“توثيق الطلاق” في مصر.. تفاصيل الخلاف بين السيسي والأزهر
عاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مرة أخرى للحديث عن توثيق الطلاق، مبرراً ذلك بحماية حقوق المرأة المصرية، وقال ان هذا الأمر مهم جدا ويجب استيعابه، وخاصة أن قانون الأحوال الشخصية يتيح هذا الأمر.
وخلال حلقة نقاشية بعنوان “حقوق الإنسان ..الحاضر والمستقبل”، ضمن فعاليات إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أكد السيسي، السبت، أنه تجنب الصدام مع مؤسسة الأزهر بعد أن رفضت طلبه بشأن توثيق الطلاق، وعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي في حال عدم توثيقه، مضيفا: “تحدثت كثيراً عن تجديد الخطاب الديني، ورفضت التمسك برأيي في مواجهة المؤسسة التي رفضت ذلك، بل تركت الموضوع يتفاعل مع المجتمع منعاً للصدام، واحتراماً لمنطق الزمن والتغيير”.
الحديث عن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد انطلق بعد أزمة الطلاق الشفوي التي أثارها العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة بعد أحداث مسلسل “لعبة نيوتن” والذي تناول أزمة الطلاق الشفوي وأثار ردود الأفعال حولها.
توثيق الطلاق في القانون الجديد
ووافق مجلس الوزراء المصري في 20 يناير الماضي بشكل نهائي على مشروع قانون بإصدار قانون الأحوال الشخصية، وإرساله إلى مجلس النواب، إلا أن مشروع القانون أثار جدلا واسعا، ما أدى إلى تأجيل مناقشته من قبل المجلس.
حيث نصت المادة 46 من القانون على أنه: يشترط لوقوع الطلاق أن يكون الزوج عاقلا مختارا واعيا ما يقول قاصدا النطق بلفظ الطلاق عالما بمعناها، وأن يكون الطلاق منجزا ولم يقصد به اليمين على فعل شيء أو تركه، ولا يقع الطلاق بألفاظ الكناية وإلا نوى المتكلم بها الطلاق ولا نشأت النية في هذه الحالة إلا بإقرار المطلق، ويقع الطلاق من العاجز عن الكلام بالكتابة التي يقصد بها إيقاعه ومن العاجز عن الكلام والكتابة بالإشارة المفهومة. وتنص المادة 47 على أنه يشترط لوقوع الطلاق على الزوجة أن تكون في زواج صحيح غير ممتدة.
وفيما يخص الطلاق الشفوي، أكدت المادة 55 من قانون الأحوال الشخصية، أن الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدة، وكذلك المتتابع أو المتعدد في مجلس واحد ويترتب الطلاق الشفوي أثرة قانونا حال إقرار الطرفين به أمام جهة رسمية.
تفاصيل الخلاف بين السيسي والمؤسسات الدينية
في واقعة أحدثت حالة من النقاش والجدل بين علماء الأزهر، حول الطلاق الشفهي، كان السيسي يستعرض – أثناء حديثه في احتفالات عيد الشرطة عام 2017، بيانات التعبئة العامة والإحصاء بشان عدد حالات الطلاق في مصر.
السيسي دعا إلى إصدار قانون يقضي “بألا يتم الطلاق إلا أمام مأذون” أي حظر الطلاق شفويا. وقال السيسي إنه طبقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن 40 في المئة من المتزوجين يطلقون خلال السنوات الخمس الأولى للزواج معتبرا أن هذه “نسبة كبيرة ويكون لها سلبيات على الأسرة والأجيال” المقبلة.
وأضاف إن مثل هذا القانون سيكون الهدف منه “إعطاء الناس فرصة لمراجعة نفسها بدلا من أن يتم الطلاق بكلمة يقولها (الزوج) هكذا” في أي لحظة. وتوجه السيسي بعد ذلك إلى شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، الذي كان يحضر الاحتفال قائلا بالعامية “ولا إيه يا فضيلة الإمام؟” ثم أردف “تعبتني يا فضيلة الإمام”، أي أرهقتني.
الازمة تكمن في وقوع الطلاق الشفهي من عدمه، بعضهم ذهب إلى المطالبة بعدم وقوعه إلا في حالة التوثيق كما هو الحال في الزواج، والمؤسسة الازهرية الرسمية رفضت ذلك وأقرت بوقوع الطلاق شفهيًا. ومن طالب بعدم وقوع الطلاق الشفهي، كان الشيخ خالد الجندي والشيخ سعد الدين الهلالي وغيرهما.
الأزهر يقطع الجدل
فيما أصدرت هيئة كبار العلماء بالأزهر بيانًا قطعت فيه الجدل حول الامر جاء به: ” “وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، هو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ … دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق”.
وأوضح أن الهيئة “عقدت عدة اجتماعات خلال الأشهر الماضية لبحث عدد من القضايا الاجتماعية المعاصرة ومنها حكم الطلاق الشفويِّ وأثره الشرعي” مضيفا إن “مجلس كبار العلماء” الذي انعقد اليوم الأحد (الخامس من شباط/ فبراير) انتهى إلى هذا “الرأي بإجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم وتخصُّصاتهم”.
وأكدت الهيئة أنها “ترى أن ظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق، لأن الزوج المستخف بأمر الطلاق لا يعيبه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه، علما بأن كافة إحصاءات الطلاق المعلن عنها مثبتة وموثقة سلفا إما لدى المأذون أو أمام القاضي”.
وتابعت إن “العلاج الصحيح لهذه الظاهرة يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكل أنواعها وتثقيفهم (…) والفن الهادف والتعليم الجاد والدعوة الدينية الجادة”.
ورغم إصرارها على شرعية الطلاق شفويا فان الهيئة أكدت أن “من حق ولي الأمر (أي رئيس الدولة) شرعا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق (للطلاق الشفوي) أو ماطل فيه لأن في ذلك إضرارا بالمرأة وبحقوقها الشرعية”.
تراجع السيسي
وفي تراجع واضح من السيسي حول القضية منذ إثارتها وحتى وقتنا الحالي قال الرئيس المصري، في حديثه السبت، خلال حلقة نقاشية حول حقوق الإنسان الحاضر والمستقبل، إنه لم يصطدم مع المؤسسة الدينية في موضوع توثيق الطلاق.
وقال نصاً: هل انا نشفت دماغي مع المؤسسة الدينية .. لا .. انا سيبت الموضوع يتفاعل مع المجتمع ومع المؤسسة الدينية، احتراما لمنطق الزمن وتغيير الناس .. مش بسهولة اننا نخلق ممارسات في فكرة احترام الآخر واحترام الاعتقاد أو عدم الاعتقاد.
ويبرر اعلاميون مصريون تراجع السيسي بأنه يحاول خلق حوار مجتمعي ديني من أجل الوصول إلى حلول للمشكلات التي تواجه المجتمع المصري، مع احترام كل الآراء المطروحة وثوابت المعتقدات الدينية. حيث أكد الإعلامي محمد الباز؛ أن السيسي يتحدث من أرضية المصلح أكثر من المسؤول؛ لافتا أنه كان من صلاحياته أن يصدر قرار بأن يكون الطلاق موثق وينتهي الأمر.
وقال الباز “الرئيس قال إنه ترك الموضوع للزمن والتطور؛ كمسؤول في الدولة يمكن أن يقول لا طلاق إلا بالتوثيق ولكنه ترك الموضوع لمناقشة المؤسسة الدينية”.
فيما يرى الخبير والباحث في شؤون الحركات الإسلامية عمرو فاروق، أن الرئيس حاول بتلك التصريحات، القضاء على مسألة الاستقطاب والتجنيد، والتي اعتمدت عليها التنظيمات المتطرفة في جذب أعدادٍ جديدة من الناس إليها، منوها الى أن الخلاف بين الأزهر والسيسي حول قضية الطلاق الشفهي لم يصل حتى حد الاصطدام.
وأوضح فاروق أنه ما دام كان الخلاف يمكن حله بالنقاش فلا داعي أبدًا للاصطدام، مشيرًا إلى أن هذا هو ما حدث بين الرئيس ومؤسسة الأزهر بشأن الطلاق الشفهي.
عندما توجّه السيسي إلى امام مؤسسة الأزهر المستقلة عن الدولة استقلالاً منحه لها الدستور المصري قائلاً “تعبتني” فهو ربما أشار إلى الخلاف داخل الدولة المصرية بالقدر نفسه الذي يعبّر فيه عن قلقه إزاء وضع الأسرة المصرية. مما لا شكّ فيه أن السيسي هو من يتولى قيادة الدولة، لكن الدولة المصرية تُثبت أحياناً أنها كيان (أو مجموعة كيانات) يصعب السيطرة عليه. لذلك نراه الآن يتراجع بشكل غير مباشر أمام الأزهر الذي اصر على أنه لا يتلقى أوامر من أحد بشأن الشريعة. غير أنها لا تتبنى موقف المعارضة، بل على العكس يملك النظام الكثير من المؤيدين في الجهازين القضائي والديني. لكن ثمة شخصيات على رأس هاتين المجموعتين معاً من المؤسسات تسعى إلى الحفاظ على ما تراه استقلاليتها، وتصر على ضرورة احترام خبراتها الخاصة حتى لو لم تؤدِ إلى إرضاء رغبات الحكّام على المدى القصير.
المصدر/ الوقت