التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, ديسمبر 27, 2024

المصيدة الأمريكية في أفغانستان بعد الهروب الكبير 

بينما تستعد حركة طالبان للإعلان عن تشكيل الحكومة الأفغانية الجديدة في الأيام المقبلة لإظهار سيطرتها الكاملة على الوضع السياسي في أفغانستان، حملت بعض المعارضة الداخلية العنيدة لطالبان في وادي بانجشير السلاح، وأعلنت أنها لن تستسلم لطالبان حتى يتم قبول شروطها.

بانجشير هي منطقة جبلية في شمال كابول، وآخر مقاطعة تسقط في أيدي طالبان. وفي الأيام الأخيرة، ومع هجوم طالبان علی وادي بانجشير، كانت هذه المنطقة مسرحًا لمواجهات بين مسلحي طالبان و”جبهة المقاومة الوطنية” بقيادة أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود.

ووفقًا لقناة الجزيرة، زعمت طالبان أن هذه الجبهة تريد الاحتفاظ بأسلحتها، ويريد أحمد مسعود حصةً قدرها 30 بالمئة في الحكومة الجديدة.

وقال أحمد مسعود لشبكة CNN يوم الأربعاء الماضي، إن المقاومة ما زالت تسعى لإجراء محادثات مع طالبان؛ لكن “هذه المفاوضات لم تحقق نتيجةً تذکر.” من ناحية أخرى، قال زعيم طالبان إن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، وإن القتال أمر لا مفر منه.

وفي مثل هذه الظروف، دعت جبهة المقاومة، التي تضم بعض القادة السياسيين والعسكريين في الحكومة الأفغانية السابقة والجيش الأفغاني، جميع المعارضين للإمارة الإسلامية للانضمام إلى الحملة العسكرية ضد طالبان.

ومع استمرار معركة بانجشير، كانت هناك تقارير عن صراع على السلطة بين طالبان وشبكة حقاني، مما يشير إلى أن صعود طالبان إلى السلطة لن يكون سهلاً ودون متاعب كما كان عليه الحال عندما احتلت كابول.

وبناءً على ذلك، يبدو أن طاولة المفاوضات والحلول السياسية قد وُضعت جانباً على المدى القصير لتحل محلها خنادق الحرب وسماع لغة البندقية؛ الأمر الذي زاد من مخاطر اندلاع حرب أهلية في أفغانستان.

الحرب الأهلية في أفغانستان.. المصيدة الأمريكية للمنافسين

علی الرغم من أن الهروب العسكري الأمريكي من أفغانستان جاء بعد فشل المهمة التي استمرت عقدين للقضاء على طالبان والسيطرة على الوضع في هذا البلد المهم للغاية، الذي يتمتع بموقع فريد في قلب آسيا ويطل على المناطق الجيوسياسية الأربع أي آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية والخليج الفارسي وجنوب وشرق آسيا، لكن ليس هناك شك في أن الاستراتيجيين الأمريكيين خططوا لمغادرة أفغانستان بناءً على تلغيم هذا البلد لمنافسين مثل الصين وروسيا وإيران.

وهكذا، في حين أن الوجود المباشر في أفغانستان على مدى العقدين الماضيين كان له قيمة كبيرة في الاستراتيجية الجيولوجية للولايات المتحدة لتنظيم النظام العالمي الجديد الذي سعت إليه في حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لکن الفشل المكلف في تحقيق هذا الهدف (لأسباب مختلفة) وتحوُّل أفغانستان إلی فيتنام أخرى للبيت الأبيض، قد دفع السياسيين الأمريکيين وبعد أن قدروا أن الخروج المفاجئ من أفغانستان سيشکل أزمةً في هذا البلد، إلى السعي لخلق التحديات لخصومهم الدوليين الرئيسيين، أي الصين وروسيا وإيران، الذين لدی كل منهم مصالح مهمة في التطورات التي تشهدها أفغانستان.

تداعيات ونتائج الحرب الأهلية في أفغانستان، بما في ذلك أزمة اللاجئين، تراجع الاستقرار الإقليمي، تشكيل مركز جديد للإرهاب في المنطقة، تعزيز الطائفية والتوترات العرقية في البيئة الأمنية للدول المجاورة، المخدرات، تعطيل عملية التقارب الاقتصادي الإقليمي والعابر للإقليم بسبب الموقع الجيو استراتيجي لأفغانستان، يمكن أن تتحدى مصالح هذه الحكومات المنافسة للولايات المتحدة.

على سبيل المثال، يمر جزء كبير من مشروع الصين الضخم الطموح المسمى “مبادرة الحزام والطريق” للاستيلاء على شرايين التجارة الدولية المستقبلية عبر آسيا الوسطى، ويُشار إلى أفغانستان على أنها بوابة إلى هذه المنطقة. ومن هذا المنظور، ستلعب التطورات في أفغانستان دورها في استراتيجية احتواء الصين.

لذلك، لا بد من القول إن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بأننا سنشهد على الأرجح اندلاع حرب أهلية في أفغانستان، هي دليل على الخطة الأمريكية للتطورات المستقبلية في أفغانستان، أكثر من كونها مؤشرًا للتطورات. وفي الواقع، لن يكون إنهاء الاحتلال العسكري لأفغانستان بالضرورة نهايةً لتدخل الإدارة الأمريكية وخططها في أفغانستان.

أداة الضغط في أيدي طالبان

تسعى طالبان إلى تقليص دور المعارضين من خلال إعطاء أقل الامتيازات لهم، من أجل إقامة الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تريدها.

من ناحية أخرى، فإن الدبلوماسية الإقليمية لقادة طالبان في الأسابيع الأخيرة ومحادثاتهم العلنية والسرية التي جرت العام الماضي مع الأطراف الإقليمية، تستند إلى احترام مصالح جيران أفغانستان خلال حكم الإمارة الإسلامية.

وبطبيعة الحال، فإن الجزء الرئيسي والمهم من هذه المصالح هو منع عدم الاستقرار في أفغانستان، وهو القاسم المشترك لمصالح هذه الجهات والأساس لتشكيل أزمات أخرى.

لا شك أن محاولة السيطرة علی بانجشير بسرعة بالقوة العسكرية، وقمع الخصوم والمعارضين، والسعي لاحتكار السلطة، وتجاهل المعايير الدولية لحقوق الأقليات الدينية والعرقية، وقمع العمليات الديمقراطية في أفغانستان، هي على عكس هذه الشعارات، كما أنها ستثير حساسيات الجيران، وتهدد أسس الشرعية الداخلية والخارجية للحکومة الجديدة واستقرارها، وستکون في نهاية المطاف بمثابة اللعب في ملعب الخطة الأمريکية والغربية الشريرة لمستقبل أفغانستان والمنطقة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق