رفضٌ جزائريّ مُطلق للصلح مع المغرب.. كيف يمكن إنهاء هذا النزاع التاريخيّ
رفضٌ جزائريّ لأيّ وساطة عربيّة أو حتى غربيةّ للمصالحة مع المغرب، نتيجة لارتفاع حجم توتر العلاقات بين البلدين الجارين والتي وصلت إلى حد القطيعة بسبب المتغيرات الأخيرة في المنطقة وبالأخص في المغرب العربيّ عقب تطبيع الرباط مع الكيان الصهيونيّ الغاصب مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الإقليم الصحراويّ المتنازع عليه أو ما يعرف بـ “الصحراء الغربيّة” إضافة إلى التآمر مع تل أبيب للنيل من الموقف الجزائريّ المقاوم والكثير من الملفات الأخرى، لهذا فإنّ الموقف الجزائريّ في رفض تضمين جدول أعمال وزراء الخارجيّة العرب أيّ مبادرة للمصالحة ليس غريباً، بعد القرار الأخير بقطع العلاقات الدبلوماسيّة الشهر المنصرم.
رفضٌ مُطلق
إنّ قطع الجزائر العلاقات الدبلوماسيّة مع المغرب وغلق السفارة المغربيّة لدى الجزائر إضافة للخلافات الكبيرة والتصريحات اللاذعة، مؤشرات لا توحي برغبة جزائريّة في تطبيع العلاقات المتأزمة، في ظل ارتفاع منسوب العداء بشكل غير مسبوق بينهما وتأزم العلاقات أكثر وأكثر مع مرور الأيام وانخراط المغرب في مشاريع تستهدف جيرانها، ناهيك عن تناقض المواقف في عدة ملفات حساسة في المنطقة، ترى الجزائر فيها أنّها مُستهدفة بالفعل من أعداء الماضي والحاضر، في إشارة إلى المتعاونين والمُطبعين مع الصهاينة، وإنّ إعلان السلطات الجزائرية، قطع العلاقات الدبلوماسيّة جاء بعد تصاعد التوترات التي تفتعلها الرباط الضالعة في أعمال عدائيّة ضد الجزائر.
وباعتبار أنّ تل أبيب ضالعة بشكل كبير في تدهور العلاقة إلى هذا الحد بين البلدين، بررت الجزائر قرارها في القطيعة لأسباب عدّة بينها السماح لوزير خارجية العدو، يائير لابيد، بتهديدها من الرباط، والسماح للصهاينة بالتجسس على الجزائر انطلاقاً من الحدود المغربيّة، واستعمال المغرب برنامج “بيغاسوس” للتجسس على المسؤولين الجزائريين، إضافة إلى تشجيع حركة الانفصال في منطقة القبايل، وتحميل المغرب مسؤولية الحرائق التي شهدتها هذه المنطقة في الفترة الماضيّة، الشيء الذي كشف الانخراط المغربيّ مع العدو الإسرائيليّ لمحاربة الجزائر لصدّ الحملة التي قادتها ضد قبول الكيان كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقيّ.
أكثر من ذلك، وحسب وجهة النظر الجزائريّة فإنّ المملكة المغربيّة جعلت من أراضيها قاعدة خلفيّة ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد جارتها الشرقيّة، لهذا لم توافق الجزائر على محاولات دول أوروبية مثل فرنسا القيام بمبادرة للمصالحة في سرية تامة، رغم أنّ المغرب رحب بالمبادرات، مدعيّاً جهله للأسباب الحقيقيّة للقرار الجزائريّ، واصفاً الأدلة التي استندت إليها الجزائر بـ “غير جديرة بالاهتمام”.
أيضاً، حاولت دول خليجيّة بينها السعودية رأب الصدع بين البلدين، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل، رغم أنّ وساطة مماثلة نجحت إبان الثمانينات في إعادة العلاقات الدبلوماسيّة بينهما، لكن القطيعة الدبلوماسيّة الجزائريّة التي لا يمكن إخماد نارها بشكل سريع في الوقت الحالي، ترتكز على قناعة بقواعد اللعبة مع جارتها الغربيّة، المنخرطة في تحالفات استخباراتيّة مع بعض الدول إضافة للكيان الصهيوني، لاستهداف البلاد وإشغالها عن القضايا المصيريّة وإبعادها عن القضايا العربيّة والإفريقيّة.
ولا يبدو أنّ العلاقات الجزائريّة – المغربيّة التي تشهد انقطاعاً شبه تام على خلفية ملف الحدود البريّة المغلقة منذ عام 1994، إضافة إلى قضيّة “الصحراء الغربيّة”، ستشهد تحسناً في الأيام أو الأشهر المقبلة، والدليل ما ذكرته وسائل إعلام جزائريّة، حول أنّ وزير الخارجيّة، رمطان لعمامرة، شدّد على أن “موضوع قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب لم ولن يندرج ضمن جدول أعمال الاجتماع الوزاريّ، و أنّ قرار قطع العلاقات الدبلوماسيّة ليس قابلاً للنقاش أو التداول باعتباره قراراً سياديّاً ونهائيّاً مؤسساً لا رجعة فيه”، وذلك على هامش اشغال اجتماع وزراء الخارجيّة العرب، وخلال لقاءاته التشاوريّة التي سبقت اجتماع وزراء خارجيّة العرب مؤخراً.
ووفقاً للوزير الجزائريّ، فإنّ “القرار السياديّ والصارم للجزائر، جاء بالنظر إلى الانتهاكات الخطيرة والمستمرة من جانب المغرب للالتزامات الجوهريّة التي تنظم العلاقات بين البلدين الجارين، وعلى خلفية الاعتداءات العديدة والمتكررة والموثقة للمغرب الذي تسبب في دخول العلاقات الثنائيّة في نفق مسدود ولا سيما من خلال محاولة ضرب الوحدة الوطنيّة، علاوة على السماح للعدو التاريخيّ (إسرائيل) بإطلاق تصريحات عدائيّة ضد الجزائر، على مقربة من التراب الوطنيّ، هذا في العلن و ماذا يتم تحضيره في الخفاء”.
أهم نقاط الخلاف
يعُد ملف الإقليم الصحراويّ من أبرز نقاط الخلاف بين البلدين، وشهد نزاعاً بين المغرب وجبهة “البوليساريو” منذ عام 1975، وذلك بعد انتهاء فترة وجود الاحتلال الإسبانيّ في المنطقة، ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، حيث تقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيطرتها، فيما تطالب جبهة “البوليساريو” باستفتاء يقرر مصيرهم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات آلاف اللاجئين من الإقليم الصحراويّ، ويسيطر المغرب على أجزاء كبيرة من الصحراء الغربيّة التي أعلنت جبهتها الصحراويّة عن تأسيس “الجمهورية العربيّة الصحراويّة الديمقراطيّة” و شكلت حكومتها في منطقة “تندوف” الجزائريّة.
وتؤكّد الجزائر ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولياتهما الكاملة بما يخص هذا الملف الحساس، وخاصة أنّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبيّ والاتحاد الأفريقيّ لا يعترفون بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة، وتُصر الجزائر على أنّها ماضية في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال، رافضة كل ما يمكن أن يثنيها عن مواقفها وخياراتها، وتعتبر قضية “الصحراء الغربية” من أولوياتها، وتشدّد على ضرورة تحمل المسؤوليّة القانونيّة الكاملة في تطبيق الشرعيّة الدوليّة، وإعطاء الشعب الصحراويّ حقه في تقرير مصيره، بعد خيانة فلسطين والجرائم البشعة التي ارتكبتها المغرب بحق هذا الشعب لتحقيق أهدافها التوسعيّة.
وتدرك الحكومة الجزائريّة حجم الأهداف المغربيّة الخطيرة، لاستهداف بلادهم عبر التجسس والتطبيع وملف الصحراء الغربيّة والوجود العسكريّ الحدوديّ، ما يُشكل استفزازاً و تهديداً للأمن القوميّ الجزائريّ عبر المخططات المغربيّة والغربيّة والإسرائيليّة المعاديّة للجزائر و للوحدة المغربيّة وبالتالي فإنّ التعاون العربيّ هو الخاسر الأكبر نتيجة بناء العلاقات مع الأعداء ومعاداة الدولة التي تربطها أواصر الدم والأخوة والثقافة والنضال المشترك ضد المستعمر الفرنسيّ مع المغرب، لإشغالها وإبقائها بعيدة عن القضايا المهمة والعادلة، وثنيها عن مواقفها العادلة المناهضة للاستعمار والمؤيدة لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
بناء على ما تقدم، لن تنجح المحاولات العربيّة والغربيّة في احتواء النزاع الدبلوماسيّ لمنعه من الانتقال إلى نزاع عسكريّ محتمل، إلا عندما تستطيع إزالة أسباب الخلاف، فما الفائدة من وجود علاقات شكليّة في باطنها عداوة كبيرة تكشفها وسائل الإعلام الجزائريّة والمغربيّة التي لا تكف أبداً عن زيادة الأحقاد وتأزيم المُتأزم وكيل الاتهامات.
المصدر/ الوقت