مشاريع الطاقة “الأردنية- السورية- اللبنانية” الجديدة وتداعياتها
تستضيف اليوم المملكة الأردنية الهاشمية، اجتماعاً فنياً رباعياً لوزراء الطاقة في كل من سوريا ولبنان ومصر والأردن لمتابعة استجرار الكهرباء والغاز من مصر إلى لبنان عبر سوريا.
ويتباحث وزراء الطاقة في التوصل إلى خطة عمل واضحة وجدول زمني لإيصال الغاز إلى لبنان إضافة إلى المتطلبات اللوجستية والتقنية والإدارية والفنية والمالية من أجل إنجاح المشروع لكل من الدول الأربع.
وكشف وزير الكهرباء السوري غسان الزامل أن سبعة وثمانين كيلومترا من خط الكهرباء الذي يربط بين الأردن وسوريا وصولاً إلى لبنان قد تعرض جزء منه لأعمال التدمير والتخريب خلال السنوات الماضي.
وقدر الزامل كلفة إعادة تأهيل الجزء المدمر بأكثر من عشرة ملايين دولار على أن تستغرق الأعمال نحو أربعة أشهر لافتاً الى وجود صعوبة في استيراد بعض المستلزمات الضرورية لعمليات إصلاح الخط بسبب العقوبات المفروضة على سوريا.
وأوضح الزامل أن تنفيذ أعمال التأهيل والصيانة تحتاج ما بين 2-4 أشهر من لحظة بدء العمل الفعلي لأعمال إعادة التأهيل، مبينا أن “الأضرار التي لحقت بالخط شملت تدمير نحو 80 برجا تتجاوز كلفتها 6.9 مليار ليرة”.
لقد كان مشروع الربط الكهربائي الثماني يهدف إلى ربط الشبكات الكهربائية في كل من الأردن ومصر وسوريا وليبيا ولبنان ومنه الربط الكهربائي الأردني– المصري- اللبناني- السوري- الليبي حيث تم تجديد عقد تبادل الطاقة الكهربائية ما بين الجانبين الأردني- المصري عام 2012.
وترتبط الشبكة الكهربائية الأردنية بالشبكة الكهربائية المصرية بكيبل بحري جهد 400 ك.ف، يمتد عبر خليج العقبة بطول 13 كم وباستطاعة 550 ميغاواط.
وقد تم تمديد عقد تبادل الطاقة ما بين الجانبين المصري والسوري وما بين الجانبين السوري والأردني خلال عام 2012.
لماذا ستجر الكهرباء عبر سوريا؟
تملك سوريا شبكة كهربائية واسعة ومتينة مع الأردن دشنت في آذار عام 2001، وبتمويل من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكان الصندوق قد مول مشروع الربط الكهربائي بين مصر والأردن الذي بلغت تكاليفه 145 مليون دولار، ووفق خبراء اقتصاد فإن الشبكة ما زالت قائمة بين البلدان الثلاث ولم تتأثر بالمجريات التي حصلت.
وحيال استجرار الكهرباء عبر سوريا فإن الإمكانية متوفرة والأردن لديه فائض كهربائي كبير، وأوضح إلى أن الخط الثماني الكهربائي بين سوريا والأردن وليبيا والعراق وتركيا، هو قائم،وحيث أن الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا موجود، ما يعني أن البنية التحتية لاستجرار الكهرباء قائمة ومتوفرة، لكن القضية لها عدة ابعاد وأطراف عربية ودولية.
إن استجرار الكهرباء لا يمكن أن يتم دون المرور بالأراضي السورية ودون موافقة سوريا عليه، مضيفاً أن ان سوريا قد تحصل على جزء من الناقل الكهربائي الجديد، ما يعني تخفيف جزء من مشكلات الاقتصادية والخدمية.
تمرير الطاقة إلى لبنان
لا تُعتبر اتفاقية تمرير الطاقة إلى لبنان عبر سوريا أمراً مفاجئاً، وإنما سبقها تمهيد ومحادثات مطوّلة، لعب فيها الأردن الذي يعاني من أزمات اقتصادية دوراً محورياً، بتولّيه المباحثات مع الولايات المتحدة الأميركية للتوصّل إلى تفاهم على تمرير هذه الاتفاقية، عبر الالتفاف على عقوبات “قيصر” بالشراكة مع مصر التي تسعى بدورها لاستكمال سلسلة مشاريعها المتعلّقة بالطاقة، من بينها الاتفاق المصري ـــ العراقي ـــ الأردني. وشكّلت سوريا أحد أبرز المحاور التي ناقشها الملك الأردني، عبد الله الثاني، خلال لقائه الرئيس الأميركي، جو بايدن، في واشنطن قبل نحو شهرين.
وعلى الصعيد التقني سيفتح تزويد لبنان بالكهرباء على ربط الدول الأربع (سوريا، مصر، الأردن، لبنان) بخط كهربائي، لكن الأمر سيبقى رهن التمويل الذي سيتولاه البنك الدولي، الأمر الذي سيفتح منفعة لسوريا عبر فرض ضرائب أو الحصول على جزء يتفق عليه بين سوريا والأردن.
تقاطعات سياسية واقتصادية وجغرافية عديدة لعبت دوراً مهمّاً في إعادة سوريا إلى الواجهة، وهو أمر رحّبت به دمشق، سواءً لأهداف اقتصادية أو لدوافع تتعلّق بلبنان الذي تتداخل وتتشابك قضاياه مع القضايا السورية بشكل كبير، ما يعني أن أيّ أزمة يعاني منها لبنان ستصل آثارها بشكل مباشر إلى دمشق. مصادر سورية أشارت، “دمشق تَعتبر أيّ عمل عربي مشترك جزءاً من رؤيتها الاستراتيجية، سواءً أفضى هذا العمل إلى انفتاح سياسي أو اقتصر على مشاريع اقتصادية تستفيد منها الدول العربية، ومن بينها سوريا، مع إدراك أهمية الدور السوري في المنطقة والذي يفرضه الموقع الجغرافي المهم الذي تحتلّه على الخريطة الاقتصادية والسياسية”.
خلال تصريحات جانبية على هامش زيارة الوفد الوزاري اللبناني إلى سوريا، جرى الحديث عن ضرورة الإسراع في إطلاق المشروع الذي يمثّل متنفّساً للبنان، وسط تفاؤل بأن يتمّ تنفيذه خلال بضعة أشهر، الأمر الذي يصطدم بمعوّقات عدة، أبرزها الأحداث الأمنية في الجنوب السوري والذي يٌعتبر حجر أساس لتمرير هذا المشروع، حيث تمرّ عبره خطوط الكهرباء والغاز، ويعمل الجيش السوري في الوقت الحالي على إنهاء حالة التوتر فيه. وإضافة إلى الحالة الأمنية ثمة معوّقات عديدة أخرى، بينها الضرر الذي لحق بخطّ الغاز العربي الذي تعرّض لتفجيرات عدّة في المنطقة الجنوبية، بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة التي طالت شبكة الكهرباء التي تربط الأردن بسوريا، حيث كشف وزير الكهرباء السوري، غسان الزامل، أن خطّ الكهرباء تعرّض للتدمير على مسافة 87 كم، بدءاً من الحدود الأردنية السورية حتى منطقة دير علي، وأن الأضرار طالت نحو 80 برجاً، فيما تمّ تدمير وتخريب وسرقة نحو 195كم من الأمراس، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن إصلاح هذه الأعطال يصطدم بالعقوبات المفروضة على سوريا والتي تمنع استيراد المواد اللازمة لإصلاحها.
ومن الملفّات العالقة أيضاً تفاصيل تتعلّق ببنود تنفيذ الاتفاق، والكمّيات التي سيُجرى توريدها إلى سوريا، ودور سوريا في توليد الطاقة الكهربائية لأسباب لوجستية، في حال تعثّر نقل الكهرباء من الأردن، خصوصاً أن سوريا تمتلك محطّات توليد تعمل على الغاز قادرة على إمداد لبنان بالكهرباء، الأمر الذي يفسّر عدم الوضوح في كثير من النقاط، وهو ما يجري العمل عليه في الوقت الحالي، سواء خلال الاجتماع الذي تحتضنه عمّان اليوم (الأربعاء) والذي يضمّ وفوداً من مصر وسوريا ولبنان، أو خلال اجتماعات لاحقة.
بشكل مختصر، يمكن القول إن ما يجري حتى الآن اتفاق اقتصادي عربي يكسر العقوبات الأميركية، ويمثّل إفادة للدول المعنيّة، ويعيد إلى دمشق دورها الاقتصادي الذي جرت محاولة تغييبه، كما يمثّل بوابة جانبية لحلحلة بعض الملفّات الداخلية في سوريا، سواءً المشاكل الأمنية في المنطقة الجنوبية أو الأضرار التي طالت البنية التحتية والتي ستشكّل محور اهتمام الدول الأربع (أطراف الاتفاقية) خلال اللقاءات المقبلة، لبحث سبل ترميمها في ظلّ العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.
المصدر/ الوقت