التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, نوفمبر 5, 2024

الانتخابات البرلمانيّة والبلديّة في المغرب.. تنافس حزبيّ وتشاؤم شعبيّ 

الثامن من أيلول القادم، هو موعد الانتخابات البرلمانيّة والبلديّة في المغرب، في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد التي ما زالت تحصد الإصابات والوفيات، حيث قاد 32 حزباً مغربيّاً هذا الاستحقاق، واستعانت في حملاتها الانتخابيّة بالتقنيات الإلكترونيّة، أي من خلال المواقع الإلكترونيّة وشبكات التواصل الاجتماعيّ والمواد الإخباريّة والإعلانيّة، بالإضافة إلى التواصل المباشر مع المواطنين، رغم أنّ السلطات الصحيّة في البلاد أكّدت على ضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازيّة، تفاديّاً لارتفاع عدد الضحايا والمصابين.

تنافسٌ كبير

اختير يوم الأربعاء موعداً لإجراء الانتخابات المغربيّة، بعكس ما هو معتاد أي يوم الجمعة، وذلك نتيجة لاستجابة الداخليّة المغربيّة لطلب الأحزاب التي كانت تحتج على كون بعض المنافسين يستغلون هذا اليوم الذي يتوجه فيه المصلون نحو المساجد، من أجل الدعاية لأحزاب بعينها في إشارة إلى حزب “العدالة والتنميّة” الإخوانيّ، ذو المرجعية الإسلاميّة، والذي يسلط عليه الضوء في هذا الاستحقاق الدستوريّ لمعرفة مدى شعبيّة هذا الحزب الذي ترأّس الحكومة لولايتين.

وإنّ البرامج الانتخابيّة لكافة الأحزاب المغربيّة المتنافسة في المعركة الانتخابيّة، تتضمن أولويات المواطنين المغاربة في إنعاش الاقتصاد وتوفير الرعاية الاجتماعيّة والخدمات الصحيّة وتحسين فرص العمل والتعليم، بالنظر للتأثيرات العميقة التي تركتها جائحة كورونا على المغرب وشعبه كما في أغلب الدول، وقد تشابهت برامج الأحزاب المتبارية بالانتخابات التشريعيّة والجهويّة، في عرضها الانتخابيّ حول الأولويات الشعبيّة واختلفت جزئيّاً في سُبل تحقيقها.

بالمقابل، تباينت البرامج الانتخابيّة للأحزاب من ناحية التركيز على بعض الجوانب، حيث ركّز برنامج حزب “التجمع الوطني للأحرار”، على وعود العناية بفئة المتقاعدين ممن تجاوزت أعمارهم 65 عاماً ويعيشون دون أيّ مدخول يعينهم، واقترح البرنامج تخصيص تعويض شهريّ لهم، إضافة إلى التخطيط لتوفير مليون فرصة عمل، فيما ركّز البرنامج الانتخابيّ لحزب “الحركة الشعبيّة” على إرساء ما وصفها بـ “أسس العدالة الترابيّة” للنهوض بواقع القرى ومكافحة الفوارق الاجتماعيّة، وإدماج الأبعاد الثقافيّة والبيئيّة في المسار التنمويّ للبلاد، ومعالجة البطالة وتوظيف الشباب، واستخدام التكنولوجيا الحديثة، وتحسين أوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة.

من جانب آخر، اهتم برنامج حزب “الاتحاد الاشتراكيّ” في قضية ضمان الحق في خدمة صحيّة عموميّة ذات بيئة وجودة عاليّة، إضافة إلى تعزيز تكافؤ الفرص، وزيادة حجم الطبقة الوسطى واعتماد نظام جباية عادل، وتطوير الاستثمار الوطنيّ بما يمكن من رفع نسبة النمو ويزيد فرص التوظيف، بيد أنّ برنامج حزب “الأصالة والمعاصرة” تحدث عن 9 أولويات للعمل خلال العام الأول للحكومة المقبلة، منها ضمان حق جميع الأطفال في القبول ضمن المدارس الحكوميّة، والحصول على الرعاية الصحيّة، والسكن، وصون كرامة المسنين.

أما بما يخص حزب “العدالة والتنمية” الإخوانيّ، الذي استغل بشدّة أحداث ما يعرف بـ “الربيع العربي” عام 2011، وفاز بالانتخابات التشريعيّة بشكل كاسح، وآلت إليه رئاسة الحكومة التي أنيطت بعبد الإله بن كيران، أمينه العام السابق، الذي اعتبر شخصية “شعبويّة”، عقب الاحتجاجات السلميّة التي انتشرت في مدن المغرب تحت مسمّى “حركة 20 فبراير”، فيقوم برنامجه الانتخابيّ على تعزيز الموقع السياسيّ والإستراتيجيّ والإشعاعيّ للمغرب في محيطه الإقليميّ والجهويّ والدوليّ إضافة إلى تحسين المناخ الديمقراطيّ والسياسيّ والحقوقيّ، وتعزيز كرامة المواطن، واستحداث جيل جديد من الإصلاحات من أجل العدالة الاجتماعيّة.

ومن الجدير بالذكر، أنّ وسائل الإعلام العربيّة غطت مشاهد سلبيّة لبعض المتنافسين في الأقاليم المغربيّة، بالتزامن مع الحملات الانتخابيّة في البلاد للانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة، وأظهرت استعمال العنف ضد خصومهم السياسيين، أو من خلال توزيع المال لاستمالة أصوات الناخبين واستغلال أوضاع الفقر والبطالة والحاجة لدى كثير من الأوساط، خاصة فئة الشباب، فيما تنامت حوادث الاعتداء على المرشحين وداعميهم في مجموعة من المدن والقرى المغربيّة، لتصل الأمور لمحاولة القتل وتكسير زجاج سيارات والاعتداء بالضرب.

مرحلة مختلفة

اقتضت المرحلة السابقة التي أعقبت أحداث “الربيع العربيّ” وجود حزب العدالة والتنميّة بشخصياته وأفكاره، بعد الغضب الشعبيّ من رموز السلطة ورفع شعارات مناهضة لهم خلال الحراك المغربيّ، فكان الحزب المذكور أداة مساعدة في تنفيس الأزمة، لكنّ ذلك الحلّ المؤقت أصبح مشكلة بخد ذاتها، نظراً لمواقف بن كيران غير المحسوبة وتصريحاته غير المدروسة، بالرغم من أنّ حزبه فاز في الانتخابات التشريعيّة الموالية عام 2016، فإن القياديّ المذكور أصبح شخصيّة غير مرغوب فيها، بعد تعيينه رئيساً لمجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل فريقه الوزاريّ، إذ وجد عرقلة كبيرة من بعض الأحزاب المقربة من دوائر صنع القرار.

بعدها، اختير سعد الدين العثماني رئيساً للحكومة عوضاً عنه، إضافة إلى أنّه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، فصار الحزب وفقاً لمتابعين ليناً مطواعًا مستعداً لتمرير قرارات صعبة، حتى وإن كان غير راض عنها، في الظاهر على الأقل، لكن من يعتاد على التنازل يكون مطالبا بالخضوع لسلسلة متواليّة من التنازلات، حيث رضخ الحزب لتعديلات عديدة في القوانين الانتخابيّة، بدا منها بشكل جليّ أنّ الهدف هو تقزيم حجمه في الانتخابات التشريعيّة والبلديّة المقبلة، ومن أهم تلك التعديلات اعتماد “القاسم الانتخابيّ” على أساس المسجلّين في القوائم وليس على أساس المصوّتين.

وفي الفترة الأخيرة، يحاول الحزب الإخوانيّ إقناع أعضاءه قبل جمهوره بأنّه ما زال حزباً قويّاً وقادراً على تصدر نتائج الانتخابات، لكنه في الوقت نفسه يشتكي من انتشار بعض الممارسات السلبية خلال الحملات الانتخابيّة، من بينها استعمال المال من أجل الحصول على أصوات الناخبين، وانحياز بعض أفراد السلطة نحو منافسين حزبيين بعينهم، وقد بدا غريباً أنّ رئيس الحكومة المغربيّ نفسه، الذي يرأس هذا الحزب الإسلاميّ، يشير بشكل غير مباشر إلى خصومه السياسيين الذين ما زال بعضهم معه في الحكومة، باللجوء إلى استعمال المال الوفير على الناس، في إشارة إلى حزب “التجمع الوطنيّ للأحرار” الذي يأمل في اكتساح الانتخابات، معوّلاً على طموحات رئيسه، عزيز أخنوش، رجل المال والأعمال، ووزير الفلاحة والصيد البحريّ.

علاوة على ما ذُكر، ثمة لاعبون آخرون لا يقلّون أهمية عنهما في الساحة الانتخابيّة، كحزب “الأصالة والمعاصرة” الذي يرجع الفضل في تأسيسه إلى مستشار الملك المغربيّ حاليّاً، فؤاد علي الهمة، والذي يضم خليطاً من اليساريين واليمينيين، بقيادة المحامي والبرلمانيّ، عبد اللطيف وهبي، كذلك حزب “الاستقلال” الذي يسعى بقوّة إلى تصدر المشهد السياسيّ في المغرب كما كان سابقاً، بعدما تقلب بين الأغلبيّة والمعارضة لسنوات طويلة، معتمداً على رصيده التاريخيّ باعتباره أحد أعرق الأحزاب المغربيّة، بالإضافة إلى رمزيّة أمينه العام، رجل التوافقات والخبير في العمل الوزاريّ والمسؤوليّة الاقتصاديّة والسياسيّة.

في النهاية، لا يبدو أنّ المغربيين متفائلين بهذه الانتخابات ونتائجها على معيشتم، لأنّ الصورة التي عكستها الأحزاب المغربيّة خلال الحملة الانتخابيّة الحالية، لم تقدم سوى الوعود التي اعتاد عليها الشارع العربيّ بأكمله في مختلف أنواع الانتخابات، والأهم هو تكرار العديد من الوجوه التي شاخت في البرلمان والمجالس المحليّة كما تقول تقارير صحفيّة، ناهيك عن الهيمنة الذكورية الكبيرة على الكثير من اللوائح الانتخابيّة ضمن واحد من أهم الاستحقاقات الانتخابيّة في البلاد.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق