائيلية أن تغير سياساتها المتواطئة لأن تفاقم العنف والجريمة في المجتمع الفلسطيني بالداخل، يتطلب التصعيد والجهوزية النضالية والكفاحية لمواجهة استفحال الجريمة.
المصدر/ الوقت