التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, نوفمبر 6, 2024

“إسرائيل” مستمرة في عدوانها على آثار فلسطين وهويّتها.. كيف يمكن التصدي لإجرامها 

في سياق المنهج الإسرائيليّ المتطاول على حقوق الشعب الفلسطينيّ ومقدساته وثرواته، يواصل العدو الغاصب سرقة وتخريب الآثار الفلسطينيّة، باعتبارها تشكل جزءاً من الهوية الثقافيّة والحضاريّة لفلسطين، والتي تُعتبر من الدول الغنيّة جداً من الناحية الأثريّة، حسب خبراء، حيث تتنافس مع مصر على المرتبة الأولى من حيث الاستحواذ على الآثار في الوطن العربيّ، وقد اهتمت الحكومات الصهيونيّة المتعاقبة منذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، عندما صُنع هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته قيد أُنملة، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب على كل المستويات، بعد أن فرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة.

وهذا العدوان لا يشمل فقط التعدي على الحاضر والمستقبل بل على التاريخ والتراث والحضارة والماضي، عبر استهداف الآثار الفلسطينية الدالة على عروبة فلسطين وهويتها الحقيقيّة، والدليل هو تشكيل لجان من علماء الآثار الإسرائيليين بغية البحث “الأركيولوجيّ” (دراسة علميّة لمخلّفات الحضارة الإنسانيّة الماضية، وتدرس فيه حياة الشعوب القديمة)، في كل أماكن فلسطين التي أنشأ عليها كيان الاحتلال الغاشم.

ولأنّ الاحتلال الوحشيّ يعتقد أنّه يسيطر على بقعة واسعة من الأراضي الفلسطينيّة وله اليد الطّولى للقيام بأيّ شيء فيها، يحاول بشكل جديّ ومتصاعد حسم المعركة التاريخيّة لمصلحته عبر تدمير وتشويه كل الآثار التاريخيّة الفلسطينيّة، لطمس الهوية الثقافيّة والحضاريّة الفلسطينية وإخفاء معالمها بشكل كامل، في الوقت الذي لا يكف فيه الاحتلال المجرم عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، في مساع حثيثة من قبل قوات العدو في فلسطين للهيمنة على مقدرات البلاد بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود.

الأهداف الإسرائيليّة

في ظل توثيق الكثير من المؤسسات الأهليّة والرسميّة الفلسطينيّة لمنهج استهداف الآثار التاريخيّة الفلسطينيّة، كالتدمير أو السرقة أو التجريف أو المصادرة أو إقامة المستوطنات عليها أو شراء بعضها من قبل المتنفعين، يكمن الهدف الرئيس للكيان الصهيونيّ من وراء سرقة الآثار الفلسطينية، هو تشويه التاريخ عبر تزوير تلك الآثار وإعطائها صبغة يهوديّة، لخدمة الرواية الصهيونيّة المخادعة حول احتلال فلسطين، لتحقيق المشروع الصهيونيّ في إنشاء الدولة العبريّة المزعومة على تراب فلسطين عبر عمليات تطهير عرقيّ كاملة وتهجير قسريّ جماعيّ للسكان الأصليين، مثل تلك التي رافقت إنشاء وطنهم اليهوديّ على أرض فلسطين.

وبما أنّ كيان الاحتلال اللقيط منذ ولادته بني على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، لم تسلم الأوابد التاريخيّة في المدن الفلسطينية الرئيسيّة مثل: عكا ويافا والقدس وطبريا من العدوان الإسرائيليّ من ناحية تهويدها عبر تزوير الكتابات على جدران تلك الأوابد، بل حاولت تل أبيب من خلال مؤسساتها المختلفة تهويد الأزياء الفلسطينيّة سواء تلك المتعلقة بلباس المرأة أو الرجل على حد سواء من خلال عمليات سرقة وتزوير ممنهجة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث إن قوات الاحتلال الباغي تستهدف بالدرجة الأولى مواقع التراث الثقافيّ وتدمر سنة بعد أخرى الكثير من المواقع الأثريّة في مختلف المدن والقرى والبلدات القديمة والمباني التاريخيّة والدينيّة إلى جانب البيوت السكنيّة، لمحاولة محو الإرث الفلسطينيّ الذي يعود تاريخه لآلاف السنين، عبر سرقة التحف الأثريّة من قبل الاحتلال وعصابات بيع الآثار والتراث والتاريخ الذي لا يثمن بمال أبداً، في وقت فشلت فيه السلطة الفلسطينيّة بشكل ذريع في حماية الإرث والتاريخ والحضارة.

وفي الوقت الذي تشير فيه الدراسات إلى وجود موقع أثريّ ذي دلالة على الهوية الحقيقيّة لفلسطين في كل نصف كيلو متر من مساحة البلاد، وأكثر من 3300 موقع أثريّ في الضفة الغربيّة وحدها، يشكل وقوع كثير من المناطق الأثريّة في قرى تخضع للسيطرة الصهيونيّة التامة عائقاً أمام عمل السلطة الفلسطينيّة في تلك المناطق للحفاظ على الأماكن والمقتنيات الأثريّة، إضافة إلى سلب أراض تحتوي على مواقع أثريّة وتاريخيّة مهمة.

‏ومن الجدير بالذكر، أنّ للجدار الصهيونيّ نتائج مدمرة على مستقبل الآثار والأوابد الفلسطينيّة، حيث ستؤدي عملية الاستمرار في بناء الجدار العازل في عمق أراضي الضفة الغربيّة في نهاية المطاف إلى ضم أكثر من 50% من مساحة الضفة الفلسطينيّة، كما سيضم العدو ما يزيد على 270 موقعاً أثريّاً وتاريخيّاً رئيسيّاً، فضلاً عن 2000 معلم أثريّ وتاريخيّ إلى جانب عشرات المواقع الأثريّة والأوابد التاريخيّة التي تم تدميرها في مسار بناء جدار الفصل العنصريّ خلال العمليات السابقة.

تاريخٌ قذر

لدى الكيان الصهيونيّ الغاصب تاريخ قذرٌ في سرقة وتشويه الآثار والتراث الفلسطينيّ ومحاولة تهويد الحضارة هناك، حيث شاركت تل أبيب مراراً بمعارض دوليّة، وعرضت فيها أزياء ومأكولات فلسطينيّة على أنها إسرائيليّة، على الرغم من أنها جزء أصيل من هويّة الشعب الفلسطينيّ، ولم تألُ “إسرائيل” جهداً بعد احتلالها للضفة والقطاع يوم 5 حزيران/ يونيو عام 1967 عن سياساتها الرامية لسلب التاريخ من أصحابه وإقحامه في تاريخها الأسود على أرض فلسطين، حيث إنّ الصهاينة اغتصبوا أراضي الفلسطينيين ليجعلوها وطناً قوميّاً لليهود، وشجعوا منذ احتلالهم كل يهود العالم على الهجرة إلى هناك والحصول على الجنسية الإسرائيليّة.

‏وتؤكّد الدراسات المتخصصة بالآثار الفلسطينيّة أن الآثار في الضفة الفلسطينيّة بما فيها العاصمة الفلسطينيّة القدس، تتعرض منذ عام 1967 لمزيد من عمليات السرقة والبيع من قبل العدو المستبد، وقد تفاقمت تلك الظاهرة بعد انطلاقة “انتفاضة الأقصى” أواخر شهر أيلول/سبتمبر عام 2000، وتشير دائرة الآثار والتراث الثقافي الفلسطينيّ التابعة للسلطة الفلسطينيّة التي يرأسها محمود عباس إلى تعرّض ما يزيد على 500 موقع أثريّ وأكثر من 1500 معلم أثريّ فرعي للسرقة والتدمير من قبل قوات العدو ولصوص الآثار إلى جانب تعرض عدد من مراكز القرى التاريخيّة لأعمال تدمير كليّ أو جزئيّ.

وفي هذا الخصوص، تشدّد الدائرة الفلسطينيّة على أنّ الآثار والتراث الفلسطينيّ يواجهان مخاطر جمة، نتيجة استفحال ظاهرة السرقة والاتجار، ما يهدد باستنزاف المعالم التاريخيّة والثقافيّة والاقتصاديّة لفلسطين، فيما تبيّن دراسات فلسطينيّة أنّ من أسباب هذه الوضعية انهيار نظام الحماية في المناطق الفلسطينيّة بفعل السيطرة الصهيونيّة عليها، وبالتالي وقوعها تحت إدارة مباشرة من العدو، ناهيك عن أعمال التدمير التي تقوم بها العصابات الصهيونيّة لمواقع التراث الثقافيّ كما جرى في القدس ونابلس والخليل وبيت لحم وغيرها من المواقع الأثرية في المدن والقرى الفلسطينية المختلفة.‏

بناء على ما تقدم، من الضروريّ التصدي لتوسع وانتشار ظاهرة استهداف وسرقة آثار المواقع الأثرية الفلسطينية وكبح الاعتداء عليها، للحفاظ على الإرث الحضاريّ لفلسطين وشعبها، ومنع السياسات الصهيونيّة الممنهجة من محوه وتهويده، الأمر الذي يتطلب نشر وعي ثقافيّ مجتمعيّ فلسطينيّ من خلال إعلانات وندوات علميّة وتوعويّة في كل المراحل الدراسيّة لمواجهة هذا التحدي الخطير ذي الجذور القديمة، إضافة إلى توفير الإمكانات الماديّة والمعنويّة لدائرة الآثار في الفلسطينيّة وإقرار قانون برنامج وطنيّ عاجل لمواجهة هذه الظاهرة، عبر البرامج التوعيّة والتثقيف والتربية والتنسيق على المستوى المحليّ والإقليميّ والدوليّ لمكافحة هذه الظاهرة الخطرة.

أيضاً، لا بدّ من فضح جرائم الاحتلال الصهيونيّ من هذه الناحية التي لا يقل أثرها عن هدر دماء الأبرياء، إضافة إلى نشر دراسات عربيّة وفلسطينيّة بلغات متعددة لشرح مخاطر الاعتداءات الإسرائيليّة التي تهدد الآثار الفلسطينية الدالة على الهوية العربيّة للمدن والقرى الفلسطينيّة، باعتبارها ثروة كبيرة وجزءاً مهماً من الاقتصاد الوطنيّ الفلسطينيّ، لأنّها أنجبت من خلال التفاعل الحضاريّ الذي يعود إلى مئات السنين، والتي شكلت بمجملها الهويّة الفلسطينيّة التي يجب الحفاظ عليها لاستمرار المقاومة حتى إزالة سرطان الاحتلال البغيض.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق